السيطرة على المنابر.. تجفيف منابع الإرهاب.. القضاء على التنظيمات المتطرفة:تغيير المشهد الديني بعد ثورة يونيه

ماهر فرغلي: الفكر المتطرف بحاجة إلى خطاب ديني جديد

119

عمرو عبدالمنعم: الفكر الإرهابي لا يصلح معه إلا أيدلوجية فكرية ومشروع متكامل
سامح عيد: الدولة واجهت الإرهابيين ولم تواجه التطرف

تحقيق: منى السيد

كشفت الأحداث التى شهدتها مصر خلال الفترة من 2011 إلى 2014 عن مخطط الجماعات الإرهابية للوصول إلى السلطة عبر استخدام الدين، وتضليل الرأي العام وتجنيد الشباب للقيام بعمليات إرهابية لإسقاط الدولة، وهو ما دفع الدولة للتصدي لتلك الأعمال الإرهابية أمنيا، كما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تجديد الخطاب الدينى وتنقية التراث، وهو ما أكد عليه عدد من خبراء الإسلام السياسي، الذين أشاروا إلى أن هناك تراجعا كبيرا لدور الثقافة والتعليم والإعلام في المواجهة، خاصة أن المواجهات عملية مشتركة بين جميع مؤسسات الدولة.
كما شددوا على ضرورة تعديل المناهج التربوية، وإنشاء برامج تأهيل للخارجين من السجون، لتحقيق المواجهة الفكرية على أرض الواقع، ونشر الوعي، والقضاء على الأفكار المتشددة.
عناصر مدربة
قال ماهر فرغلي الباحث في شأن الإسلام السياسي، إن المشهد الديني تغير ظاهريا بشكل كبير بعد ثورة 30 يونيه، وظهر ذلك من خلال السيطرة على المنابر، وتجفيف منابع الإرهاب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية، والمنظمات العسكرية المسلحة أيضًا.
أما قبل الثورة، كان هناك انفجار شديد في الأحزاب ذات المرجعية الدينية، والتوسع في الفضائيات الدينية، فضلًا عن ظهور كبير للتنظيمات المسلحة، وسيطرة الجماعات على المنابر ووسائل الإعلام وأماكن عديدة، وفق ما ذكره الباحث في شؤون الإسلام.
وفيما يخص مكافحة الفكر المتطرف، أكد فرغلي، أن هناك محاولات من قبل المؤسسات الدينية، لمكافحة الفكر المتطرف، ولكن تلك المحاولات تحتاج إلى إعادة بناء وهيكلة كاملة.
وشدد على أن الفكر المتطرف بحاجة إلى خطاب ديني جديد، مطالبًا بضرورة وجود خطة كبيرة تقوم على محاور متنوعة لمواجهة المنابع المغذية لهذا الفكر، إلى جانب تأهيل عناصر مدربة لمقاومة ومكافحة الأفكار المتطرفة، بهدف إعادة التأهيل وإنشاء برامج توعوية وعلاجية وقائية لتلك الأفكار ؛ وذلك من خلال تضافر جهود كافة مؤسسات الدولة وليست المؤسسات الدينية وحدها.
الفكر الإرهابي
بينما أكد عمرو عبدالمنعم الباحث في شأن الإسلام السياسي، أن الجهود الأمنية التي قامت بها الدولة لمواجهة الإرهاب بعد الثورة، فاقت الجهود الفكرية.
وأشار إلى أن محاكمة محمد حسين يعقوب ومحمد حسان كانت على مسمع ومرأى الجميع في المواجهة مع القاضي، وقد تنكر يعقوب وهرب وراوغ لكل أفكاره التي كان ينادي بها في السابق، وهو الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن الغلو والتشدد ضعيف، ورغم ذلك ليست أمامه مواجهة فكرية حقيقية.
وذكر أن الدولة المصرية مرت بعد ثورة 30 يونيه بمأزق شديد، وهو المواجهة المسلحة والعنف التي مارستها الجماعات في قلب القاهرة والدلتا والصعيد، ثم الحالة التي شهدتها سيناء وتعاملت معها القوات الأمنية، وتبقى كثير من النجاحات التي حققتها على أرض الواقع، ولكن يظل الفكر الإرهابي مستمرا، خاصة أنه لا يصلح معه إلا أيدلوجية فكرية ومشروع فكري متكامل.
وأضاف عبدالمنعم، أن المواجهة الفكرية منوط بها ملء الفراغ، والقضاء على التشدد والغلو، وملامسة الواقع الاجتماعي، وتساءل هل استطاعت المؤسسات الدينية الثلاثة أن تقوم بالريادة الحقيقية في المواجهة حتى الآن؟ مشيرا إلى ما قامت به دار الإفتاء بإنشاء مرصد لمواجهة التطرف، وإصدار دليل للمواجهة المتطرفة، وإصدار بعض الكتيبات مثل التأسلم السياسي، والمؤشر العالمي للفتوى، ونبض الفتوى وفيه يتم رصد حالة الفتوى بشكل يومي، بالإضافة إلى إصدار الدليل لمواجهة التطرف.
وأوضح أن الأوقاف لم تتجاوز التعامل مع الأئمة والدعاة في حالة الخطابة رغم امتلاكها بنية جغرافية ومعلوماتية لمساجد الجمهورية بالكامل، لافتا إلى أنه ما زال الذي يسيطر على المنابر الدعوية قوة بعينها، وهذه الفئة متأثرة بشكل كبير بالخطاب التوعوي السلفي، بعيدا عن الهوية والثقافة المصرية.
برامج تأهيل
وفي السياق ذاته أكد سامح عيد الباحث في شأن الإسلام السياسي، أن التيار الإسلامي تصدع باستعلائه وجبروته ولغته الإعلامية القوية المشهد الديني قبل ثورة الثلاثين من يونيه، إلى جانب حالة الاستقطاب الحادة التي توصل إليها في مختلف الأنحاء، وهو أمر يجعلنا نؤكد أن الأمر تغير كثيرا بعد الثورة.
وقال إن الدولة لم تبذل أي جهد في مواجهة الإرهاب، ولكنها واجهت الإرهابيين بشكل كبير على أرض الواقع من خلال القوات الأمنية، في سيناء وغيرها.
وأوضح أنه تم تقليص البرامج الموجهة لنقد الفكر بشكل كبير، فضلًا عن غياب البرامج المتعمقة في تفكيك الفكر المتطرف، لافتًا إلى أن اللواء فؤاد علام استغرق وقتًا طويلًا للتوصل إلى الــ 6 مسارات في عهد مبارك لمواجهة الإرهاب منها: التعليم، الثقافة، الأمن، والإعلام، ورغم ذلك لم يحدث فيهم شيئًا.
وأضاف أن المناهج التربوية بحاجة إلى تعديل، خاصة أنه يتم تدريس “عقبة بن نافع” للصف الأول الإعدادي، وهو مشروع “جهادي لدولة إسلامية”، بالإضافة إلى دراسة الحضارة الإسلامية بوجهها المشرق والمتسامح، أى اختيار مواقف منتقاة من عصر الخلافة، فوضعوا نصف الحقيقة، ولم يذكروا حروب الردة، مشيرًا إلى أنه بعد وفاة الرسول صل الله عليه وسلم ارتد نحو 60% من الصحابة ما بين ارتداد عقائدي وارتداد سياسي، ولم يذكروا ذلك في المناهج، مؤكدًا أن تعديل تلك المناهج يعد أولى عملية تجديد الخطاب.
وأكد ان الإعلام والثقافة والتعليم والمؤسسات الدينية لم تبذل أي جهد في المواجهة الفكرية، إلى جانب غياب المناظرات التليفزيونية التي كان يقوم بها فرج فودة من خلال المنظمات الفكرية، وهو ما ساعد في تغلغل الفكر المتطرف.
وشدد على ضرورة إنشاء مراكز تأهيل حيث تضم جميع التيارات المختلفة، من اخصائيين نفسيين واجتماعيين. ويساريين، وليبراليين، واشتراكيين، لعمل جلسات للمناقشة في أمور سياسية واجتماعية وثقافية، بهدف أحتواء الخارجين من السجون والعائدين من داعش وخلافه، موضحًا أن الإرهابيين الخارجين من السجون ينتظرون لحظة الإنفلات للإنفجار في وجه الدولة.

 

تعليق
  1. الديوانى يقول

    ما واجهته مصر فى الفترة من ٢٠١١ الى ٢٠١٤ كان جزء من مخطط متعدد الاطراف استغلت الانتفاضات الشعبية التى بدات فى تونس وانتشرت فى ربوع المنطقة العربية ضد الانظمة القمعية التى حكمت فى الأربعة العقود السابقة (تونس ، مصر ، سوريا ، ليبيا ، الجزاير ، السودان ، …). الاعداد لتلك الانتفاضات المتوقعة بدا بالتعليم الديني والمعاهد الازهرية ونظام تعليم منفصل (من الاولى الى الجامعى) وهو النموذج التى اتبع فى باكستان وافغانستان لتكوين كادرات سياسية وعسكرية للتنظيمات الاسلامية تحت مختلف المسميات (ودرجات التطرف المناسبة لكل مجتمع) للانقضاض على الحكم عندما تتاح الفرصة. وجدت القوي المهيمنة على المنطقة (الولايات المتحدة) فى تركيا نموذج يمكن تطبيقه فى بقية دول المنطقة ؛ حكومة دينية لها تاييد شعبى (حتى ولو كانت فاشية) تحكم ولكن فى ظل العسكريين (تعديل المسار لو حاولت تلك الحكومات الاسلامية الضرر بمصالحها فى المنطقة). بالطبع اتضح انها روية قصيرة الامد خاصة بعد فشل الانقلاب العسكري للاطاحة بحكم الاسلاميين فى فى تركيا. لم تمانع الولايات المتحدة على سبيل المثال دعم تركيا والسعودية للماليشيا الاسلامية بمختلف اطيافها فى سوريا عقب الانتفاضة الشعبية ضد حكم الاسد طالما انها داخل سوريا. بالطبع انقلبت الموازين بعد غزو داعش لشمال غرب العراق واحتلال الموصل وتهديد المصالح الغربية (من الطريف التحالف بين الولايات المتحدة وايران فى الحرب ضد داعش). بعد هذه التجربة المؤلمة لا تجد الولايات المتحدة خيار غير العودة الى النموذج السابق ، نموذج إطفاء الحرايق عندما تشتعل ؛ التعامل مع الانظمة الحاكمة وابتلاع كل انتهاكاتها وتعسفها وفسادها. ولكن العوامل التى ادت الى انتفاضة ٢٠١١ مازالت موجودة وكذلك كادرات قوي الاسلام السياسي فى حالة “كمون” Hybernation.

  2. الديوانى يقول

    “الدولة واجهت الإرهابيين ولم تواجه التطرّف”
    يثير كاتب المقال موضوع هام ولكنه فى نفس الوقت موضوع شائك. “التطرف” فى الراي مسالة نسبية وليست جريمة يعاقب عليها القانون ولكن فى نفس الوقت الاّراء المتطرفة خاصة من رجال الدين تَخَلَّق مناخ يدفع البعض الى العبور من مساحة الراي الى مساحة الارهاب. بينما حرية الراي (مهما كان الراي متطرف) مكفولة للجميع ، “التحريض على العنف” تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون وهنا مربط الفرس ؛ التحريض على العنف بالتستر وراء الاّراء الدينية. على سبيل المثال عندما يصعد احد رجال الدين البارزين فى جامعة الازهر الى منبر الجمعة ليعلن على الملاء ان احد الاعلاميين “مرتد” (حل دم المرتد بمثابة حكم الاعدام حسب الشريعة الاسلامية) لم تكن هناك محاسبة. الشيخ الضرير عبد الرحمن (رحمه الله) قضى بقية حياته فى احد سجون الولايات المتحدة بتهمة التحريض على العنف. فى مصر كان رد الفعل لهذا الحكم انه مجحف (ل “مجرد كلام”). لتقدير جدية الحكومة الامريكية تجاه تلك الاتهامات نعلم عن رفض ادارة اوباما ترحيل الشيخ الضرير الى مصر بناءا على طلب من “الرييس مرسي” فى حينها. بالمثل عندما يعلن احد رجال الدين (وزير اوقاف سابق) على الهواء على احد الفضاءيات ان “الاقباط كفرة” والاصرار على رايه ، لم تعتبره الحكومة تحريض على العنف ولم تكن هناك حتى مساءلة لتلك الفضائية. ربما ابرز تغاضى للحكومة عن اراء رجال الدين كان اثناء محاكمة قتلة الكاتب فرج فودة (بسبب كتابه “الحقيقة الغائبة”) . الشيخ الغزالى كان احد شهود الدفاع اعلن فى شهادته انه يحق للمؤمن ان يقوم بما يمليه الدين اذا “تخاذلت الحكومة”. من الواضح ان ما يعنيه الكاتب فى “مواجهة التطرف” يترجم الى مواجهة رجال الدين. على مر العصور وفى جميع الاديان يستمد رجال الدين قوتهم من خلال تسلطهم على عقول وقلوب الشعوب وخاصة بين الطبقات الكادحة التى تري فى الدين تعزية وملاذ لحياة البوس والظلم الذي يعيشون فيه. فى جميع العصور والمجتمعات تجد الطبقات الحاكمةورجال الدين صيغة ملائمة للتعايش السلمي بينها تخدم مصالح الطرفين. ولكن من حين لاخر يحتدم الصدام بين الدولة والموسسة الدينية خاصة عندما تتعاظم قوة رجال الدين كما هو الحال اليوم فى المجتمع المصري.

  3. الديوانى يقول

    المناهج الدراسية “تشويه” وليست تدريس للتاريخ
    قد يتذكر المخضرمين منا تدريس “العبقريات” التى كتبها عباس العقاد فى بداية الستينات لتلاميذ المرحلة الإعدادية. هذه العبقريات لم تتعدي مديح الخلفاء الراشدين وتصويرهم فى صورة القديسين وتعتيم تام على حقايق تلك الفترة التاريخية والفتنة الكبري. هذا هو جوهر التعليم الديني او “التلقين” ؛ لا مناقشة ، لا تساؤل او تحدي لتلك الافكار التى تدس فى العقول منذ نعومة الاظافر. يتذكر البعض بعد سقوط حكم مبارك تم تعديل الكتب الدراسية اثناء حكم الاخوان وتم تعديلها مرة اخري بعد سقوط حكم الاخوان. ليس هناك مقال فى الصحف يخلو من كلمتين “التطرف” و “الارهاب” والذي يتبع نفس اُسلوب التلقين “لا تساؤل او مناقشة”. التطرف شيء نسبى. الاخوان والازهر قد يعتبروا انفسهم معتدلين او “وسطيين” ولكن هذا الوصف يتطلب وجود افكار داعش والقاعدة التى يمكن وصفها بالتطرف ومن ينتمون الى تلك التنظيمات “ارهابيين”. فى جميع المجتمعات والعصور سيكون هناك افكار قد نعتبرها النخبة “متطرفة” ولكنها لا تعتبر متطرفة لو احتضنها بقية المجتمع. وهنا يظهر اصطلاح “تجفيف منابع الارهاب” والذي يعنى بها عدم وصول تلك الافكار للغالبية من خلال “تعديل الخطاب الديني” وليس تحديه. تحدي الخطاب الديني يعنى تحدي رجال الدين وسطوتهم على العقول والقلوب او “تجفيف منابع الارهاب”. ولكن على مر العصور الدولة والطبقة الحاكمة تحتاج الى رجال الدين اذا قاموا بالمهمة المنوطة اليهم وهى تخدير الشعوب (وليس اثارتها).

  4. الديوانى يقول

    “السيطرة على المنابر”
    اللجوء الى الوسائل القمعية قد تعطى مظهر سطحي ب “الاعتدال” من جهة الموسسة الدينية. احد تلك المظاهر التصريحات المنقولة عن وزير الأوقاف والتى فى جوهرها تحاشى اي مواجهة مع الحكومة وتركها “لاولياء الامور”. بالطبع وزير الاوقاف تعينه الحكومة والهدف الاسمي المحافظة على وظيفته ولكن بعد خروجهم من مناصبهم تتضح ابعاد هذا “الاعتدال” ؛ على سبيل المثال تصريح وزير اوقاف سابق (او اسبق) على احد الفضايات بان “الاقباط كفرة” واصراره على موقفه. من ناحية اخري يلاحظ موقف الصمت من الازهر الذي لا يحتاج الى هذا النوع من المداهنة للحفاظ على الوظيفة (فى دستور الاخوان منصب شيخ الازهر لمدي الحياة مثل بابا روما او “بطريرك الكرازة المرقصية”) . ربما الاستثناء الوحيد لخروج الازهر عن الصمت كانت التصريحات بخصوص “تجديد الخطاب الديني” والذي فى جوهره ان الخطاب الديني على ما يرام ولا يحتاج الى “تعديل” او “تجديد”. للأسف لا نجد فى الاعلام المصري ما يمكن وصفه بالراي المضاد وكل ما نراه هذا النوع من المقالات التى تحبذ “السيطرة على المنابر” او “تجفيف منابع الاٍرهاب”. “الراي المضاد” ببساطة هو ان الخطاب الديني ليس “دوجما” ويتطور من مجتمع لاخر ومن عصر لاخر. الخطاب الديني لمجتمع الجاهلية سيختلف عن الخطاب الديني للمجتمع المصري فى القرن الواحد والعشرون ولا علاقة له بثوابت الدين. اقتناء العبيد والجواري بجانب تعدد الزوجات كانت من خصائص تلك المجتمعات ولم يحرمها الاسلام ولكن هذا لا يعنى ان يسمح بها القانون. يملك كل شعب قوانينه ومن خلال ممثليه يقوم بتشريع ما هو فى صالح المجتمع وما يمليه الضمير العام. فى بعض المجتمعات وفى حقبة ما كان رجم الزانية احد العقوبات. لا اعتقد ان هناك اي مجتمع او موسسة دينية اليوم تحبذ رجم الزانية.

التعليقات متوقفه