أمينة النقاش تكتب:دلونى على السبيل

216

ضد التيار

دلونى على السبيل

أمينة النقاش

صحوت من نومى مفزوعة على صوت صراخ وشجار مرتفع الصوت، يأتى من الشارع الذى يطل عليه المنزل الذى أقطن به .قمت مسرعة إلى شرفة المنزل استطلع الأمر، فوجدت معظم جيرانى فى بلكونات المنزل المواجه لى، يفعلون مثلى، يطلون على المشاجرة العنيفة التى تضم شبابا وشابات صغار السن،يتبادلون الصفع والركل والسباب، والصراخ الهستيرى، وجمع طفيف يسعى لتفريقهم وفض المشاجرة، وجمع آخر أكبر يتفرج عليهم.

فجأة سقطت شابة صغيرة على الأرض مغشيا عليها فيما يبدو، ولم تفلح محاولات صديقاتها فى إفاقتها برش الماء على وجهها مرة، وصفعها مرة أخرى. وفى لمح البصر توقفت سيارة بيضاء اللون فى المكان، وتم جذب الفتاة مسحولة على أسفلت الطريق، وما أن ألقى بها داخل السيارة، حتى انطلقت مسرعة بالفتاة ومن معها، إلى المجهول.

ما الذى حدث للفتاة وما السبب فى الشجار؟ لاأحد يعلم. من المسئول عن وقوع مثل تلك الحوادث؟ لا أحد يجيب. أما المؤكد فهو أن الواقعة لم تكن هى الأولى من نوعها فى هذا الموقع، بل إنها تتكرر من حين لآخر، وفى أوقات متباينة.

ومنذ ابتلينا نحن قاطنو عمارات الأوقاف بالسكن خلف نادى الترسانة،منذ عدة عقود ،وحياتنا قد تحولت إلى جحيم، من الضجيج والصراخ والمشاجرات وأصوات شاشات التليفزيونات المنصوبة منذ ساعات الليل الأولى وحتى فجر اليوم التالى، والمفتوحة على مباريات لكرة القدم وجعير من يعلقون عليها وأغنيات وموسيقى صاخبة ،تختلط معها تهليلات المشجعين وتنهدات المنتشين وقهقهات المحشششين من رواد المقاهى المنصوبة على سور النادى!.

وفى حدود علمى ،فإن إدارة نادى الترسانة المحترم، لم تشترط فيما يبدو على من امتلك محلا من المحال المقامة على سور النادى، نوع النشاط التجارى، الذى يقوم به. وبدلا من أن تصبح تلك المتاجر مكانا لمحلات البقالة أو تصفيف الشعر، أو متجرا لبيع الملابس أو الأحذية، التى يجرى التعامل فيها بهدوء وصمت، كما هو حاصل بالفعل مع عدد منها، تحولت إلى «مقاهى» وتمددت من داخل مبنى المقهى إلى خارجه فى الطريق العام، فاستولت عليه وعلى الأرصفة الملاصقة له ،وأغلقت مداخل الشوارع ومخارجها عليها، لتصبح المنطقة سوقا حصريا للمقهى ورواده من المنتيمن إلى الفئات الاجتماعية العليا، كما تكشف عن ذلك بوضوح نوع السيارات الفاخرة التى يقودونها .

منذ أكثر من عشرين عاما، وسكان تلك العمارات من كتاب وصحفيين وقضاة واساتذة جامعات وموظفين وأطباء وتجاريين ومحامين يؤذنون فى مالطة، ويتقدمون بشكاوى للشرطة وللجهات التنفيذية مطالبين بوقف تلك المقاهى وتغيير نشاطها، بما يراعى ظروف السكان ممن يتضررون مما بات يفرض عليهم من صخب غير محتمل يمرر أيامهم ويهدد صحتهم النفسية، ولاأحد يستجيب. فلا مراعاة لامتحانات الطلاب أو صحة المرضى وكبار السن، ولا حفاظ على حق السكان المشروع فى نوم هادئ لا يقتحم هرج زوار المقاهى ومرجهم أسرة نومهم نهارا وليلا.

فى مرات قليلة، بعد تكرار الشكوى ، قبل اليأس من الإقدام على تجديدها، كانت الشرطة تغلق أبواب المقهى لمدة ثلاثة أيام، ثم يعاود النشاط بعدها بشكل أكثر تحديا وفجورا، وكأن شيئا لم يكن.

قال لى أحدهم يوما ردا على تذمرى من تلك الأوضاع المختلة، ومن تكرار الشكوى التى قيل لنا أنها لغير الله مذلة: هو فيه حد فى مصر يقدر على لعيبة الكورة ،على افتراض أنهم واقرباؤهم هم من يملكون تلك المحلات!

خرق سافر للقوانين باستخدام المكان لغير أغراضه،وباستمرار السهر بعد الواحدة ليلا ،برغم حظر القرار الوزرى لذلك ،وتحد للاجراءات الاحترازية التى تطلبها الدولة تجنبا لمخاطر تمدد الوباء ،وسط التجمعات الكبيرة لرواد المقهى ،وجرائم غير منظورة يتم ارتكابها ،والصمت عليها كتعاطى المخدرات جهارا نهارا. وقبل هذا وبعده فإن تلك الأوضاع المزعجة تشكل اعتداء صارخا على حقوق عدد هائل من السكان ،ليس بينهم، من سوء حظهم لاعب كرة ، لكى يعنيهم على حل تلك المشكلة المزمنة.

لمن أحمل نيابة عن جيرانى من السكان تلك الاستغاثة ؟ هل إلى النيابة العامة، التى تتولى التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية نيابة عن المجتمع؟أم إلى وزير الداخلية الهمام لما منحه لنا جهازه الجسور من شعور بالأمان؟أم للسيد محافظ الجيزة ليدعم شكوانا إلى جهاته المحلية ؟أم اتكل على الله وأبحث عن لاعب كرة يقبل التدخل لإنهاء تلك الفوضى ،ليشعر سكان المنطقة أننا فى دولة قانون قادرة أن تحميهم من التعدى والإجتراء؟

من لديه الإجابة فليدلنى على السبيل.

تعليق 1
  1. الديوانى يقول

    “ابتلينا نحن قاطنو عمارات الاوقاف”
    لم تري كاتبة المقال البعد الاجتماعى لهذا الحدث وما تردي اليه المجتمع المصري فى العقود الاخيرة ؛ لم تري غير مشكلة ضوضاء وإزعاج لسكان تلك العمارات من “كتاب وصحفيين وقضاة واساتذة جامعات ….”. بالمقارنة ، فى اوايل السبعينات نشرت الصحف مانشيت قد نراه اليوم طريفا عن مطاردة ركاب اوتوبيس ل “نشال” فى احد شوارع القاهرة ولجوء هذا النشال الى احد مراكز الشرطة لحمايته من بطش المطاردين له.

التعليقات متوقفه