بعد قمة جنيف:روسيا تواصل الحوار مع الغرب بمقالات صحفية

بوتين يحذر أوروبا من تداعى منظومتها الأمنية ومن سباق تسلح جديد

83

لافروف يحذر أوروبا من سياسة التعالى ويدعو إلى إصلاح المنظومة الأوروبية

الأوروبيون تناسوا وعدهم للاتحاد السوفيتى بعدم توسع الناتو شرقاً

 

يبدو أن الظروف التى تمر بها العلاقات بين روسيا من ناحية والغرب ممثلاً فى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من ناحية أخرى، وبعد قمة الرئيسين بوتين وبايدن التى لم تسفر عن شئ جوهرى يدفع بالعلاقات بين روسيا والغرب إلى محطة جديدة متقدمة أوعلى الأقل يعود بها إلى ما قبل 2014، حيث الأزمة مع أوكرانيا وإطاحة القوميين الأوكران بالرئيس يانوكوفيتش الموالى لروسيا، واستعادة روسيا للقرم وأزمة الدنباس.

وفى محاولة من الرئيس بوتين لتحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبى والغرب بصفة عامة، لأن على ما يبدو لم تأت القمة الروسية ـ الأمريكية ما كان تطمح إليه روسيا، سعى الرئيس الروسى لدعوة الأوروبيين للتعاون معدداً مجالات هذا التعاون، من خلال مقال مكرس للذكرى 80 لبداية الحرب الوطنية العظمى إثر اعتداء المانيا الفاشية على الأراضى الروسية الموافق 22 يونيو عام 1941، الرئيس الروسى نشر المقال فى صحيفة “داى جيت” الألمانية. نشر المقال جاء بعد أن دعى كل من المستشارة ميركل والرئيس الفرنسى لعقد لقاء قمة بين الاتحاد الأوروبى وروسيا، غير أن بعد الدول الصغيرة الناضحة بالعداء لروسيا فى الاتحاد الأوروبى اعترضت على مثل هذا اللقاء.

اختار الرئيس بوتين عنوانا لمقاله “لنكن منفتحين رغم الماضى” وتحدث عن تجديد الشراكة بين روسيا والاتحاد الأوروبى على أساس المصالح المشتركة، وأشار الرئيس الروسى مخاطباً الأوروبيين فى مقاله بقوله “لدينا الكثير من المصالح المشتركة، الأمن والاستقرار الاستراتيجى والصحة والتعليم والرقمية والطاقة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا وحل مشاكل المناخ والبيئة”. وفى المقال ذكّر الرئيس بوتين الأوروبيين بأن روسيا سعت لتطوير وتنمية علاقاتها مع الأوروبيين بمنطق بناء “أوروبا الكبرى”، لكن توسع الناتو شرقاً كانت السبب فى تنامى عدم الثقة المتبادلة بيننا وبين أوروبا، ووفق كلام الرئيس بوتين، كان ضم دول جديدة لحلف الناتو، بما فى ذلك دول من الاتحاد السوفيتى السابق على حد قول الرئيس بوتين “قضى على الأمل فى قارة بدون خطوط فاصلة”، وأشار الرئيس بوتين أن تم توجيه إنذار لكثير من الدول “إما أن تكون مع الغرب أو مع روسيا”.

منظومة الأمن

الرئيس الروسى أشار كذلك فى مقاله إلى أن منظومة الأمن فى أوروبا تتداعى، ويتصاعد التوتر وهناك مخاطر لتنامى سباق تسلح جديد، فى نفس الوقت الذى تفوت فيه روسيا وأوروبا إمكانية التعاون المهم جداً لمكافحة آثار جائحة كوفيد ـ 19، ووفق المقال يعتقد الرئيس بوتين أن الازدهار والأمن يمكن تحقيقهما بجهود الدول الأوروبية بما فى ذلك روسيا “وهى إحدى الدول الأوروبية الأكبر”.

ودعى الرئيس الروسى الأوروبيين إلى “الاعتراف بهذه الأخطاء ومن ثم تصحيحها، الهدف الأساسى الذى لا شك فيه هو تحقيق الأمن للقارة بدون خطوط فاصلة، أفق واحد ممتد وتعاون على أساس المساواة وتنمية مشتركة من أجل أوروبا والعالم أجمع”.

كان الرئيس بوتين قد أطلق على حلف الناتو بأنه أحد أدوات الحرب الباردة، وتساءل مستنكراً وجود الحلف حتى الآن.

تجدر الاشارة إلى أن رؤساء دول وحكومات حلف الناتو أثناء اجتماعهم يوم 14 يونيو، قبل نشر مقال الرئيس بوتين، كانوا قد أعربوا عن استعدادهم للحوار مع روسيا، غير أنهم أشاروا إلى أن “الحديث الروسى العدائى النووى غير المسئول” يعرقل الحوار مع موسكو. جدير بالذكر أن الرئيس بوتين كتب مقالا بمناسبة الذكرى 75 للنصر على الفاشية العام الماضى لمجلة “المصالح القومية” الأمريكية، غير أن الرئيس الروسى هذا العام فضل أن يخاطب أوروبا.

موقف واشنطن

فى نفس الوقت تقريباً نشرت صحيفة “كوميرسانت” ومجلة “روسيا فى السياسة الدولية” الروسيتان مقالا لوزير الخارجية سيرجى لافروف انتقد فيه موقف الولايات المتحدة الأمريكية من روسيا بعد قمة جنيف بين الرئيس بوتين وجو بايدن التى عقدت فى السادس عشر من يونيو الماضى، وأشار لافروف إلى أن موقف واشنطن يختلف عن ذلك الموقف الذى اتخذته أثناء المباحثات، وفسر وزير الخارجية وجهة نظره بقوله “أن الحديث الصريح والبناء الذى ساد قمة جنيف وانتهى بالاتفاق على تحقيق الاستقرار الاستراتيجى، مع التأكيد على عدم السماح بحدوث حرب نووية، والتوصل إلى تفاهم حول ضرورة التشاور فيما يتعلق بالمشاكل الاليكترونية (الهاكرز)، ومصير مواطنى البلدين الذين يقضون عقوبات فى مناطق نزاعات اقليمية” وأكد الوزير على نتائج جميع هذه الاتجاهات من خلال توازن المصالح، واعتبر الوزير أن عدم الرفض لهذه الاتفاقيات أثناء المباحثات فى جنيف، لكن فى الواقع العملى لم يحدث شئ من جانب أى شخصيات أمريكية مسئولة بما فى ذلك المشاركين فى مباحثات جنيف.

سلوك الغرب

وانتقد لافروف فى مقاله سلوك الغرب قائلاً إنه يفتقر للتحديد “عندما يتحدث أحد ضد رغبة الغرب، فإنهم على الفور وفى صوت واحد يتحدثون عن مخالفة ذلك للقواعد، دون إظهار أدلة، ثم يعلنون عن حقهم فى فرض عقوبات” وانتقد وزير الخارجية الروسى اسلوب الغرب فى التوسع فى نظام العقوبات وقال :إنه باتخاذ إجراءات ضغط على حكومات ذات سيادة، فإن الغرب يزرع الشمولية فى القضايا الدولية ويتخذ وضعا امبرياليا ـ استعماريا جديدا فى علاقاته بالدول الأخرى، ونصح لافروف الغرب بأن يعتنق الديموقراطية التى يريدها، لكن فى العلاقات الخارجية لا تدعوا الديموقراطية تشغلكم، نحن سنتخذ الموقف المناسب لنا، ولا يستطيع أحد أن يقول لنا قفوا انتباه وإلا سنعاقبكم.

وانتقد لافروف سلوك الاتحاد الأوروبى الذى رفض نداءات المانية فرنسية للحوار مع روسيا قائلاً كيف تتحكم دول صغرى فى مصير العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبى. وواصل لافروف حديثه عن سلوكيات أوروبا عندما قال : إنهم يريدون تطبيق تصورهم عن “قواعد النظام الدولى” ويحاولون تغيير مجرى النقاش حول موضوعات رئيسية بالنسبة لهم ومن لا يوافق لا يدعونه” ووصف وزير الخارجية الروسى منظومة أوروبا بأنها مؤسسة على معايير مزدوجة. ونكأ لافروف الجراح القديمة ـ الحديثة فى مقاله عندما قال : يتوسع حلف الناتو شرقاً مقترباً من الحدود الروسية، وعندما نذكرهم بما تعهدوا به للاتحاد السوفيتى بأن هذا لن يحدث، يجيبونا بأن هذا الوعود كانت شفهية، لم يوقع أحد على اتفاق بهذا الشأن.

علاقات تكاملية

تحدث رئيس الدبلوماسية الروسية عن القواعد السائدة فى الكيانات التى تشارك فيها روسيا مثل “آسيان” ورابطة الدول المستقلة واتفاقية الأمن الجماعى والاتحاد الجمركى الأوروآسيوى ومنظمة شنغهاى للتعاون، ووصف العلاقة بين دول هذه المنظمات والاتفاقيات بمشاركة روسية بأنها تكاملية، واختتم لافروف فكرته بقوله “إن العلاقات المتعالية على بقية أعضاء المجتمع الدولى ستبقى الغرب فى الجانب غير الصحيح من التاريخ”.

لاحظ المراقبون فى المقالين شيئين مختلفين، ففى حين دعى الرئيس بوتين فى مقاله الذى نشر فى صحيفة المانية أوروبية إلى التعاون فى كل المجالات مع الاتحاد الأوروبى، فى محاولة منه لاستعادة الأرضية التى عادت تكتسبها الإدارة الأمريكية الجديدة بعد سحابة تدهور العلاقات الذى ساد العلاقات فى عهد ترامب، الأمر الذى جعل الأوروبيين على لسان الرئيس الفرنسى للتفكير فى إنشاء جيش أوروبى وما يعنيه ذلك من احتمال تفكك الناتو. فى حين انتقد ولأول مرة وزير الخارجية الروسى سياسة الاتحاد الأوروبى ومعاييره المزدوجة فى التعامل مع المختلفين معه، وانتقد سياسة فرض العقوبات واعتبرها سياسة الاستعمار والإمبريالية الجديدة.

تعاون

لكن فى النهاية أراد الرئيس بوتين أن يقول للأوروبيين تعالوا نتعاون وننسى الماضى، وروسيا منفتحة على الجميع وفى كل المجالات، أما لافروف الذى بدا متشدداً فإنه أراد أن يقول للأوروبيين تغيروا وغيروا سياساتكم، وكفوا عن سياسة التلويح بالعقوبات بمناسبة وبدون مناسبة وكفوا عن الكيل بمكيالين، وروسيا لها ظروفها ولن تفرضوا علينا ديموقرطيتكم التى لنا ملاحظات ومآخذ كثيرة عليها، وانتبهوا فقد نقوم نحن بمعاقبتكم أيضاً، وكأن لافروف أراد أن يقول للغرب تغيروا وهذه شروطنا لكى نتعاون، وكان الرئيس بوتين من قبله يقول مستعدين للتعاون فى كل المجالات، وهنا بدا الرجلان وكأنهما يعزفان سيمفونية متناغمة، ربما تدرك أوروبا يوماً ما أن أمنها مرتبط بروسيا أكثر من أى دولة أخرى خاصة أمنها فى مجال الطاقة، وأمنها العسكرى.

التعليقات متوقفه