فريدة النقاش تكتب:أدب ونقد

445

قضية للمناقشة

أدب ونقد

فريدة النقاش

ذكرني الزميل العزيز الشاعر عيد عبد الحليم أن العدد القادم من “أدب ونقد”, مجلة حزبنا الأدبية – سيفتتح عاما جديدا من عمرها وسيكون أيضا العدد أربعمائة.

لا يرضى الانسان الطامح دائما إلى الأفضل عن ما أنجزه عادة, ولذا أخشي الآن أن إقول إنني سعيدة حقا أن بلغت طفلتي الثالثة وحفيدتي الأولي سن الشباب, وأنني ساهمت- ولو بقدر- في نشأتها وتربيتها حتي تبلغ هذا العمر.

صدرت “أدب ونقد” لأول مرة في يناير 1984, وكانت معظم المجلات الأدبية العريقة قد توقفت عن الصدور لأسباب مختلفة, وبقيت أدب ونقد استجابة رائعة لا من المثقفين والمبدعين فقط, وانما ايضا من الجمهور العادي الذي كان متشوقا بدوره للاستماع لأصوات جديدة, والتعرف علي إبداع الشباب باحثا في كل هذا عن ردود لأسئلة ظلت معلقة لزمن طويل.

ورغم أننا لم نتطرق لكل الأسئلة المطروحة علي الساحة الثقافية السياسية, الا أن الطابع العام لأعدادنا الأولى- وربما حتي الآن- هو طرح الأسئلة أكثر من تقديم الإجابات.

ويستدعي طرح الأسئلة كل القضايا كبيرها وصغيرها التي واكبت عصرنا الحديث, ذلك العصر الذي دخلنا اليه لنجد أنفسنا أمام تناقض كبير محوره الحداثة التي ارتبطت بشكل او بآخر بغزو الاستعمار لبلداننا جنبا الي جنب حاجتنا للتعرف علي تقدم الغرب والتعلم منه رغم أن قواته العسكرية تحتل بلادنا.

وأمام هذا التناقض الذي لا حل له خرجت تيارات فكرية وثقافية جنبا الي جنب قوي سياسية متنفذة باسم الدين تدعو للعودة الي الماضي الذي أخذت تتباري في تجميله وتحويله الي واحة مثالية كأنما ترد علي خيبتنا وعجزنا – في أحيان كثيرة- عن التعامل بموضوعية وعقلانية مع واقعنا والتحديات العاصفة التي نواجهها في سعينا للحاق بالعصر.

لم يكن تعثر المجلات الأدبية والثقافية معضلة خاصة بها, بل كان تجليا لما رأيناه في أدب ونقد, وفي حزب التجمع عامة لقضية أكبر تخص تطور مجتمعاتنا, وهي قضية الحريات العامة والتي لاتزال شاغلا أساسيا لكل العاملين بالثقافة والسياسة حتي يومنا هذا.

كان الاستاذ والناقد الراحل الدكتور الطاهر أحمد مكي هو أول رئيس تحرير لأدب ونقد, وكان له ايضا الفضل الأول في احتضان كل مغامرة ادبية جديدة, وشرطه الوحيد هو الموهبة والابتكار.

ومنذ ذلك التاريخ بقيت “أدب ونقد” مجلة شجاعة, وهكذا لمعت علي صفحاتها أصوات جديدة مغامرة وموهوبة. ولا أبالغ ان قلت انها حفرت ببطء وعلى مهل- دروبا جديدة حين فتحت الطرق أمام أجيال لم تكن تجد منصات للتعبير حتي تطرح رؤاها علي مجتمع يتوثب للخروج من القديم محاربا ببسالة من اجل عالم افضل.

ووفاء لفلسفته التي ربطت دائما بين الثقافة والسياسة ساند حزب التجمع رغم فقره المالي واعتمادا علي ثرائه الفكري الهائل- ساند جهور المجلة التي استندت بدورها للطاقات الهائلة والمواهب المبدعة في الحزب كله وخاصة في مكتب الكتاب والفنانين, وكان التجمع- ولايزال على ما أظن هو الحزب الوحيد الذي حرص منذ نشأته على تأسيس مكتب للكتاب والفنانين الذي ضم أسماء مرموقة  في ساحة الفن والفكر, ولعب دورا اساسيا في التصدي لكل محاولات اغراق الثقافة في التجارة أو في الظلام وكان عليه في هذا السياق أن يتجنب السقوط في النخبوية وسعي بجهد خلاق لحل هذه المعادلة الصعبة أي تقديم ثقافة راقية وجماهيرية في آن واحد.

ولا أظن أننا الآن ننظر الي الخلف بغضب, كما فعل قبل نصف قرن الكاتب البريطاني “كولن ولسن” احتجاجا علي اجترار الماضي واعادة انتاج الركود.

أتمني أن يتوقف المؤرخون امام الدور الذي لعبته “ادب ونقد” حين اجتهدت منذ اليوم الاول للخروج بمفهوم النقد من حيز الادب وحده لا فحسب ليطاول الفكر, وإنما ليغوص ايضا في كل بحار الحياة الهادرة, وبخاصة بحر الحياة الاجتماعية الصاخب, والعلاقة بين الطبقات, وآليات انتاج الفكر في مجتمع محاصر مرتين مرة بالاستعمار , ومرة ثانية بالتخلف وثلاثي الفقر والجهل والمرض.

جرت مياه كثيرة في كل البحار والانهار, وبقي بحر “الأدب والنقد” هادرا بكل جديد, وتلهث مجلتنا رغم فقر الموارد وعبر غني الأفكاروالرؤي لتواكب الجديد, هي التي كانت قد عرفت منذ البداية أن مستقبلا واعدا ينتظر فنون الرؤية السينما والتليفزيون واخيرا الانترنت, وهي الآن تشحذ طاقاتها الشابة رغم الزمن لتواكب عصرها كما فعلت دائما.

ولن ننسي في هذا السياق أن نواصل التعبير عن الامتنان لحزب التجمع اعضاء وقادة الذين ادركوا منذ البداية وحتي الأن ان الافكار تساوي رغيف الخبز وأكثر.

التعليقات متوقفه