فريدة النقاش تكتب:ردع المتحرشين

181

قضية للمناقشة

ردع المتحرشين

فريدة النقاش

لابد أن نساء كثيرات قد شعرن مثلما شعرت أنا بالارتياح لموافقة مجلس النواب علي تغليظ عقوبة التحرش بعد تعديل بعض احكام قانون العقوبات, واحالة التعديل الي مجلس الدولة لمراجعته قبل التصويت عليه. ولابد ايضا ان بعض الرجال قد شعروا بالغيظ.

ويقول الخبر أيضا, ان اعضاء المجلس حملوا الحكومة ومؤسسات الدولة مسئولية التوعية بمخاطر التحرش وأهمية أن يكون هناك دور لكل الهيئات المهنية.

وذكر تقرير اللجنة انه مع تقييم الاثر التشريعي للتعديل يبين ان العقوبات التي اوردها, ولئن كانت نقلة نوعية في حينها, فإنها لم تحقق الردع بالشكل المطلوب, لذا تمت اعادة النظر في تلك العقوبات بعد مطالعة النظم المقارنة علي المستويين العربي والدولي.

وهكذا جري تغيير توصيف التحرش الجنسي علي اعتبار انه جناية بدلا من التوصيف السابق كجنحة وهو التعبير الذي يشكل خطوة متقدمة علي طريق مواجهة المشكلة.

وشهد مجلس النواب خلال مناقشة مشروع التعديل تعبيرا صريحا, بل وفجا, عن مجموعة الافكار والرؤي المسبقة المعادية للمرأة, وهي الافكار والرؤي التي تراكمت طبقات فوق طبقات عبر السنين, وعلي امتداد التاريخ الانساني كله, وفي كل البلدان وان تفاوتت الظروف والسياقات والنتائج

واتضح هذا العداء المسبق والترصد للنساء في قول احد النواب بأن المرأة هي احد اسباب التحرش, وتسبب رد الفعل الغاضب في قيام رئيس المجلس بحذف هذا التصريح من المضبطة.

ولكن الحذف لن يحذف احدي القيم الراسخة في ثقافة المجتمع, والتي تتمحور حول هذا المعني الذي يلقي بالمسئولية علي النساء لا فحسب عن التحرش, وانما ايضا عن كل التجاوزات غير الاخلاقية التي يسارع المحافظون والمطالبون بما يسمونه “ضبط” وجود النساء في الحياة العامة بنسبتها الي النساء, بسبب سلوكهن أن ملابسهن أو أي شيء حر كما يدعون.

وفي ظني ان احتدام مثل هذا الجدل في الحياة العامة حول مشاركة النساء وادوارهن واسهاماتهن المنوعة في المجتمع, بل وأضيف ايضا ونجاحاتهن المشهود لها في كل ما قمن به من اعمال, وما دخلن اليه من مجالات كانت محجوبة عنهن في السابق- اقول ان احتدام هذا الجدل- ان دل علي شيء- فإنما علي هذا القلق العارم الذي يصيب الحالة الذكورية السائدة من تساقط تلك المقولات والافكار والرؤي التي تريد ان تسجن النساء للابد في “جيتو” يخصهن- يسمي الضعف الانثوي, مع اختزال كل قدرات النساء في وظائفهن الانجابية وحدها, والتركيز في الحوار والمناقشات علي تأكيد الاختلافات البيولوجية بين الجنسين, وصولا الي الانتقاص من قيمة النساء وقدراتهن, وذلك بدلا من اجلال وتمجيد هذا الدور الذي يقمن به لصالح البشرية كلها.

واقول ان اجلال وتمجيد الادوار الانجابية للنساء هو اتجاه عالمي متزايد يجري بلورته في سياق منظومة حقوق الانسان.

وتزداد في هذا السياق قدرات ونفوذ وانجازات الحركة النسائية في كل بلدان العالم كل علي طريقته.

وفي المقابل, يزداد غضب المحافظين الذين يرون في نجاحات النساء وتجلي قدراتهن انتقاصا من “رجولة” مزعومة للذكور, وهم يختزلون كل مفهوم الرجولة في التفوق علي النساء بل وقمعهن احيانا لاثبات مثل هذا التفوق.

ورغم أن عمليات القمع هذه قد اتت اكلها علي امتداد التاريخ الانساني, الا أن النساء سجلن, ومازلن يسجلن انتصارات كثيرة في ميدان اثبات القدرات واظهارها علميا وانسانيا.

وتدور – في كل انحاء العالم- وعلي طريقة كل بلد- معارك معلنة احيانا, ومخفية في معظم الاحيان بين الفريقين التقدمي والمحافظ, ولا يخفي علينا ان الفريق المحافظ قد برع في استخدام الدين ليبين – من وجهة نظره دونية النساء, بل ويعرقل الجهود التي يجري بذلها لتوفير مناخ امن لهن للتوفيق بين الوظائف الانجابية والوظائف الاجتماعية لاخري التي اقتحمت النساء كل المجالات للقيام بها, واظهرن جدارة.

ورغم كل العيوب الجذرية التي لازمت التجارب الاشتراكية التي انهارت يظل افضل انجاز في هذه التجارب هو القفزة الهائلة التي عرفتها اوضاع النساء وحقوقهن فيها. وهي حقيقة تتجه كثير من القوي العاملة في مجال تحرير النساء الي البناء عليها وتطويرها وبخاصة بعدما تجلت للعالم كله النتائج السلبية في مجال تحرر المرأة وتقدمها للرأسمالية المنفلتة او الوحشية, والتي لم يكبح جماحها سوي نضال النساء والعمل المشترك بينهن وبين كل القوي المناهضة للرأسمالية, وبخاصة لااساسها الجوهري اي الاستغلال الكثيف للعاملات والعمال.

وبينت التجربة التاريخية أن ازدواج المهام التي تقوم بها النساء داخل البيت وخارجه, وخاصة فيما يتعلق بتربية الاطفال قد ادت الي تآكل قدرات النساء الابداعية والانتاجية وهو ما تسعي حركات التحرير عامة, وتحرير النساء بخاصة الي وضع حلول عقلانية يشارك فيها المجتمع كله للتخفيف من الاعباء المزدوجة التي تقع علي عاتق النساء وتحول دون تقدمهن لانها تخصم من القدرات والمواهب التي يتوفرن عليها, وتخصم بالتالي من تقدم المجتمع ذاته.

التعليقات متوقفه