يحذر من خطورة حجب الشباب عن العمل السياسي:منظمة الشباب الاشتراكي قدمت للمجتمع رجال دولة وقيادات في كل المجالات..*عبدالناصر: إذا حجبنا الشباب عن العمل السياسي تتوقف حيوية الأنظمة الحاكمة

153

لم يكن الشباب ليغيب عن اهتمامات جمال عبدالناصر وثور 23 يوليو في نظرته للأهمية المتزايدة لدور القيادات الجديدة وضرورات تنظيمها سياسيًا وتعبئتها في مواجهة المخاطر والتحديات التي واجهت الثورة في السنوات الأولى من الستينيات، ففي خطاب لعبدالناصر في 4 أغسطس 1959 خاطب الشباب قائلًا: “يجب أن يؤمن الجيل الجديد بأن بلاده يجب أن تبنى في كل ناحية من النواحي، وأن الوطن العربي لا بد أن يكون متكاتفًا في كل نواحيه، وأن ما يؤثر على أي جزء من هذا الوطن سيصل تأثيره إلى الأجزاء الأخرى.. فعليكم جميعًا مسئولية كبيرة”، وفي اليوم التالي يقول: “إذا استطعنا أن نطور الشباب والأجيال كي نطور البلد وأن نبنيها، نكون قد حققنا شيئًا كبيرًا، في الوقت نفسه يجب أن نكون مستعدين وعلى أتم الاستعداد وفي كل لحظة للدفاع عن الوطن كجنود يخرجون للقتال”.
وفي عيد العلم 15 ديسمبر 1962 يؤكد عبدالناصر: “ليس بداخل يقيني أي شك في أن هذا الشعب بأصالته قادر على أن يصوغ الأجيال الجديدة من أبنائه وفقًا لمقتضيات مطالبه على مراحل الأمل، مرحلة بعد مرحلة، من هنا فإن إيماني لا يتزعزع بأن كل جيل جديد في شعبنا أقدر من الجيل الذي سبقه على الوفاء بمسئولية عصره”..
وعندما سأله الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أثناء زيارته لمصر في مارس 1967 عن القضية التي تشغله الآن أكثر من غيرها يرد عليه عبدالناصر: “إن العالم كله يحاول إخراج الشباب من السياسة ويحاولون إلهاءهم بأنواع من الرقص الجديد، ويحولون اهتمامهم إلى الرياضة، وأن أرى ذلك خطأ كبيرًا، القضية التي أتمنى لو استطعت أن أركز عليها هي أن يشعر الشباب أن السياسة هي عملية صنع مستقبله، وأن اهتمامه بها ومشاركته فيها هي أكبر ضمانات المستقبل، ما أراه في الاتحاد السوفيتي وما أرها في غيره يجعلني أقلق الآن، لأن الأجيال القديمة تحجب أجيالًا جديدة عن المشاركة، وهذه مشكلة، فإذا حجبنا الشباب عن العمل السياسي تتوقف حيوية الأنظمة ويزداد الاعتماد على عناصر القوة في المجتمع، مثل الجيش مثلًا، وهذه ليست وصفة مضمونة لحماية التطور”.

برنامج فكري لإعداد القيادات
وفي دراسة حول “منظمة الشباب الاشتراكي ودورها في خلق جيل من القيادات ساهم في بناء الدولىة وتطورها خلال السنوات الماضية.
وكانت من أهم دروس هذه التجربة أن المزاوجة بين التكوين الفكري والتدريب القيادي والإدماج في حركة المجتمع من خلال النشاط السياسي والجماهيري هي شرط ضروري للنجاح في إعداد القيادات الشابة، ومن أهم عوامل النجاح للقيادات الجديدة؛ توفر الوعي القائم على المعرفة العملية وروح المبادرة الناجمة عن القدرة الحركية والشعبية التي تصنعها علاقة سليمة بالجماهير.
تولى الإشراف على بناء منظمة الشباب الاشتراكي “زكريا محيي الدين” عضو اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي الذي استعان بمفكرين من كل الاتجاهات السياسية، طُلب منهم إعداد البرنامج الفكري للمنظمة، ومرّ بناء المنظمة بثلاث مراحل هي؛ المرحلة الأولى: تكوين النواة القيادية الأساسية، والمرحلة الثانية: تكوين عضوية محدودة في المحافظات والجامعات والمصانع، والمرحلة الثالثة: التوسع في العضوية التي وصلت خلال عامين فقط إلى ربع مليون شاب وفتاة.
وقد تميز أسلوب إعداد القيادات في المنظمة بالفهم الواعي لهذه العملية، باعتبارها نوعًا من التنشئة السياسية، الهدف منها تزويدهم بالرؤية الفكرية والمهارات القيادية وإنضاج شخصياتهم بما يسمح لهم باكتشاف قدراتهم والاستفادة منها في مسئولياتهم الجديدة.
انتقلت بعد ذلك عملية بناء المنظمة من مرحلة إعداد النواة القيادية من الشباب إلى الإعلان عن المنظمة وبدء نشاطها السياسي والجماهيري يوم 21 يوليو 1966، وصدرت أول لائحة للنظام الأساسي للمنظمة تحدّد أهدافها ومبادئها التنظيمية والعضوية والبناء التنظيمي، وشكّلت أول لجنة مركزية من 51 عضوًا من الشباب منهم خمس فتيات وثمانية طلاب في الجامعات والثانوي، وسبعة عمال وفلاحين، وتطورت عضوية المنظمة نتيجة لسياسة التوسع الكمّي في العضوية من 20 ألف شاب وفتاة يوم إعلان المنظمة يوليو 1966 إلى 250 ألف شاب وفتاة في نهاية مايو 1967. نقطة تحول
وكانت هزيمة يونيو 1967 بمثابة نقطة تحول حاسمة في مسيرة المنظمة وقطعت الطريق على استكمال مشروع بنائها، ثم انخراط المنظمة في الحركة الجماهيرية الداعية إلى التغيير بعد هزيمة يونيو ومطالبهم بمزيد من العدالة الاجتماعية واقتصاد الحرب وإشراك الشعب في مقاومة العدوان وتحقيق مزيد من الحريات السياسية.
وكانت المنظمة في جوهرها إطارًا لإعداد جيل جديد من القيادات الشابة وتؤكد الوقائع أن تجربة المنظمة هي تجربة فعالة وغير مسبوقة في اكتشاف وتكوين الكادر السياسي بشكل مكثف، والدليل العملي على ذلك أننا وبعد أكثر 5 عقود على التجربة فإن الآلاف من القيادات التي كانت نتاجًا لها وثمرة لجهودها في اكتشاف القيادات الشابة وصقلها، قادت وتقود الآن مختلف مجالات العمل الوطني، فأعضاء المنظمة السابقون هم عماد الأحزاب السياسية الشرعية والسرية وبعضهم مارس نشاطًا فعالًا في مجلسي الشعب والشورى السابقين، والمجالس المحلية واحتل بعضهم مواقع مؤثرة في قيادات النقابات المهنية والعمالية، وشغلوا مواقع مهمة في أجهزة الدولة والإدارة المحلية ومنهم رجال أعمال ناجحون وباحثون أكاديميون بارزون وأساتذة في الجماعات المصرية، وهكذا ساهمت المنظمة في تجديد النخبة القيادية في مصر وتوسيعها بشكل ملحوظ، ودورهم بشكل خاص في بلورة الحركة الناصرية المعاصرة فكريًا وسياسيًا وتنظيميًا وجماهيريًا ، بينما كانت قيادات نظام عبدالناصر في سجون أنور السادات خلال حقبة السبعينيات.
ومن ثم كانت هذه الرؤية الفكرية السياسية هي أساس المشروع القومي العربي الذي طرحه جمال عبدالناصر، وشكلت ملامحه الأساسي في وثائق الثورة، وهو مشروع حضاري نهضوي يستهدف إعادة تنظيم المجمتع العربي في إطار من الحرية والاشتراكية والوحدة، تقوم ملامحه الأساسية على ملمح هوية مصري وملمح هوية قومي، وملمح هوية إنساني، تجمع بين الاستقلال والتنمية والعدل الاجتماعي والوحدة العربية والتعاون الدولي.
ولعب أعضاء المنظمة دورًا رئيسيًا في تنظيم مشروعات تطوعية لزيادة الإنتاج، كما اهتموا بالعمل النقابي، وشاركوا بحماسة في انتخابات النقابة العمالية ترشيحًا وتصويتًا، كما شاركوا في الأنشطة النقابية بهدف تحسين أوضاع العمال والدفاع عن مصالحهم، واستخدموا أشكالًا متعددة لتحقيق هذه الأهداف، وفي النقابات المهنية فقد فاز عدد كبير من أعضاء منظمة الشباب الاشتراكي بعضوية مجالس إدارة النقابات المهنية، وتكررت الظاهرة نفسها في الجمعيات التعاونية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني، ويرجع الفضل لهذا الجيل من القيادات فى تطور الحركة الجماهيرية بإنشاء العديد من المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان والجمعيات العاملة فى مجال التنمية وجماعات الدفاع عن قطاعات مهمة فى المجتمع مثل الجمعيات المهتمة بالمرأة أو المدافعة عن القطاع العام، وإعادة إحياء التيارات السياسية من خلال تأسيس أحزاب ومنظمات لهذه التيارات الأربعة وما ترتب على ذلك من إشاعة الحيوية فى الحياة السياسية.

 

التعليقات متوقفه