ضوء في آخر النفق.. محمود الشربيني يكتب:تحت بير السلم .. الديني!

144

ضوء في آخر النفق

تحت بير السلم .. الديني!

بقلم: محمود الشربيني

كلما وقع في الأمة حدث جلل يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، تحسس الناس معلوماتهم ومدوا ابصارهم صوب الديمقراطيات الأوربية – الأميركية، بل إن بعضهم يشخص ببصره صوب ديمقراطية العدو ( الكيان الصهيوني)! هذه الدول هي قبلتهم التي يحجون إليها حجا ديمقراطيًا. لم يسأل الناس كيف بلغت أوربا وأميركا هذا القدر من الحريات الشخصية والممارسات الديمقراطية . التاريخ يؤكد أن أوروبا دفعت ثمنا باهظا من أجل الحرية. حروبًا أهلية وهزائم عسكرية وصراعات فكرية وقتلًا على الهوية الدينية .
خرج الأوربيون من هذه العصور المظلمة إلى العصور الحديثة ، بعد أن وجدوا أنه لا طريق سوى الفصل بين الدين والدولة .
في أيام الشباب، كنا نردد أفكارا وآراءً من دون أن نختبرها أو نتفكر فيها ، حول الجنة والنار والمسيحية والإسلام والخلافة و.. “من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون” . لكننا لم نكن نطرح السؤال الخطير: كيف هو السبيل إلى حكم الله ؟ هل السبيل الوحيد هو أن يعتلي سدة الحكم رجل يرتدي ال (كاكولا) أو “الجبة والقفطان”.. زِي المشايخ و الأزهريين التقليدي؟
لم تتغير طريقة تفكير “بعضنا” إلا عندما ظهرت بقوة آراء الفلاسفة والمفكرين .. وحينما راح عدد منهم يفند الأفكار ، وعندما ظهرت ممارسات لبعض أبناء جيلنا ممن فكروا في طريقة حكم الله على هواهم .. فأصبح عنوانهم المختار هو امتشاق الجنازير والمطاوي والعصي الحديدية يقتصون بها ممن يرونهم مخالفين لأفكارهم، ويرونهم يأتون الفواحش ويرتكبون المعاصي ، (مثل إقامة حفلات راقصة مختلطة في الجامعة الخ)
عندما قال فرج فودة أن “٠القوانين الوضعية تطال ما لا يطاله التشريع الإسلامي، جريمة الزنا نموذجًا .. قتلوه! مع أنه أراد القول بأن القانون الوضعي لا يتعارض مع القانون السماوي بل يحقق ما لا يستطيع تحقيقه.. فواقعة الزنا مثلًا يستحيل إثباتها بأربعة شهود وتمرير خيط !
قتل في أوربا زمن العصور المظلمة مفكرون وعلماء من نوع كوبرنيكوس وغاليليو وغيرهم ممن أهدرت الكنيسة الأوربية دماءهم ، فيما أمر كرومويل بتطهير ألمانيا من الكاثوليك وذبح المئات منهم قبل أن تظهر في أوروبا دعوات مارتن لوثر كينج .. وقيم الثورة الفرنسية .
و انتقال أوروبا من عصور الدم الوسيطة المظلمة المتخمة بالحروب الأهلية وسطوة رجال الدين إلي عصور التنوير استغرق عقودا ، حتى قبلوا بالفصل بين السلطتين .. بين الدين والدولة .
الدين في العصر الحديث واجه تعقيدات شديدة ، حتى أنه كما يقول دارسون متفانون ومقاتلون تبدل وأصبح مختلفا عن الدين المنزل ، بفعل أهواء وأمزجة وتفسيرات غير صحيحة .. وبالتالي فإن ما نراه من ألعاب وصراعات باسم الدين لانجاة منه ولا طريق يولج منه إلى المستقبل . فلا يوجد كتالوج للتقدم باسم الدين يمكن وضعه ، بل إن حديث النبي عليه الصلاة والسلام أنتم أعلم بشئون دنياكم يظل في تقديري هو كتالوج التقدم الديني والمجتمعي الصحيح . أما القداسة الدينية التي تغلف كل حياتنا، والفتاوى التي تتحكم في حياتنا، والتحليل والتحريم الذي يمارسه الفتية الأغرار في الزوايا، “وتحت بير السلم الديني”، فلن تقيم لنا دولًا، ولن تنقلنا من تخلف العصور المظلمة بكل تشددها الديني والسياسي إلى تقدم العصور الحديثة بكل انفتاحها الفكري والديمقراطي. مع قيس سعيد و ضد (الإخوان المفسدون)

التعليقات متوقفه