” على ضفة النهر ” لـ”محمد صالح رجب”

يسر جريدة الأهالي أن تقدم لقرائها صفحة إبداعات تواكب الحركة الأدبية المعاصرة في مصر و العالم العربي و الترجمات العالمية ..وترحب بأعمال المبدعين و المفكرين لإثراء المشهد الأدبي و الانفتاح على تجاربهم الابداعية..يشرف على الصفحة الكاتبة و الشاعرة/ أمل جمال . تستقبل الجريدة الأعمال الابداعية على الايميل التالي: Ahalylitrature@Gmail.Com

605

” على ضفة النهر “

محمد صالح رجب

انتهت العطلة سريعا، قالها لنفسه قبل أن يغادر بيت العائلة  في قريتهم متوجها إلى القاهرة، لقد اعتاد أن يقضي عطلته السنوية معهم. في الطريق إلى محطة الميكروباص، لمحها وهي تحمل طفلا صغيرا بينما تشبث آخر بعباءتها السوداء، كانت واجمة، مترهلة، خطواتها مثقلة. للحظات، ظل يرقبها وهو يتذكر ذلك اللقاء العابر الذي جمعهما. كان ذلك منذ سنوات بعيدة، كانت العواطف في صباها، وكان قد انتهى لتوه من دراسته الجامعية. وقتها كانت الشمس في أوهجها، والنهار قد انزلق إلى منتصفه.كان النيل صامتا حيث لا أحد. كان ـ كعادته ـ قد حمل صنارته وعبر ذاك الكبري المتهالك ثم انحرف يسارا إلى مكانه المفضل، نزل درجات حجرية عدة، فصنارته البسيطة التي صنعها من عود غاب ربطه بخيط بلاستيكي وثبت به ثقل بسيط من الرصاص لا تمكنه من الصيد بكفاءة من أعلى الشاطئ، كما أن القرب من سطح الماء له متعة تعوضه كثيرا عن ضعف الغلة الذي يلازمه والذي دفعه مرات عدة إلى إلقاء تلك السمكات المعدودات في النهر قبل أن يعاود لمنزله ويواجه سخرية أمه التي اعتادت أن توبخه على خروجه في ذلك الجو. كان يجد متعته في تلك الأجواء حيث لا أحد، يشعر أن النهر له وحده دون غيره، حتى النساء اللاتي اعتدن تنظيف الأواني هربن من حرارة الطقس.كان غريبا أن تأتي في ذلك التوقيت، بل وتترك ضفة النهر الأقرب إليها. تملكه الارتباك حين رآها تعبر الكوبري، حتما ستشاركه المكان والنهر، هَمَّ بالمغادرة، غير أن الأمر بدا غير لائق، تراجع وتماسك، ألقى ببصره باتجاه صنارته، تشاغل بالصيد حين هبطت درجاتٍ وألقت سلاما رده عليها بتلعثم وخفوت، شمرت عن ساقيها وهبطت درجة إضافية، بدت ساقاها بيضاء تسر الناظرين، غاصت بهما في النهر، ثم شرعت في تنظيف أوانيها، كان المشهد مريبا. حسم أمره وقرر أن ينأى بنفسه، لكنه حين جمع أغراضه و همَّ بالانسحاب إذا بها  تفاجئه بسؤالها الغريب والذي نزل عليه كالصاعقة:

– هل قلت لفلان أني أُحِبك؟

انتفض على الفور نافيا:

 – لم أقل، وكيف لي أن أتحدث في شئ لم يحدث؟

كانت لا تزال تنظف أوانيها بينما العرق يتصبب منه، لم يعتد الحديث إلى النساء فما بالك بالحديث إلى تلك الجميلة التي كان يشاهدها في غدوها ورواحها، كثيرا ما كان يطيل النظر إليها. ” لعلها لاحظت ذلك” قالها لنفسه وهو يغادر، غير أنها نهضت فجأة واعترضت طريقه، حدقت في عينيه للحظات قبل أن تقول:

– وماذا فيها؟

 تَسَمَّر لجرأتها، قالت مبتسمة:

– أُحِبُك..

نظر لها وابتسم، فاتسعت ابتسامتها، ثم غادر.

التعليقات متوقفه