أمينة النقاش تكتب:ثورة الأمير الشاب الحداثية 

535

ضد التيار 

ثورة الأمير الشاب الحداثية 

أمينة النقاش 

بثقة ملحوظة فى النفس، تستند لمصداقية فى الوفاء بالوعود، ولشرعية الإنجاز، ولخطوات متتالية غير مسبوقة فى التحديث الاجتماعى والتطوير الاقتصادى للمملكة، تحدث الأمير “محمد بن سلمان “ولى العهد السعودى ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، فى الحوار التليفزيونى الأخير بمناسبة مرور خمس سنوات على رؤية السعودية التنموية 2030 . الحديث الذى استغرق نحو ساعة،  بدا فيه الأمير الشاب ممسكا بجدارة وتمكن بإتجاه عملية التغيير التى بدأت مع توليه موقعه القيادى واستهدفت تنويع مصادر الدخل القومى،وتقليل الاعتماد فى المجال الاقتصادى على النفط تحسبا للمتغيرات التى قد تحدث فى المستقبل،  بالتوسع فى النشاط الاقتصادى فى مجالات الصناعات التحويلية وزيادة الاستثمار فى حركة العمران،  والنقل والمواصلات، والخدمات السياحية والتعدينية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، والصحية،  وتكنولوجيا المعلومات، والتشجيع على الادخار، وتعزيز مساهمات القطاع الخاص، عبر الدور الذى يقوم به صندوق الاستثمارات العامة، واستحداث سياسات ضريبية تخدم أهداف الخطط التنموية.

ولعل أهم ما يلفت الانتباه لهذا الحوار الهام، أنه يفتح باب الأمل واسعا أمام تغير حقيقى، لا ينهض فقط بمستقبل المملكة العربية السعودية على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن يبشر كذلك بتعديل موازين القوى السائدة فى الإقليم، بما يحقق الاستقرار لكل دوله . فضلا عما إنطوى عليه الحوار من افكار تقدم تجديدا شجاعا و حقيقيا للخطاب الدينى، يكتسب أهميته من المكانة الرمزية السامية للسعودية فى العالم الإسلامى، بما من شأنه ان يبرز للعالم صورة عصرية للإسلام والمسلمين فى القرن الواحد والعشرين، بعدما اقترن الدين فى العقود الأخيرة بمجموعات الإرهاب الجهادى، من القتلة والمجرمين والمخربين وهواة سفك الدماء وسبى النساء وهدم الدول، وتدمير الميراث الحضارى الانسانى، وهم يرفعون رايات الإسلام ويهتفون باسم الله .

وفى الحديث كشف الأمير “محمد بن سلمان “عن سياسة خارجية جديدة، تستهدف تحسين العلاقات السعودية مع إيران، فى الوقت الذى تتوالى فيه الاخبار عن مداولات بين الطرفين برعاية عراقية،  للتوصل لحلول للمشاكل العالقة بين الدولتين الكبيرتين لخدمة المصالح المشتركة، بوضع المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار فى اليمن موضع التنفيذ، والتوصل مع الحوثيين لحل تفاوضى، يكفل حقوق جميع الأطراف. وتلك خطوة إذا كللت بالنجاح، سوف لا تنعكس آثارها الايجابية على الأزمة اليمنية فقط،  بل تمتد لتشمل كذلك معظم أزمات المنطقة .

شهدت السعودية خلال السنوات الخمس الماضية خطوات هامة على الصعيد الاجتماعى فى اتجاه تعزيز سلطة دولة القانون،بتحجيم القوى الدينية المحافظة، الذى يتنافى دورها مع المنظومة العالمية لحقوق الإنسان، فضلا عن عرقلته لخطط التحديث السارية على قدم وساق .فالغيت هيئات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وانيط بالقضاء مهمة مساءلة الأفراد فى حال تجاوزهم للقانون . ومنحت المرأة حقوقا كانت محظورة عنها، كقيادة السيارة والحق فى التنقل واستخراج الأوراق الثبوتية، فضلا عن بروز دورها فى المجال العام، وفى تقلد المناصب التنفيذية المتقدمة .

جاء حديث الأمير “بن سلمان”عن علاقة الدولة بالدين والشريعة وعن الفكر الوهابى ليعزز من الانجازات السابقة، ويضيف إليها، ويفتح الباب واسعا أمام اجتهاد يتسم باتساع الأفق، والفهم العميق لمقاصد الشريعة الإسلامية، بما يخدم المصالح العامة للناس، ويتوافق مع روح العصر،  ويحاصر دعوات دينية شائعة لمخاصمة الحياة والاستهانة بها . وفى هذا السياق يؤكد الأمير أن الدولة السعودية بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية ملزمة بتطبيق النصوص الواردة فى القرآن بشكل واضح، وبعدم فرض عقوبة شرعية، بدون نص قرآنى صريح، أو نص من سنة الرسول، من احاديثه المتواترة، التى تتسم بثبات قوى، ويخضع تفسيرها للاجتهاد حسب الظرف والمكان .اما أحاديث “الآحاد “التى ينقلها أفراد أو جماعات عن الرسول فهى غير ملزمة، إلا إذا اقترنت بنصوص شرعية وبمصلحة دنيوية واضحتين .وهو نفس ما ينطبق على أحاديث “الخبر”فلا تنظر الدولة فيها نهائيا، إلا اذا اسندت برأى به مصلحة واضحة للإنسان .

واعتبر الأمير الالتزام بالمدرسة الوهابية تأليها للبشر، وغلقا للعقول أمام الاجتهاد، فلا توجد مدرسة ثابتة كما يؤكد، ولا يوجد شخص ثابت، والاجتهاد فى أحكام القرآن مفتوح للأبد ومستمر ليوم الدين .

وبهذا الفهم المستنير للدين، تعيد القيادة الشابة بناء الدولة السعودية الجديدة، برفع وصاية رجال الدين عن سياسات الحكومة وانشطتها، وترسيخ دور الدولة فى تحديث الحياة الاجتماعية . وهى تكتسب كل يوم دعما جديدا من فئات اجتماعية يتحقق وجودها بتراجع الثقافات والعلاقات التقليدية، لصالح التقدم الحضارى، وانجاز بقية خطة 2030 والولوج منها إلى امل نهضوى وحداثى جديد فى 2040 كما يعد محمد بن سلمان .

التعليقات متوقفه