د. عبد الفتاح مطاوع رئيس قطاع مياه النيل الأسبق يكتب لـ”الأهالي” :سد النهضة وتوقعات تيرسو

797

على الرغم من وجود عقول أثيوبية متعلمة وناضجة، ولكن يبدو أن قهر السياسيين الأثيوبيين لتلك العقول، جعلها تنحرف بأفكارها عن الهدف.
فالأستاذ الدكتور تيرسو أسفا الأثيوبي، والمتخصص في علوم إدارة المصادر المائية والمناخ، بجامعة تامبا بولاية فلوريدا الأمريكية، نشر على صفحته بموقع تويتر عدداً من المعلومات الهامة والقيمة، لتوقعات الفيضان العالي لنهر النيل للعام الحالى ٢٠٢١ ، من واقع نتائج نماذج التنبؤ العالمية المشهود لها بدقتها.
هدف تيرسو من عرضه لمعلومات فيضان النيل العالى هذا العام، كان لتبرير أن الملء الثاني لسد النهضة على النيل الأزرق لن يؤثر على دولتي المصب، السودان ومصر، ولكنه لم يتناول ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم للدول الثلاثة بما فيهم أثيوبيا دولة المنبع، قبل عملية بناء وتعلية الجزء الأوسط من السد، وبالتالي خطر عملية الملء الجزئي قبل التعلية، وكذلك لم يتناول تأثير الأمطار الغزيرة على إضعاف الخرسانة المستخدمة لتعلية قدر صغير من الجزء الأوسط من سد النهضة لأسباب سياسية، بعيدة كل البعد عن أصول الصنعة، والزمن المطلوب للإنشاء، والوقت المطلوب لاكتساب الجهد حتى تتحمل الخرسانة ضغط المياه، والطمي المحتجز أمام السد.

توقعات تيرسو على موقع تويتر:
في إطار التوقعات لنماذج التنبؤ العالمية للأمطار، والفيضانات، ومن أهمها توقعات ال NOAA و هى ادارة المحيطات والمناخ الأمريكية، وكذا البيانات المنشورة، أفاد تيرسو بالآتي :
⁃ ستكون زيادة معدلات الأمطار على حوض النيل الأزرق، من ٢٠٠٪؜ إلى ٤٠٠٪؜ أزيد من المتوسط لهذا العام
⁃ من المتوقع أن يكون الفيضان السنوي للنيل لهذا العام أعلى من المتوسط
⁃ تشير البيانات المنشورة لمناسيب المياه ببحيرة ناصر منذ إنشاء السد العالى وحتى الآن، أن شهري أبريل ومايو هما الأعلى خلال الثلاثين عاماً الماضية.
⁃ علق ترسو على موقعه على تصريحات وزير الري ووزير الخارجية والسفير المصري بواشنطن خلال شهر مايو الماضي بسلبية شديدة.
وبالإضافة إلى توقعات تيرسو، توجد توقعات أخرى لفيضان أعلى من المعدل لنهر النيل الأزرق، أعدته في مايو ٢٠٢١ و مناطق أخرى بالعالم، أربع جهات دولية أخرى، منها المساحة الجيولوجية للولايات المتحدة USGS و إدارة المحيطات والمناخ الوطنية الأمريكية NOAA و وكالة الفضاء الاميركية ناسا NASA و مركز شبكة الإنذار المبكر بالمجاعات FEWS NET.

هفوات تيرسو:
بكل تأكيد هناك فوائد كثيرة مما ذكره تيرسو وتوضيحه لنا، لمعرفة كيف يفكر الطرف الإثيوبي، ولكن للأسف الشديد لم يكلف تيرسو نفسه وهو زميل الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين، إبلاغ أهله الأثيوبيين بضرورة توخي الحذر عند بناء وتعلية الجزء الأوسط بالسد أثناء هطول الأمطار الغزيرة في مناخ استوائي وشبه استوائي على موقع السد، وتأثير ذلك على سلامة البناء.
يبدو أن ترسو قرر عدم المطالبة بوقف القيام ببناء تعلية للجزء الأوسط في ظل وجود الأمطار، على الرغم من معرفته الأكيدة بمخاطر ضعف وهشاشة هذا الجزء من السد، ومعرفته بمخاطر الضغوط السياسية على عملية الإنشاء، وقرر عدم نقدها وإلا تم وضعه في خانة قائمة الأعداء.

كوارث من صنع الإنسان:
لا عجب ولا عجاب أن قصة سد النهضة، في حاجة الآن وليس غداً لمراجعة فنية لمراحل الإنشاء، منذ البداية وحتى الآن، حيث أن تقييمنا العام للمشروع يتلخص في نتيجته السلبية، ليس على دولتي المصب فقط، بل على أثيوبيا هي الأخرى، وتبعات ذلك على شرق إفريقيا والقارة الأفريقية والمجتمع الدولي، فأسباب المراجعة والتقييم عديدة منها الآتي:
⁃ مراحل الإنشاء مرتبطة بقرارات مراهقة سياسية.
⁃ مراحل زيادة سعة التخزين تمت بدون دراسات كافية للأثر البيئي.
⁃ الإدارات المتتابعة للمشروع يشوبها الفساد، وحسبما ذكرت القيادات السياسية الإثيوبية المتتابعة عند قدومها للمشهد.
⁃ قرار البناء والتعلية الجزئية الحالية للجزء الأوسط، عكس كل القواعد الهندسية المتعارف عليها.
⁃ قرار التعلية الحالي خلق كتلة ضعيفة بالجزء الأوسط من جسم السد، تصبح قنبلة موقوتة يجب إيقافها وإزالة ما تم تعليته خلال شهري مايو ويونيو ٢٠٢١.

تعلية جزئية للسد تعني تخزين بالعافية:
على الرغم من أن القرار السياسي بالتعلية الجزئية للجزء الأوسط من سد النهضة لم تظهر آثاره بعد، ولكن القرارات السياسية الغبية في تشغيل السد، من الآن وحتى الوصول إلى التصرف العالي لنهر النيل الأزرق في شهر أغسطس المقبل، وعلى الرغم من أنها ليس لها تأثير يذكر على مياه بحيرة ناصر، إلا أنها قد تتسبب في كوارث بالنسبة لتشغيل السدود السودانية، حال التلاعب في تصرفات الفتحات الأربع الموجودة بسد النهضة، والتي قد تؤثر لاحقاً على محطات مياه الشرب بالخرطوم.

إثيوبيا من دولة هشة إلى دولة فاشلة:
من خلال تتابع الأحداث بدولة إثيوبيا خلال النصف قرن الماضي، والتي كانت ظاهرة لنا كدولة من دول العالم الثالث، تجتهد للبحث عن حالة تستطيع من خلالها أن تضع قدماً يمكنها من القيام بدور إيجابي في المجتمع الدولي، إلا أننا خلال السنوات القليلة الماضية، رأينا إثيوبيا دولة تتحول وبسرعة رهيبة من الدولة الهشة إلى الدولة الفاشلة، الواهمة و المتوهمة لقيامها بدور وطني وإقليمي بارز، وذلك للأسباب التالية:
⁃ حروب داخلية بين عرقيات الأقاليم العديدة.
⁃ تصفيات جسدية للمعارضين للنظام وغيرهم بالسجون.
⁃ جيش الدولة يشن حرباً على إقليم التيجراى.
⁃ الجيش الإثيوبي يتحالف مع قوات الدولة الجارة إريتريا في حرب تطهير عرقي لسكان إقليم التيجراى، وسرقة ونهب ممتلكاتهم.
⁃ نزوح ملايين السكان ولجوء مئات الآلاف للسودان، ومجاعات لعشرات الآلاف معظمهم من الأطفال.
⁃ قرف دولي وإدانة دولية للحكومة الأثيوبية من دول العالم والمنظمات الدولية.
⁃ تعديات على حدود دولة السودان الجارة.
⁃ نعرة قومية كاذبة وطموحات تتعدى القدرات والإمكانيات.

وبناء عليه:
أعتقد الآن أننا أصبحنا مواجهين بواقع جديد، وهو أن سد النهضة بحالته الهندسية الحالية المعيبة، والتعنت الأثيوبي وعدم وجود الإرادة السياسية في الوصول لاتفاق قانوني عادل وملزم، والاستمرار في التعلية التى يعقبها تخزين للمياه يبدو اضطرارياً ولكنه مقصود، الغرض منه الابتزاز السياسي لدولتي المصب وللداخل الأثيوبي المغلوب على أمره، ودونما مراعاة لأية قواعد أو قوانين دولية أو إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاثة في مارس ٢٠١٥.
هذا الوضع الجديد، يفرض علينا إرسال رسالة واضحة للمجتمع الدولي، مفادها أن مصر والسودان قد نفذ صبرهما، وعلى أثيوبيا أن تعلم من الآن أن أي قرار أثيوبي منفرد، يتعلق بسد النهضة، ولا يأخذ في اعتباره مصالح وحقوق دولتي المصب في مياه نهر النيل، هو عمل عدائي وجريمة حرب، ومن حق مصر والسودان إزالة هذا العدوان بكل الوسائل والسبل الممكنة.
وقد أعذر من أنذر.

التعليقات متوقفه