الحرب بين قيرجيزستان وطاجيكستان تشتعل من جديد:مصلحة الولايات المتحدة وحلف الناتو تشتيت قوى روسيا والصين

روسيا دعت الأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل النزاع بالطرق السلمية

426

بعد النزاع الأرمينى الأذربيجانى فى جنوب القوقاز، وحالة الاستقطاب التى خلقها، سواء من تدخل تركى إلى جانب أذربيجان وتدخل روسيا فيما بعد لتهدئة الأمور، خاصة أن لها علاقات جيدة بتركيا التى حاربت تقريباً إلى جانب أذربيجان وروسيا بعلاقة التحالف مع أرمينيا، ومحاولة خلق نوع من التوازن بين الشريك التركى والحليف الأرمينى (حيث توجد قاعدة عسكرية روسية فى أرمينيا، وعدم السماح بهزيمة ساحقة لأرمينيا)، فى ذلك الوقت كانت قيرجيزستان تغلى بأحداث داخلية، حيث تم خلع الرئيس القيرجيزى، والاستعداد لانتخابات رئاسية جديدة وكانت البلاد مهددة بحرب أهلية حينها أعلن الرئيس بوتين أن روسيا لن تتدخل فى الشئون الداخلية القيرجيزية، رغم أن روسيا لها قاعدة عسكرية واستثمارات كثيرة فى مجال التعدين.
بداية وسط آسيا (تركستان) تنقسم إلى قسمين قسم يتحدث التركية مثل كازاخستان وقيرجيزستان وأوزبيكستان وتركمنستان وحتى غرب الصين حيث الإيجور، وتبقى من وسط آسيا طاجيكستان وهى من المتحدثين باللغة الفارسية. بدأ النزاع بين الطاجيك والقيرجيز، باندلاع معارك عنيفة ليلة 29 أبريل، فى منطقة الحدود بين البلدين، وبدأت كل منهما فى حشد المعدات الثقيلة من مدرعات ومدفعية إلى منطقة الحدود، نتج عن هذه الاشتباكات قتلى وجرحى بما فى ذلك من المدنيين من الجانبين. كلا الطرفان كان يتهم الطرف الآخر بأنه من بدأ الحرب، مما قد يؤدى إلى عمليات إرهابية، وقد يحدث خسارة لبعض الأراضى من الجانبين.
الخلاف الحدودى بين قيرجيزستان وطاجيكستان، له امتدادات وجذور تعود إلى الحقبة السوفيتية عندما كانت الدولتان ضمن الاتحاد السوفيتى، كانت موسكو تتمكن من إخماد هذا الحريق فى مهده ودون أن تمتد جذوته إلى دول أخرى فى منطقة وسط آسيا، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتى تدهورت الأوضاع بشكل حاد، ولم يستطع الجانبان بعد 30 عاماً من انهيار الاتحاد السوفيتى أن يجدا صيغة تفاهم بينهما، فقد تم ترسيم 504 كم من الحدود، من أصل حدود طولها 970 كم هو طول الحدود المشتركة بين البلدين، وهناك أكثر من 70 جزءا من المتبقى من هذه الحدود محل جدل وخلاف بين البلدين، ولم يتم ترسيمه حتى الآن.
سبب النزاع فى الأصل هو مركز توزيع المياه الرئيس المخصص للقيام بعمليات الرى فى ثلاث دول هى قيرجيزستان وطاجيكستان وأوزبيكستان، يوجد فى جزء من السبعين محل الجدل والخلاف الحدودى، وكانت السلطات الطاجيكية قد اتهمت الجانب القيرجيزى باحتلال المبنى الذى يوجد فيه مركز توزيع المياه.
أربعة صدامات
تجدر الإشارة إلى أنه خلال العامين الأخيرين حدثت أربعة صدامات عسكرية شديدة، أدت إلى وقوع ضحايا من المواطنين المدنيين، أخر مواجهة بهذا الخصوص حدثت منذ عام تقريباً وفى نفس منطقة إسفارنس الطاجيكية، ما أدى إلى إصابة اثنين من المواطنين. لكن على ما يبدو مع مرور الوقت يأخذ الصراع بين البلدين شكلا أكثر حدة، ففى الاشتباكات الأخيرة التى حدثت أواخر أبريل، ظهر النزاع وكأنه صراع عسكرى مكتمل الأركان، فقد استخدمت فيه الدبابات والسيارات المدرعة لأول مرة، وأعلنت القوات القيرجيزية استيلاءها على إحدى النقاط الحدودية وأكدت القوات القيرجيزية أن القوات الطاجيكية هى التي بدأت بفتح النيران على الجانب القيرجيزى.
وبصرف النظر عن البادئ بإطلاق النار، إلا أن هناك مشكلة حدود لم يتم ترسيمها فى جزء كبير منها، خاصة أن الأجزاء محل النزاع يوجد منها ما هو مصدر لتوزيع المياه بين ثلاث جمهوريات فى وسط آسيا، ويذكر أن خلافا قد حدث بعد انهيار الاتحاد السوفيتى مباشرة بين أوزبيكستان وطاجيكستان ولكن تم إخماده بسرعة فقد كانت طالبان تقترب من الوصول للحكم فى أفغانستان، وكانت روسيا تخشى وصول شرارة التطرف لجمهوريات وسط آسيا وهى مازالت ضعيفة بعيد الاستقلال فانشأت قاعدة عسكرية مازالت قائمة فى طاجيكستان، ودعمت أحمد شاه مسعود الذى كان يتمركز فى شمال أفغانستان.
قدرات متهالكة
الطريف أن القدرات العسكرية للدولتين طاجيكستان وقيرجيزستان متهالكة، حيث تعتبر القدرات العسكرية للثانية أكبر بحوالى ثلاث مرات القدرات العسكرية للأولى، فنجد أن قيرجيزستان رغم تفوقها على طاجيكستان لا تملك لا قوات بحرية ولا قوات جوية تقريباً، فهى تمتلك مروحيتين من طراز مى ـ 24 روسيتي الصنع، فى حين طاجيكستان لا تملك مثل هذا، وتعتمد فى الأساس على وجود القوات الروسية على أراضيها فقط، ولذلك من المستبعد استمرار النزاع، الذى أدى إلى تشريد عدد كبير من السكان المدنيين فى المنطقة الحدودية، للاستمرار الطويل إلا إذا حدثت عملية استقطاب خارجى.
روسيا دعت الأطراف إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل النزاع بالطرق السلمية، وما ساعد على سرعة إخماد لأوار الحرب هو أولاً ضعف القدرات العسكرية للطرفين، وثانياً اجتماع رؤساء حكومات الدول الأوروآسيوية فى كازان عاصمة تتارستان الروسية، ودعوة رئيسى وزراء البلدين لوقف إطلاق النار.
من حيث الدلالة نجد أن الدولتين أعضاء فى منظمة الأمن الجماعى التى تضم معظم دول الاتحاد السوفيتى السابق أى أنهما حليفتان ومحور هذه المنظمة هى روسيا، وهما كذلك عضوتان فى منظمة شنغهاى للتعاون الاقتصادى، وفى الاتحاد الجمركى مع روسيا ويبلاروسيا، وموسكو لن تسمح بأى حال من الأحوال باتساع رقعة النزاع من ناحية، كما أن روسيا تخشى الخطر الذى قد يأتى من أفغانستان خاصة مع اقتراب انسحاب حلف الناتو والولايات المتحدة من هناك. وهناك عنصر مهم جداً فى حال استمرار النزاع واتساع رقعته بانضمام أوزبيكستان، وهو حدوث نوع من الاستقطاب المناطقى، ففى أفغانستان هناك الكثير من الطاجيك وكذلك الأوزبك، وهناك إيران حليفة روسيا فى نفس الوقت ومن الممكن أن تتدخل إلى جانب دوشنبيه (طاجيكستان)، ومن الممكن أن تتدخل تركيا إلى جانب بيشكيك (قيرجيزستان) إضافة إلى دول تركستانية مثل كازاخستان وتقع الخاصرة الجنوبية لروسيا فى حالة فوضى عارمة، بذلك تكون روسيا تخلصت من خطر التطرف الأفغانى، فيأتى التطرف بعد الانسحاب من خلال الاستقطاب إلى صراع وسط آسيا، مع العلم أن كلتا الدولتين تحتضن على أراضيها قاعدة روسية.
تدخل روسي
فى تقديرى أنه مهما حاولت روسيا النأى بنفسها عن هذا الصراع إلا أنها ستكون مضطرة للتدخل لأن المسألة لا تمس دولتين حليفتين لروسيا فى وسط آسيا فقط، بل دولتين حليفتين لروسيا خارج الحدود هما إيران وتركيا ناهيك عن كازاخستان. تجدر الإشارة إلى أن منظمة الأمن الجماعى كانت قد اقترحت أكثر من مرة ودعت الطرفين إلى محادثات لترسيم الحدود والبحث عن حل توافقى، ودعت الطرفين لتقديم تنازلات، لأن الحدود محل الخلاف تم ترسيمها فى عهد الاتحاد السوفيتى أى قبل الاستقلال، وهى ليست حدود بين دولتين ذات سيادة كما هو الوضع الآن، لأن استمرار الخلاف من الممكن أن يشحن العناصر القومية المتطرفة من الجانبين.
على أى حال تمكن الطرفان من التوصل لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات إلى مناطق التمركز قبل النزاع، وتم التوصل لاتفاق عن طريق وزيرى خارجية البلدين، غير أن المراقبين ينظرون بعين الشك لتنفيذ الاتفاق ليس فقط من جانب طرفى النزاع الحاليين ولكن من طرف ثالث قد يكون من الإسلاميين المتطرفين أو المقاتلين الأفغان ما قد يشعل فتيل الأزمة من جديد، فالعناصر الإرهابية تحاول توسيع مناطق نفوذها فى وسط آسيا، وللأسف أى عدم استقرار فى وسط آسيا من الممكن أن يساعد على تنامى خطر وجود الإرهاب، خاصة مع اقتراب خروج الأمريكيين من أفغانستان. هنا يجب على دول وسط آسيا أن تزيد من التلاحم فيما بينها والبعد عن النزاعات وحل الخلافات بالحوار، وهذا دور روسيا المحورى للمحافظة على الهدوء فى حديقتها الخلفية.
تشتيت قوى روسيا والصين
فى تقدير بعض الخبراء أن إثارة القلاقل وخلق حالة من عدم الاستقرار فى منطقة وسط آسيا هو من مصلحة الولايات المتحدة وحلف الناتو وذلك بهدف تشتيت قوى روسيا والصين، الأولى من خلال الاقتتال بين حلفائها والأعضاء فى الاتحاد الجمركى وجر المنطقة لتدخل تركى، وإيرانى، والثانية من خلال مسلمى الإيجور الذين قد ينخرطوا فى القتال إلى جانب قيرجيزستان الأقرب من حيث المذهب والعرق. كلنا يدرك ما قامت به الولايات المتحدة والغرب فى أوكرانيا وجورجيا وأخيراً بيلاروسيا، ومولدوفا وهو ما خلق طوق من عدم الاستقرار حول روسيا لاستنزافها عسكرياً ولوجستياً. الولايات المتحدة وحلف الناتو على ما يبدو بذلك يريدان أن يصفقا الباب بقوة خلفهما بعد الخروج من أفغانستان، ويتركا وسط آسيا مشتعلة مما يستقطب العناصر المتطرفة من أفغانستان. الأهم أن منطقة وسط آسيا وإن كانت بعيدة نسبياً عن شمال القوقاز الروسى، إلا أنها قريبة من منطقة الفولجا ذات التواجد الإسلامى فى قلب روسيا (تتارستان وبشكورتستان جمهوريتان ذات أغلبية مسلمة تتمتعان بالحكم الذاتى داخل الاتحاد الروسى)، من هذا المنطلق سيكون على روسيا أن تعمل كرجل إطفاء للنزاعات فى وسط آسيا أيضاً، وإلا فإن الشرارة قد تطالها، والأفضل لموسكو هو البدء فى ترسيم الحدود بين دول المنطقة، لتحقيق استقرار دائم.

 

التعليقات متوقفه