لجنة الدفاع عن الثقافة القومية .. مثقفون في مواجهة التطبيع

301

من أهم التنظيمات الثقافية التي ظهرت في أواخر سبعينات القرن الماضي ” لجنة الدفاع عن الثقافة القومية ” ، والتي أنشئت عام 1979 برئاسة الأديبة والناقدة د. لطيفة الزيات ، وأمين اللجنة الكاتب حلمي شعراوي .
ففي الثاني من إبريل 1979 اجتمع مئات المثقفين المصريين بمقر حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي لمناقشة موقف المثقفين المصريين من معاهدة كامب ديفيد ، ومن هذا الاجتماع خرجت فكرة تكوين ” لجنة الدفاع عن الثقافة القومية ” كلجنة جبهوية للتصدي للهجمات الاستعمارية والصهيونية والتطبيع .
وكان من أهداف اللجنة الأساسية ” مواجهة السيل الإعلامي المزيف لحقائق التاريخ الذي تعرضت له مصر ، وما أرتبط به من مناخ يختلف أختلافاً لتمرير تطبيع العلاقات بين مصر واسرائيل على الأصعدة الاقتصادية والسياسة والثقافية ، كان على اللجنة أن تعمل جاهدة من أجل ترسيخ مناخ مناهض يرتكز إلى المنطلقات الوطنية والكفاحية للشعب المصري ويجلوا الذاكرة الجماعية بتأكيد مسلماتها التاريخية ” (1) .
وجاء البيان التأسيسي للجنة ليؤكد على الهوية المصرية وضرورة الدفاع عنها ضد محاولات الأستعمار بأشكاله المختلفة ، وتحت عنوان ” نداء : دفاعاً عن الثقافة القومية : جاء في البيان :
” منذ الثورة العرابية وإلى اليوم ، قامت كل ثقافة مصر الحديثة على منطلقات فكرية وطنية وتحررية معادية للاستعمار الأجنبي والتبعية الاقتصادية وعلى هذا الاساس انطلق وأرتكز كل ما أبدعه العقل المصري والوجدان المصري واليد المصرية في مجالات العلوم الإنسانية والتطبيقية والفنون والآداب والخبرة والتصنيع والتقدم الفني ، ومن هذا الأساس استمدت الثقافة المصرية العربية مغزاها ومعناها وهويتها ، واستلهمت وألهمت الشخصية المصرية نفس الهوية ” .
وأشار البيان إلى التناقض بين منطلقات الثقافة الوطنية في مصر والثقافة الاستعمارية الصهيونية ، ونبه للمخاطر العديدة التي تتعرض لها البلاد من جراء اتفاقيات كامب ديفيد ، ومنها القطيعة المفتعلة بين الشعب المصري وباقي الشعوب العربية وطمس تاريخ مصر وتزييف الحقائق إلى حد محاولة تغيير بعض المناهج التعليمية بما يتفق والسياسات الجديدة ، وحذرت اللجنة من كافة أشكال التبادل العلمي والثقافي والتقني وما يصاحبه من الترويج للتفوق الإسرائيلي ” .
حماية التراث
وأوصت اللجنة في بيانها التاسيسي ، بضرورة حماية التراث الكفاحي لشعب مصر دفاعاً عن ثقافته الوطنية وذلك بالعمل على كشف المخططات الاستعمارية والصهيونية والتصدي لها وإحباطها ، وبرفض كافة أشكال التبعية العلمية والتقنية ، وضرورة مواجهة محاولات تشويه تاريخ مصر الحديث ، وتأكيد ” الوحدة الوطنية ” بين عنصري الأمة ” والمقاطعة الشاملة لكل أشكال التبادل الثقافي والعلمي والتربوي مع العدو الصهيوني ،وضرورة إلغاء القوانين المقيدة للحريات الفكرية ، والدعوة لتشكيل هيئة للدفاع عن الثقافة الوطنية .
وأكد البيان على أن ” سلاح الثقافة سلاح لنا وسلاح علينا ، لنا الثقافة الوطنية التي تستنهض من الماضي العفي فيه وتنتفع من مخزون الخبرات والقيم الشعبية ، تشحذ الذاكرة وتضئ العقول وتبدع وتضيف من أجل إطلاق الطاقات على طريق التحرر الوطني والاجتماعي . وثقافة أخرى علينا ، مسلطة كحد السيف ، زائفة أو مفسدة ، أو معرقلة قمع فعل النهوض والتحرر والتشتيت ما يرسخ تبعيتنا الاقتصادية والسياسية أو تستنتهض من الماضي أشباحاً موتورة تقبض أنفاسنا وتوزع أبناء الوطن الواحد والمصلحة الواحدة ، تشغلهم بالفتن الطائفية وتبدد طاقاتهم وتهدر إنجازهم التاريخي .
وأكد البيان على أن ” الثقافة ليست حجراً كريماً في المتحف الوطني أبدية الصفات ثابتت الملامح بل هي كالتاريخ نفسه مركبة متغيرة متحركة ـ هي ثقافة واحدة في المجتمعات اللاطبقية تنقسم بعد ذلك في المجتمعات الطبقية حيث تصبح ثقافتين إحداهما رسمية مدونة تكرس غالباً سلطة الفئات السائدة والأخرى شعبية ومهمشة وإن بقيت رغم ذلك قائمة وعفية تخلق مواقعها الاجتماعية عبر الحكم والأمثال والحكايات والأغاني والممارسات والطقوس ” .
القضية الفلسطينية
وكانت القضية الفلسطينية أحد المحاور الرئيسية التي أخذت اللجنة على عاتقها الدفاع عنها ، ظهر ذلك جلياً عبر أنشطتها المتنوعة ومؤتمراتها المتعددة ، ومنذ البيان الأول للجنة ظهر هذا التوجه يوضح شديد ، كما يتضح ذلك أيضاً في البيان الذي أصدرته اللجنة عام 1988 في ذكرى مرور أربعين عاماً على تأسيس دولة إسرائيل بعد هزيمة 1948 ، وجاء في هذا البيان .
” أن المشروع الصهيوني يشكل تهديداً خطيراً على مشروع التحرر العربي وتطلع شعوب المنطقة إلى مستقبل أفضل ، ومن هنا فأن التعايش بين المشروعين يبدو ضرباً من المستحيل ، ومن هنا فأن مواجهة إسرائيل ليست مسئولية الفلسطينيين وحدهم بل مسئولية كل الشعوب العربية صاحبة المصلحة في إنجاز المشروع الديموقراطي العربي في التحرر والتقدم ” .
ولما كانت التجربة التاريخية قد أثبتت مدى خطر المشروع الصهيوني على مصر وأمنها فأن موقفنا الرافض لإسرائيل ليست مجرد تضامن مع قضية عادلة لشعب عربي شقيق بل هو موقف ينطلق من الوعي بالمصالح الوطنية للشعب المصري ، وأن فلسطين قضية مصرية لأن الدفاع عن حرية فلسطين جزء لا يتجزأ من الدفاع عن حرية مصر ” .
معارك مختلفة
ودخلت اللجنة مجموعة من المعارك الفكرية والسياسية ، بداية من رفضها لتوقيع معاهدة ” كامب ديفيد ” بين الحكومة المصرية وإسرائيل في مارس 1979 ، والتي نصت على قيام التعاون الثقافي والتبادل العلمي ، فأكدت اللجنة على أن هذا الأمر مرفوض تماماً ، لأن الثقافة المصرية والعربية منذ الثورة العرابية عام 1882 قامت على أهداف تحررية رافضة للسطوة الاستعمارية على مصادرنا الاقتصادية وكياننا الاجتماعي وتصدت اللجنة منذ البداية للمنطلقات الإيديولوجية الهادفة لربطنا بالمصالح الأوروبية والأمريكية تحت دعوى ثنائية التقدم ـ الحضارة الأوروبية ، في مقابل ” التخلف ” الوحدة العربية ، وذلك في رد اللجنة على الأديب توفيق الحكيم .
كما دعت اللجنة في مواقف متعددة إلى حماية التراث الوطني الشعبي من تغلغل الإيديولوجيات المهددة لهويته ورفض أشكال التبعية الفكرية والثقافية في جميع فروع الفكر والعلم والإيديولوجيا .
ورفض التطبيع مع إسرائيل على جميع مستويات الاقتصاد والثقافة والفكر وكشف الطرق المباشرة وغير المباشرة للغزو الثقافي الأمريكي الإسرائيلي .
كما أقامت اللجنة عدة ندوات للدفاع عن حرية الفكر ورفض أشكال المصادرة والرقابة على الإبداع ، ومن ذلك الندوة الموسعة حول ” المشكلة الطائفلية في مصر” في مايو ويونيه 1987 وقدمت فيها مجموعة من الأوراق المهمة التي ناقشت الجذور الصعبة للمشكلة .
كما أقامت اللجنة ندوة لمناقشة قوانين الرقابة المقيدة للحريات الفكرية والإبداعية ، وأقامت كذلك ندوة عن فنان الكاريكاتير الفلسطيني الشهيد ” ناجي العلي ” ومعرض فني لعرض رسوماته ، وأقامت ندوة كذلك في ذكرى المفكر مهدي عامل بالتعاون مع ” مركز البحوث العربية ” .
وخلال حرب الخليج دافعت اللجنة وأشتركت في الحملات التي نظمت مع معارض الحكومة المصرية ضد موقفها من الحرب ودخولها في جبهة ” الحلفاء ” ضد العراق وقصفهم الوحشي لمبان ومصالح ومدن وقرى العراق .
ووقفت اللجنة مدافعة عن المثقفين الذي تم اعتقالهم في هذه الأثناء لمواقفهم الرافضة للحرب مثل الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر .
مواقف ثقافية
ولعل من أشهر المواقف الثقافية للجنة ـ في إطار رفضها للتطبيع الثقافي ـ ما حدث في يناير 1981 في مواجهة مشاركة إسرائيل في معرض القاهرة الدولي للكتاب ، فأعدت اللجنة بيانها الشهير الذي جاء تحت عنوان ” لا للصهيونية ” ، ولا لتمثيل إسرائيل في معرض الكتاب ” فبالاتصال مع النقابات والهيئات المعنية حصلت اللجنة على تأييد عدد من الهيئات والنقابات المهنية لذلك البيان الذي حمل توقيع مئات المثقفين المصريين .
وتم توزيع البيان من قبل أعضاء اللجنة على رواد المعرض ، في مظاهرة ضخمة ضد الجناح الإسرائيلي في هذا المعرض ، مما دفع رجا الأمن للتصدي للمظاهرة من أجل فضها ، وتم إلقاء القبض على عضوين من أعضاء اللجنة عما صلاح عيسى ، وحلمي شعراوي ، وتم نفس الأمر في السنة التالية ، ولم تشترك إسرائيل بعد ذلك لمدة عامين في المعرض ، وحين عادت نظمت اللجنة بالاتفاق مع دور النشر العربية والمصرية معرضاً بديلاً لمعرض الكتاب الرسمي في مبنى نقابة المحامين ، والذي لاقى إقبالا جماهيرياً منقطع النظير خاصة من المثقفين والشباب .
وتعددت جهود اللجنة في التنبيه على مخاطر التطبيع وخاصة على المستوى الثقافي وارتباطه بآليات الغزو الثقافي الذي صاحب ما سمى بسياسة ” الانفتاح الاقتصادي” ولذلك عندما أقيم مؤتمرا استثنائيا لوزراء الثقافة العربي لبحث الغزو الثقافي الصهيوني لمصر ومخاطر التطبيع ، كانت أوراق اللجنة في هذا الصدد من الأوراق الرئيسية التي قدمت لهذا المؤتمر الذي عقد في دمشق في 28 يونيو 1980 من أهم الأوراق في هذا الصدد .
* *
وإذا كانت اللجنة ضمن أجيالاً متنوعة من المثقفين المصرين من جيل الخمسينيات والستينيات أمثال إنجي أفلاطون ولطيفة الزيات وجمال الغيطاني وحلمي شعراوي وأمينة رشيد وأحمد الجمال ، وسمير فريد وصلاح عيسى ود. عبد العظيم أنيس ، وعز الدين نجيب ، و” عبد الوهاب المسيري وكمال أبو عيطة ، وفريدة النقاش ومحسنة توفيق ، ومحمد عودة ومحمود المراغي ، ود. رضوى عاشور ، ويوسف القعيد ونجاح عمر وغيرهم فأن اللجنة شارك في تأسيسها عدد من مثقفي جيل السبعينيات ، وبعضهم كان له دور بارز في أنشطة اللجنة مثل الناقد د. سيد البحراوي ود. عماد أبو غازي ، وبعضهم ساهم في عضوية الأمانة ونشاطها منذ عام 1981 ومنهم د. أحمد عبد الله رزة ، ود. جابر عصفور ، وسلوى بكر ود. كمال مغيث وفنان الكاريكاتير محمد حاكم والفنان التشكيلي محمد عبلة ومحمد فرج ومدحت الزاهد ، وأمينة النقاش وأحمد بهاء الدين شعبان وغيرهم .

التعليقات متوقفه