حتي نتفادي المغالطات والتشويه..من يكتب تاريخ مصر دراميا؟!!

531

بقلم عيد عبد الحليم

التاريخ حقائق ثابتة غير قابلة للتأويل أو الاجتهاد الشخصي, لأنه ابن وقائع حقيقة جرت بالفعل مهما تعددت أحداثها والشخصيات التي قامت بها.
ونقل التاريخ يحتاج الي حالة من التخصص والمعرفة التامة بحقائقه. من هذا المنطلق فإن كتابة التاريخ ليست امرا عشوائيا ولا تتم وفق الهوي الشخصي أو الانحيازات الايديولوجية؟
وتصوير التاريخ في أعمال أدبية وفنية لا يتم من خلال قراءات متعجلة, او وفق معلومات مبتثرة, فعلى الأديب الذي يتصدي لكتابة رواية تاريخية- مثلا- عليه أن يقرأ – من الاحداث التاريخية التي يريد تصويرها- من مصادر متعددة صحيحة ومن مؤرخين ثقات, حتي يبني وجهة نظره الفنية.
وكذللاك صناع الدراما, من مؤلفين ومخرجين ومنتجين عليهم اذا تصدوا لانتاج فيلم او مسلسل تاريخي أن يعودوا لأهل الرأي الثقات من المؤرخين, وليس بالاعتماد علي جهودهم الخاصة ومعرفتهم بالاشياء.
فما حدث مع مسلسل “الملك أحمس”, وما حدث فيه من مغالطات تاريخية وفنية جعل ادارة الشركة المنتجة “سنورجي” لوقف عرضه لحين انتداب لجنة لتقييم العمل ومدي صلاحية عرضه أو عدم الصلاحية.
وقد صرح صناع العمل بأن المسلسل مأخوذ عن رواية “كفاح طيبة” لنجيب محفوظ, وهي من بواكير أعماله الادبية فقد كتبها عام 1934, من خلال مشروع كان ينوي كتابته روائيا عن تاريخ مصر القديم.
ويبدو أن صناع العمل لم يلتزموا بالنص الروائي وما به من حقائق تاريخية عن شخصية “الملك احمس” الذي حرر مصر من “الهكسوس”, وواصل طريق الكفاح والنضال بعد والده “الملك ستفن رع” الذي استشهد في الدفاع عن الوطن وكذلك أخيه الاكبر “كامس”, كما أن الاعتراضات طالت الفنان عمرو يوسف الذي ادي شخصية “احمس”, علي اعتبار انه ظهر في المسلسل وهو يطلق لحيته علي الطريقة التركية, وأنه ذو عيون ملونة وابيض البشرة, في حين ان المصادر التاريخية والصور والتماثيل الموجودة للملك “احمس” تؤكد أنه كان ذا بشرة سمراء من جنوب مصر, كما ان وقت انتصاره علي الهكسوس لم يتعد العشرين عاما, ومات شابا وعمره 39 سنة, وهو ما يتناقض مع شخصية عمرو يوسف.
وكانت الشركة المنتجة قد اصدرت بيانا رسميا اكدت فيه علي تشكيل لجنة عاجلة من مجموعة من المتخصصين في التاريخ والآثار وعلوم الاجتماع لمشاهدة المسلسل ومراجعة السيناريو كاملا وابداء الرأي بموضوعية ومهنية”.

مراجعة تاريخية
وعودة سريعة الي التاريخ القريب من الدراما المصرية, فسوف نجد انه في ثمانينات القرن الماضي بدأ بث عدد من المسلسلات الدينية خاصة في شهر رمضان, بداية من المسلسل الشهير والذي استمر لعدة سنوات وهو مسلسل “لا اله الا الله” تأليف امينة الصاوي, واخراج احمد طنطاوي, وشارك في بطولته كل نجوم التمثيل في مصر في ذلك الوقت ومنهم شكري سرحان ومحمود المليجي وتوفيق الدقن ومحسنة توفيق وعبدالله غيث وحمدي غيث وغيرهم.
وحقق المسلسل- وقت عرضه- اكبر نسبة مشاهدة, وكانت هناك لجنة من اساتذة التاريخ تراجع احداث المسلسل, وكان علي رأسها د. احمد شلبي – استاذ التاريخ بجامعة القاهرة, وصارت المسألة علي هذا النهج لسنوات طويلة مع المسلسلات التي انتجها “قطاع الانتاج” بالتليفزيون المصري, خاصة سلسلة المسلسلات الدينية والتاريخية ومنها “الامام أبوحنيفة النعمان” و”عمر بن عبدالعزيز” و”الائمة الاربعة” و”الابطال” وغيرها.
لذا جاءت هذه المسلسلات دقيقة في أحداثها التاريخية وطريقة عرضها الصادقة والواقعية, مما جعل الجمهور يلتف حولها, ويظل يشاهدها- حتي الان- حين يعاد عرضها.
كما ان بعض هذه المسلسلات كان يكتبها مؤلف تخصص في الكتابة التاريخية وهو الراحل عبدالسلام امين, والذي قدم – ايضا- بالاضافة الي هذه المسلسلات “فوازير رمضان” و”الف ليلة وليلة” وغيرها من الاعمال المميزة في شهر رمضان.

المراجع التاريخي
كان المراجع التاريخي احد الاركان المهمة في الاعمال الدرامية التي تتعرض لاحداث وشخصيات تاريخية, وهذا ما رأيناه في أفلام مهمة مثل “واإسلاماه” المأخوذ عن رواية لاحمد علي باكثير, وكذلك في فيلم “الناصر صلاح الدين” اخراج يوسف شاهين, حتي في الافلام والمسلسلات التي تناولت حقبا تاريخية قريبة, مثل ثورة 1919, او ما قبلها مثل فيلم “مصطفي كامل”, كان المؤلفون يرجعون الي الكتب التي أرخت لتلك الفترة, مثل مؤلفات عبدالرحمن الرافعي.
حتي الافلام التي ارخت لثورة يوليو ومنها فيلم “ناصر 56” كانت هناك مراجعة تاريخية له من قبل اساتذة متخصصين, وكذلك فيلم “ايام السادات” والذي كتبه الكاتب الراحل احمد بهجت, وفق حقائق تاريخية عاصرها.
وهنا تتبادر الي الذهن مجموعة من الاسئلة, عن الدور الثقافي والفني الذي تلعبه الدراما التاريخية في تنمية الوعي وتكثيف الشعور بقيم الانتماء والهوية.
مما يجعلنا نؤكد علي ضرورة المراجعة ثم المراجعة لكل الاشكال الدرامية الخاصة بهذا الجانب, حتي لا يتعرض تاريخنا الناصع للتشويه بقصد او بدون قصد!!
وحتي لا تتكرر هذه القضايا- كل عام- , فمنذ اعوام قليلة ثارت ضجة من البعض ضد مسلسل” الجماعة” تأليف الراحل وحيد حامد, والذي رد علي منتقديه بأنه استقي التاريخ من مصادر متعددة.
لكن مثل هذه القضايا تعمل علي تشويش المشاهد, فعلي صناع الدراما ان يتحروا الدقة اذا تصدوا لمثل هذه الاعمال, لان الخاسر الوحيد لو حدثت – اي هفوة- هو المشاهد.

التعليقات متوقفه