سعت لجعل البلاد منصة لدعم الإرهاب:الشعب يسقط “النهضة الإخوانية” في تونس.. ويتحرر من “زمن الفساد”

نورالدين الطبوبي: حان الوقت لإنهاء هذه الحقبة التي وضعت تونس على صفيح من نار

254

بلحسن اليحياوي: “النهضة” عملت لصالح أجندة التنظيم العالمي للإخوان

تحقيق: عبدالوهاب خضر

مع بدايات الأسبوع الجاري نجح الشعب التونسي في إسقاط حركة النهضة الإخوانية، وإنهاء سنوات من حكم التنظيم الإخواني الذي حكم البلاد، ونشر الفساد والفوضى.
الحشود التونسية الغاضبة حاليا ضد “سياسات الجماعة” هي التي دفعت ثمن تلك السياسات من تدهور اقتصادي وحياة إجتماعية سيئة ..أما العديد من الأوساط السياسية في تونس تُحَمِل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، ورجاله المسؤولية عن صعود تيار السلفية الجهادية والإرهاب، خصوصا بعدما أدلى بتصريح صحفي في 2012 قال فيه إن “معظم السلفيين يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن” قبل أن يعلن لاحقاً أن “هؤلاء الناس يمثلون خطراً ليس على حركة النهضة فقط بل على الحريات العامة.. ووفق مراقبين فإن حركة النهضة قد تجاوزت ما يمكن وصفه بالفساد خلال مشاركتها في الحكم واستغلت البلاد لخدمة أهداف التنظيم الدولي للإخوان وسعت لجعل تونس منصة لدعم الإرهاب في محيطها الإقليمي..

القرارات
كان رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد قد أصدر قرارات هذا الأسبوع تضمنت إقالة حكومة هشام المشيشي وتجميد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وقال إنها خطوة ضروية من أجل إنقاذ تونس..كما أصدر أمرا رئاسيا قرّر من خلاله إعفاء وزراء الدفاع والداخلية والعدل من مناصبهم.
ويقضي أمر سعيّد الرئاسي بإعفاء: هشام المشيشي، رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية، وإبراهيم البرتاجي، وزير الدفاع الوطني، وحسناء بن سليمان، الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة..وجاء في الأمر الرئاسي أن قرار الإعفاء بدأ سريانه ابتداء من يوم الأحد 25 يوليو 2021..كما تقرّر، بمقتضى ذات الأمر، أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.
تفسي الفساد
نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، قال  إنّ الأزمة التي تردّت فيها البلاد قد سبق أن نبّه إليها الاتحاد وثبّت تقييمه لها في ديباجة المبادرة الوطنية، ويسجل أنها قد بلغت اليوم أقصاها ووصلت إلى حد تعطل دواليب الدولة وتفكك أواصرها وأجهزتها وتردي الوضعين الاجتماعي والاقتصادي وتعمق معاناة الشعب وتزايد الفوارق بين الفئات والجهات وتفشي الفساد ونهب المال العام واستشراء مظاهر المروق على القانون وخرقه بالغلبة طورا وبتطويع التشريعات والأجهزة ومنها القضاء طورا آخر لصالح لوبيات متنفذة وأطراف استباحت الحقوق والبلاد ورهنتها في سياسة تداينية خطيرة فرطت في السيادة الوطنية، وقد حان الوقت لتحميل المسؤوليات وإنهاء هذه الحقبة التي وضعت تونس على صفيح من نار…وقال إنه يحيي التحركات الاجتماعية والشعبية السلمية التي انطلقت في العديد من الجهات وشكلت حلقة في سلسلة مراكمة النضال الشعبي والاجتماعي في تونس.
جرائم النهضة
حركة النهضة ارتكبت جرائم بحق التونسيين كما تجاوزت جرائمها الحدود لتطال دولا إقليمية، خاصة ليبيا، التي وقعت فريسة للأطماع التركية والأهداف التي سهلتها تركيا وفتح البلاد كممرات لنقل السلاح والمرتزقة إلى الداخل الليبي، وفي الداخل، فشلت في تحقيق أي وعود انتخابية، كما تسببت في انزلاق البلاد لمنحدر الاغتيالات السياسية والتحارب..وحسب مصادر، قدم راشد الغنوشي نفسه باعتباره النسخة الأذكى والأكثر حكمة بين قيادات التنظيم الدولي للإخوان، للدرجة التي جعلته يصفهم جميعا بالغباء في أول اجتماع أعقب ثورة 30 يونيو في مصر، واستضافته العاصمة التركية اسطنبول عام 2014، وفقا للتسريبات التي خرجت عن الاجتماع في ذاك التوقيت..وعلى النقيض من النصائح التي طالما أسداها الغنوشي لمكونات العملية السياسية، في البلدان العربية وخاصة لأبناء تنظيمه، بضرورة التحلي بالكفاءة والقدرة على تجاوز الأزمات والمرونة السياسية، كانت السنوات الأخيرة من رئاسته لحركة النهضة مليئة بالأزمات الحالكة سواء على مستوى الداخل، والصراع المستميت بينه وقيادات الحركة على رئاستها، أدت لانشقاق عبدالفتاح مورو أحد أبرز قادتها، أو على مستوى التعامل السياسي ما بين النهضة ومكونات العملية السياسية في البلاد..وعلى مدار سنوات ترأس فيها الغنوشي برلمان الشعب لم يمر يوم بدون أزمة مع إحدى القوى السياسية، الأمر الذي بلغ ذروته عقب اختلاق صراع مع الرئيس التونسي قيس سعيد والمساعي الحثيثة من جانب الحركة لسحب الصلاحيات الدستورية من الرئاسة وعزل “سعيد”، فضلا عن احتدام الأزمات مع القوى السياسية والحزبية ومحاولة اختراق وتطويع المؤسسات وفي مقدمتها القضائية.
أجندة التنظيم العالمي
المحلل السياسي التونسي بلحسن اليحياوي قال في تحليل له إن النهضة عملت لصالح أجندة التنظيم العالمي للإخوان وليس وفق أجندة وطنية، ويغيب عن أدبياتها تماما مفهوم الدولة وقيم الوطنية، وبالتالي عندما وصلت إلى صنع القرار الساسي في تونس فترة الانتخابات التي جرت عقب 2011، لم تقدم أي جديد للسياسة التونسية، وكانت صفرا من المشاريع السياسية الوطنية وكذلك صفرا في القدرة على إدارة الدولة.
وأوضح “اليحياوي”، أن حركة النهضة لا تمتلك الأدوات التي تمكنها من إدارة الدولة أو تشكيل الحكومة بما تطلبه هذه العملية من إدراك لمختلف المعطيات، بالإضافة إلى غياب مفهوم الدولة القطر، طبعا أولوياتها مختلفة تماما عن هذا التنظيم الهلامي الذي لا يؤمن بالوطن ويعمل فقط لمصالحه الخاصة.
ويتابع “اليحياوي” أن معظم تحركات حركة النهضة الإخوانية كانت تصب لصالح أجندات خارجية، مؤكدا أن العمل لصالح هذا التنظيم برئاسة قطر وتركيا كانت مسبقة على مصالح الوطن في تونس.
ويؤكد الباحث التونسي أن الجريمة الكبرى لحركة النهضة هي ما اقترفته بشأن ليبيا، التي تأذت بسبب تمكن حركة النهضة من مفاصل الدولة في تونس، وتواجدها على رأس دوائر صناعة القرار، وهو ما جعلها تقدم الكثير من التسهيلات للأطراف التي أرادت العبث بـ”الجغرافيا الليبية”، ولذلك كانت مساهمة حركة النهضة كبيرة جدا في تسهيل عمل تركيا في ليبيا، وسهلت خلال فترة حكمها للبلاد، مرور المسلحين والمتطرفين إلى ليبيا عبر الأراضي التونسية، كما عبرت الأسلحة من حوض البحر المتوسط إلى ليبيا.
النفاق
من جانبه وفي تعليق له يصف بسام حمدي المحلل السياسي التونسي وصول حركة النهضة إلى الحكم في تونس بأنه ارتكز على ما يمكن وصفه بالنفاق الانتخابي، يتضح ذلك من خلال عدم التزامها بما وعدت به قبيل الانتخابات وأهمها تحقيق التنمية في البلاد، لكنها لم تقدر على تحقيق أي نمو اقتصادي بالعكس تزايدت نسب الفقر والبطالة والجريمة في البلاد، في الفترة حكمت فيها البلاد وحتى اليوم.
ويقول إن حركة النهضة لم تقدر على تنفيذ أي من وعودها الانتخابية خاصة ما يتعلق بالعدالة الانتقالية وتحقيق الكثير من الأمور التي طال انتظارها من جانب التونسيين، المتعلقة بالنمو الاقتصادي والتعددية السياسية، بل خضعت في كثير من المناسبات للإملاءات المرتبطة بالحلف التركي القطري، أكثر من كونها اتجهت لتحقيق استقلالية مالية لتونس..ويؤكد أن النهضة خدعت التونسيين خلال العملية الانتخابية، وفي المقابل لم تفِ بوعودها بل أسهمت بشكل كبير في تفاقم الأزمات بالولاءات الخارجية.
ردود فعل
وجاءت ردود الفعل من جانب بعض المؤسسات والمنظمات العربية والدولية لتكشف عن مدى تقبل تلك الجهات للقرارات الجديدة في تونس والتخلص من حكم جماعة الإخوان فالأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، أكد دعم الجامعة الكامل للشعب التونسي، معربًا عن تمنياته بسرعة اجتياز المرحلة المضطربة الحالية، واستعادة الاستقرار والهدوء وقدرة الدولة على العمل بفعالية من أجل الاستجابة لتطلعات ومتطلبات الشعب.
ودعت الأمم المتحدة، في أول تعليق منها على الأحداث الأخيرة في تونس، كل الأطراف المعنية إلى ضبط النفس والامتناع عن العنف.
وذكرت واشنطن أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بحث يوم الاثنين من هذا الأسبوع مع الرئيس التونسي، قيس سعيد، تطورات الأوضاع في تونس داعيا إياه إلى الالتزام بالديمقراطية وحقوق الانسان.
وحث بلينكن سعيد على “الحفاظ على حوار منفتح مع كل الأطراف السياسية والشعب التونسي، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في مراقبة الأوضاع والبقاء على التواصل”.
وفي رد فعل أيضا يكشف طبيعة نهج بعض المنظمات الدولية الموالي للإرهاب وداعميه دعت “منظمة العفو الدولية” الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى “التعهد علنا باحترام حقوق الإنسان وحمايتها، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي”.
وقالت المنظمة في بيان لها: “ينبغي على الرئيس التونسي قيس سعيد أن يلتزم علنا باحترام وحماية حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي بعد أن علق عمل البرلمان وتولى بعض السلطات القضائية”…وأضافت أن “المخاوف تصاعدت من تعرض حقوق الإنسان للخطر في أعقاب المداهمة المفزعة التي شنتها قوات الأمن لمكتب قناة الجزيرة في تونس العاصمة اليوم (الاثنين) وتهديدات الرئيس خلال خطابه باللجوء إلى القوة المشدّدة ضد أولئك الذين يهددون أمن الدولة”..وتابعت أن “الحريات التي اكتسبت بشق الأنفس ومكاسب حقوق الإنسان التي حققتها تونس في انتفاضة 2011 معرضة للخطر وخاصة في غياب محكمة دستورية تحمي حقوق كل فرد في البلاد”..!!

*تاريخ أسود
ودفاع بعض المنظمات والبلدان عن جماعة الغنوشي في تونس لا يحتاج الى تفسيرات او تحليلات تؤكد ان تلك المنظمات راعية للإرهاب ،وهناك نماذج مشابهة في بلدان عربية عديدة ،دافعت فيها تلك الجهات عن ارهابيين خاصة من “جماعة الإخوان” ،فليس بمستغرب السعى نحو حماية الغنوشي صاحب التاريخ الاسود ،فهو الذي بعد ثورة عام 2011،في تونس عاد إلى بلاده بعد 20 عاما قضاها في لندن، هرباً من الاعتقال في بلاده، وباستغلال مناخ الحريات بالتزامن مع التغيرات السياسية سارع إلى ترخيص حزب النهضة، الذي أسسه مع رفاقه عام 1981، تحت مسمي حركة الاتجاه الاسلامي، ثم النهضة لاحقاً، لكنه وفي ذلك التوقيت كان مثيراً لقلق السلطات في البلاد، وتم القبض عليه واتهم بتأجيج الاضطرابات وحكم عليه بالسجن لمدة 11 عاماـ ثم بالأشغال الشاقة المؤبدة عام 1987، إلا أن تم الإفراج عنه بعدها بعام حيث تولى الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي الحكم في البلاد.
لكن شهر العسل لم يدم طويلا فبعد حصول حركة النهضة على نحو 17% من الأصوات في الانتخابات التشريعية لسنة 1989، بدأت الصدامات مع النظام..وفي نهاية 1989 غادر راشد الغنوشي تونس الى الجزائر ثم الى لندن في 1991، بعد أن حكمت عليه المحكمة العسكرية بتونس مع قيادات إسلامية اخرى بالسجن المؤبد بتهمة “التآمر” ضد رئيس الدولة.
ومن مجرد مدرس إلى واحد من أهم رجال المال والسياسية في تونس، مر الغنوشي بعدة مراحل، حيث ولد راشد الغنوشي واسمه الحقيقي راشد الخريجي في 22 يونيو 1941 بمدينة الحامة من ولاية قابس (جنوب شرق)، في عائلة متواضعة تعمل في الزراعة، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدارس الحامة، وبعدها تحول للعاصمة أين التحق بجامع الزيتونة لمواصلة تعليمه.

وسافر راشد الغنوشي سنة 1964 إلى مصر ثم سوريا حيث حصل سنة 1968 على الإجازة في الفلسفة من جامعة دمشق، ثم سافر إلى باريس التي أمضى فيها فترة قصيرة ليعود نهاية الستينات إلى تونس، ثم عمل أستاذا للفلسفة في مدارس ثانوية بالعاصمة تونس.
وعند عودته الى تونس “اكتشف الغنوشي مدى “التغريب” الذي أصبحت عليه البلاد”، حسبما قال في سيرته الذاتبة الرسمية، في إشارة الى النهج العلماني الذي انتهجه الرئيس الحبيب بورقيبة الذي أعطى المرأة حقوقا فريدة من نوعها في العالم العربي ومنع تعدد الزوجات.
بدأ نشاطه الدعوي في هذه المدارس، وفي 1972 أسس مع بعض رفاقه “الجماعة الإسلامية” التي غيرت اسمها في 1981 إلى “حركة الاتجاه الاسلامي” ثم إلى “حركة النهضة في 1982.
وبحسب الغنوشي، ركزت الحركة في عملها على الدروس الوعظية والحلقات في المساجد وتكثيف المحاضرات في المعاهد الثانوية والجامعات،كما ركزت الدعوة في اوساط النساء لإقناعهن بارتداء الحجاب وتبني الفكر الإسلامي.
وبعد سنوات من الملاحقات الأمنية والسجون، والعمل السري، وأعمال حرق وتفجير نفذتها في الثمانينات والتسعينات، خرجت الحركة بعد الثورة بشكل جديد.
فبعد عودته إلى تونس، عمل الغنوشي الذي اعتبر لفترة طويلة متشددا، على محو كل أثر للتطرف الاسلامي في خطابه، وأصبح يقدم نفسه على أنه معتدل يقود حزبا شبيها بحزب العدالة والتنمية في تركيا..لكن ذلك لم يجد مساحة مقنعة وسط ممارسات كانت عكس ذلك،حيث أن حركة النهضة التي يتزعمها، في مرمى الاتهام والشبهة في ملف اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد، خلال حكمها للبلاد عام 2013.
وكان آخر ظهور للغنوشي أمام أبواب البرلمان ليلا بعد أن أصدر الرئيس قيس سعيد قرارا مساء الأحد من هذا الاسبوع ، بتجميد عمل البرلمان وإعفاء الحكومة ضمن عدد من القرارات التي تدخل ضمن صلاحياته الدستورية للتدخل في حالة وصول البلاد إلى مرحلة تهدد السلم وأمنها الاجتماعي ..

التعليقات متوقفه