صناعة الفقر.. والدعم فى مصر

السياسة الاقتصادية تولد الفقر وسط غياب برامج التنمية والإصلاح الهيكلى

346

5ملايين مواطن يسقطون فى براثن الفقر فى أعقاب تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي
انهيار الطبقة الوسطى.. وانتشار الفقر وتفاوت فى الدخول وتوزيع الثروات لصالح الأغنياء..
نتائج الإصلاح:
صندوق النقد الدولى: لا توجد خطة لخفض دعم الغذاء فى برنامج الإصلاح المصرى
جيرى رايس: الصندوق يدعم قرار الحكومة المصرية بزيادة دعم المواد الغذائية
دعم أسعار السلع والخدمات الأساسية ساهم في تخفيض نسبة الفقراء 3.2% عام 1999
ودعم الخبز البلدي عمل على إبقاء 9.18% من إجمالي الفقراء فوق خط الفقر
وفر دعم السلع الغذائية الأساسية حوالي 40% من احتياجات محدودي الدخل من السعرات الحرارية بحسب البنك الدولى
نصيب الفرد من دعم بطاقات التموين: 33 جرام زيت و33 جرامًا لكل من السكر والأرز والمكرونة و5 أرغفة يوميًّا فقط !
11.5 عام من الدراسة بمصر تعادل 6.5 سنة فقط وفقًا لمعايير جودة التعليم

تحقيق نمو اقتصادي سريع وعادل ومستدام يساعد على توفير فرص عمل جديدة مرتفعة الإنتاجية ورفع مستويات الدخول وتحسين نمط توزيع الدخل.. أفضل وسيلة لحماية الفقراء وتخفيف العبء عن محدودي الدخل وتقليل حاجتهم للدعم.

تقرير يكتبه :حسين البطراوي 

عادت قضية الدعم مرة أخرى إلى النقاش، ليس من قبل الحكومة هذه المرة، كما يحدث دائمًا عند مناقشة الميزانية العامة للدولة، بل من الرئيس عبدالفتاح السيسي، عندما أطلق عدة تصريحات حول رفع أسعار الخبز المدعم وإعادة هيكلة الدعم، دون الإعلان عن تصور أو خطة لرفع الأسعار أو إعادة الهيكلة، مما أثار مخاوف المواطنين، خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر فى مصر.


تجارب إعادة هيكلة الدعم اقترنت دائما بحذف المستفيدين من الدعم خاصة الفقراء، ولا تزال صورة الزحام أمام مكاتب التموين حاضرة فى الذهن، دون التمكن من تحديث بيانات المواطنين.
فالحكومات المتعاقبة دائما تنظر إلى مخصصات الدعم باعتبارها سببا من أسباب عجز الموازنة العامة للدولة، وتعمل على تخفيضه دون النظر إلى أعداد الفقراء المتزايد وتأثير الدعم على مكافحة الفقر، كعائد إيجابى للإنفاق، وحتى دون الاعتراف بأن سياسات الحكومة كانت سببًا في تزايد الفقراء فى مصر وتفاوت الدخل.
فمصر منذ التسعينيات فعلت برنامجين لما يسمى “الإصلاح الاقتصادي” بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى، تحملهما الفقراء ومحدودو الدخل، وسط تفاوت فى الدخول، دون إحداث إصلاح هيكلى للاقتصاد يعمل على خلق فرص عمل حقيقية، وإحداث تنمية بشرية حقيقية للمواطن.. هنا يصبح الدعم فريضة وحقًا للمواطن الذي أهملته الحكومات المتعاقبة لسنوات عديدة.
سياسات الحكومة
اختارت الحكومات المتعاقبة عبر العشرين عاما الماضية سياسات اقتصادية أدت إلى تزايد معدلات الفقر فى المجتمع المصري، تميزت تلك السياسة بالانحياز للأغنياء على حساب الفقراء، وهو ما سبق ولا يزال يحذر حزب التجمع من خطورة تلك السياسات التى أدت إلى مزيد من الفقر وتفاوت فى الدخول وتوزيع الثروات لصالح الأغنياء.
وبحسب نتائج بحوث الدخل والإنفاق التى يجريها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فقد ارتفع معدل الفقر من 16.7% عام 1999-2000 إلى 32.5% عام 2017-2018، ثم انخفض إلى 29.7% عام 2019 -2020.
وبحسب د. هالة السعيد، وزير التخطيط، فإن الحكومة تهدف إلى خفض نسبة الفقر خلال العام المالى الحالي إلى 28.5% من عدد السكان.
يذكر أن تحقيق هدف تخفيض نسبة الفقر وفقا للأمم المتحدة إلى 6% من عدد السكان بحلول عام 2030 هو أمل غير قابل للتحقق فى مصر.
تزايدت معدلات الفقر رغم ارتفاع معدلات النمو فى مصر، ففي عام 2007 قبل الأزمة المالية العالمية بلغ معدل النمو 7% ورغم ذلك ارتفعت نسبة الفقر فى مصر إلى 21.6% من عدد السكان.
وفى عام 2010-2011 وهى فترة ثورة يناير ارتفعت معدلات الفقر إلى 25.2% من عدد السكان مسجلة أعلى نسبة تزايد للفقر نتيجة الانفلات الأمني فى تلك الفترة، وواصلت نسبة الفقر فى الارتفاع بمعدل 1% سنويا حتى الاتفاق مع صندوق النقد الدولى وبدء تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، لتسجل نسبة الفقر فى مصر أعلى نسبة فى تاريخها لتصل إلى 32.5% من عدد السكان، مقارنة بـ 27.8 % عام 2015 أى نحو 32.5 مليون مواطن فقر من أصل 100 مليون مواطن. أى سقوط نحو 5 ملايين مواطن فى براثن الفقر مع تطبيق الإصلاح الاقتصادي.
ارتفاع نسبة الفقر فى مصر لم يكن نتيجة وحيدة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، فتدهور الطبقة الوسطى وسقوط عدد كبير منها فى براثن الفقر أو إلى الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، كانا إحدى نتائج البرنامج بعد ارتفاع معدلات التضخم وتحرير سعر الصرف، وفقدان 50% من مدخرات الطبقة الوسطى، نتيجة لانخفاض قيمة الجنيه المصري.
تحرير سعر الصرف
كان من أهم العوامل المؤثر فى زيادة نسب الفقر فى مصر تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى، فحدث أول تحرير لسعر الصرف عام 2003، ونتيجة انخفاض قيمة الجنيه المصري بحوالي 30% عقب تحرير سعر الصرف في يناير 2003، أدى إلى ارتفاع أسعار الواردات مقومة بالعملة المحلية، فتوسع الحكومة في نطاق وحجم الدعم بإضافة سبع سلع غذائية جديدة لنظام البطاقات التموينية وهي: الأرز والمكرونة والعدس والفول والمسلي النباتي والشاي في عام 2004 ، لتخفيف أثر ارتفاع أسعار السلع المستوردة بحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء.
ومنذ عام 1989 توقف قيد المواليد الجدد بالبطاقات التموينية مما ترتب عليه أن أصبح بعض أفراد الأسرة الواحدة يحصل على دعم والبعض الآخر لا يحصل على دعم.


كما أن دعم الخبز كان يمثل أكثر من 60% من قيمة الدعم المخصص للسلع الغذائية، وهو متاح لجميع المواطنين بغض النظر عن مستوى الدخل وبدون تحديد للكميات الممكن شراؤها. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وصل الفقر عام 2004-2005 إلى 19.6%، مقارنة بـ 16.7 عام 2000.
أما فى عام 2016 وبعد تحرير سعر الصرف، فقد الجنيه نحو 60% من قيمته واتجهت الحكومة إلى زيادة مخصصات الدعم السلعى، وهو ما أشد به صندوق النقد الدولى على لسان رايس، المتحدث الرسمي باسم صندوق النقد الدولى، الذي أكد أنه لا توجد خطة لخفض دعم المواد الغذائية فى برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تتبناه السلطات المصرية، والذى يدعمه الصندوق فى إطار اتفاقية التسهيل الائتماني الممتد. وأكد «رايس» أن الحماية الاجتماعية عنصر مهم فى برنامج الإصلاح الاقتصادى للحكومة. وقال إن “صندوق النقد الدولى لا يفرض شروطا على الدول الأعضاء، بل نعمل فى شراكة مع الأعضاء. ورغم ذلك سقط 5 ملايين فى براثن الفقر!.
واكب تحرير سعر الصرف برنامج قاسٍ للإصلاح الاقتصادي تحمل أعباءه الفقراء ومحدودو الدخل بالدرجة الأولى، حيث تم رفع أسعار البنزين والكهرباء والغاز الطبيعى والمياه والمواصلات والمحررات الحكومية خلال الفترة من 2016 إلى الآن.
كورونا.. والفقر
كان لتأثير فيروس كورونا والإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الدولة للوقاية من الفيروس انعكاس على زيادة معدلات البطالة وانخفاض الدخل وبالتالى الفقر، وبحسب بيانات البنك الدولى فقد أكثر من 2.7 مليون عامل وظائفهم، رغم الإجراءات الحكومية للتخفيف من حدة الفقر، لكن تلك الإجراءات والتى تمثلت فى إعانات للعمالة المؤقتة أو للعاملين فى قطاع السياحة لم تحد من أثر الأزمة على دخول الأفراد.
وفي سوق العمل في مصر، لا تزال نواتج النظام التعليمي غير ملائمة، ولا يكتسب الطلاب المهارات التي تمهد لهم سبيل الحصول على وظائف في المهن عالية الدخل. وبلغ مؤشر رأس المال البشري في مصر 0.49 في 2020 مما يعني أن الطفل المولود في مصر هذا العام لن يحقق سوى 49% من طاقته الإنتاجية عندما يبلغ 18 عاما. في حين تحققت مكاسب على عدة جبهات تتعلق بالنتائج الصحية بالإضافة إلى الوصول إلى التعليم في مصر خلال العقد الماضي، لكن لا تزال جودة التعليم تمثل تحديًا. على سبيل المثال، تعادل 11.5 عام من الدراسة بمصر نحو 6.5 سنة فقط وفقا لمعايير جودة التعليم، أي مع الأخذ في الاعتبار ما يتعلمه الأطفال بالفعل بحسب مؤشر رأس المال البشري للبنك الدولي 2020 .
وفي التقرير العالمي للتنافسية، احتلت مصر المرتبة 136 من بين 140 دولة من حيث مهارات الخريجين في عام 2018، والمركز 133 من أصل 141 دولة في 2019 . ووفقا لتقرير التنمية البشرية الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يمكن اعتبار 54.9% فقط من قوة العمل في مصر “ماهرة”.
برامج دعم الغذاء
توجد أربعة برامج لدعم الغذاء بحسب الدراسات المتعددة فى هذا المجال، منها دعم البطاقات التموينية والتى تضمن توزيع حجم معين من السلع بأسعار تقل عن الأسعار السائدة فى السوق ويتناسب حجم هذه السلع مع عدد الأفراد.
والنوع الثانى: كوبونات الغذاء، حيث تحصل الفئة المستهدفة على كوبونات ذات قيمة نقدية محددة تمكنها من الحصول على مجموعة من السلع بأسعارها السائدة فى السوق.
أما النوع الثالث فهو برامج التغذية المكملة والتى تأخذ شكل وجبات مدرسية وأغذية الأطفال وتستهدف فئات معينة مثل طلاب المدارس والأطفال الرضع والأمهات الحوامل.
وأخيرًا دعم أسعار الغذاء الذي يهدف لتوفير السلع لكل فئات المجتمع بأسعار مناسبة وبكميات وبأسعار تقل عن أسعار السوق.
الدعم فى مصر
شهد الدعم فى مصر تحولات عديدة منذ عهد الرئيس عبدالناصر إلى الآن بما يعكس الانحياز الاجتماعي، ففي عهد الرئيس جمال عبدالناصر، توسعت الحكومة المصرية بعد ثورة 23 يوليو في تقديم الدعم، واشتمل برنامج الدعم على السلع الغذائية وتطبيق الإصلاح الزراعي، كما وفر خدمات اجتماعية للمواطنين من صحة وتعليم. وأصدرت الحكومة البطاقات التموينية لعدد محدود من السلع، بهدف توفير السلع الأساسية للمواطنين كإجراء لمواجهة النقص فى هذه السلع، وكان برنامج الدعم يشمل عددا من السلع الأساسية مثل القمح، والسكر، الأرز، زيت الطعام، الصابون، والكيروسين، وبعض المنتجات القطنية.
وفى عهد الرئيس أنور السادات مر الدعم بمرحلتين، الأولى توسع الحكومة في تقديم الدعم في السبعينيات. حيث بلغت قيمة الدعم فى عام 1970 حوالي 20 مليون جنيه، وشمل الدعم عددا أكبر من السلع بلغت 18 صنفا منها: الفول، والعدس، والأسماك والدجاج واللحوم المجمدة، إضافة إلى ذلك شمل الدعم الكهرباء، وخدمات النقل الداخلي، والبنزين، واستهدف جميع المواطنين وليس محدودي الدخل أو الفقراء فقط.
لكن فى عام 1976 وعلى أثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولى لتخفيض الدعم كجزء من حزمة للإصلاحات الاقتصادية، التي تلت فترة حرب أكتوبر وما مرت به البلاد من أزمات اقتصادية. قامت حكومة السادات برفع الأسعار عدد من السلع مثل العيش الفينو، الدقيق، والسكر، والأرز والشاي لخفض الدعم. لكن السادات تراجع عنها بعد انتفاضة الخبز عام 1977.
أما فى عهد الرئيس حسنى مبارك، فأرجعت الحكومات المتعاقبة عجز الموازنة العامة للدولة إلى الدعم، ومن هنا بدأ فعليا تقليص الدعم تدريجيا لعدد السلع الغذائية المدعمة، بعد أن كان نظام الدعم فى عام 1980 يغطى نحو 20 صنفا، فى الفترة ما بين 1990 و 1992 تمت إزالة الدعم عن السمك والدجاج واللحوم المجمدة والشاي، والأرز. وخلال عام 1996 / 1997 كان هناك أربعة أصناف فقط مدعمة وهى العيش البلدي، والدقيق البلدي، والسكر، وزيت الطعام. كما قلصت الحكومة عدد الأشخاص الذين يملكون بطاقات التموين والمستحقين للدعم الغذائي، وفى عام 1989 توقفت الحكومة عن تسجيل المواليد الجدد فى نظام الدعم، وفى عام 1992 رفعت الحكومة الدعم عن العيش ذي الجودة المرتفعة، ثم أتبعت ذلك برفع الدعم عن العيش الشامي، كما تم إنقاص وزن الرغيف من 150 إلى 130 جراما، وكذلك بتصنيف درجات جودة مختلفة للعيش وبالتالى إتاحة الفرصة للسوق لإنتاج وبيع عيش ذي جودة أعلى وبسعر أغلى للأسر الأغنى، بينما ظل العيش الأقل جودة مدعما.
ورغم ذلك فقد ساهم دعم أسعار السلع والخدمات الأساسية في تخفيض نسبة الفقراء لإجمالي عدد السكان من 20.% عام 1995-1996 إلى 16.7% عام 1999-2000، كما ساعد دعم الخبز البلدي على إبقاء 9.18% من إجمالي الفقراء فوق خط الفقر خلال عام 1999-2000، بحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، ووفر دعم السلع الغذائية الأساسية حوالي 40% من احتياجات محدودي الدخل من السعرات الحرارية بحسب البنك الدولى.
وبعد ثورة 2011 ورغم ارتفاع معدلات الفقر، اتجهت الحكومات المتعاقبة إلى العمل على تخفيض فاتورة الدعم!، وعكست موازنة 2014-2015 الاتجاه الحكومى لخطة خفض الدعم وان كانت ركزت على دعم المواد البترولية والتى شهدت انخفاضا 42 مليار جنيه، لتصل إلى 100 مليار مقارنة بـ 142 مليار جنيه فى الموازنة السابقة، فيما رفعت مخصصات دعم السلع التموينية من 30.8 إلى 31.5 مليار جنيه فقط، وبدأت الحكومة فى رفع أسعار المحروقات.
أما فى موازنة 2016 -2107 فخفضت الحكومة الدعم فى الموازنة بنسبة 9%، وتم خفض مخصصات دعم المواد البترولية بنسبة 57 % مقارنة بموازنة العام 2015 – 2016 وتخصيص نحو 35 مليار جنيه لدعم المواد البترولية فى الموازنة الجديدة. وفى المقابل ارتفع دعم السلع التموينية من 37.7 مليار جنيه فى الموازنة الحالية إلى 41.1 مليار جنيه.
فخلال الفترة من 2010 إلى 2012 احتل الدعم نسبة31 % و 32% من إجمالي الموازنة العامة للدولة وتراجعت النسبة إلى 23% و 22% في الفترة بين 2018 و 2020.
بطاقات التموين


يبلغ عدد المستفيدين الحاليين من بطاقات التموين، بحسب د. على مصليحى، وزير التموين، من دعم السلع الغذائية بالتموين نحو 64 مليون مواطن، نصيب الفرد نحو 50 جنيها، وتحصل الأسرة المكونة من 4 أفراد على 200 جنيه شهريا، أما الأسرة أكثر من 4 أفراد، فيحصل الفرد على 25 جنيها شهريا.
يذكر أن وزارة التموين اتجهت إلى هذا النظام لتفادي تحمل ارتفاع أسعار السلع، وهو ما حدث عند ارتفاع سعر الزيت عالميا، فتم تحميله على المواطن وليس على الموازنة العامة للدولة، وبلع متوسط الزيادة 4 جنيهات بما يعنى تخفيض الدعم بنسبة 8% للمواطن.
وعند النظر إلى نصيب الفرد من دعم بطاقات التموين والسلع التى يمكن شراؤها بمبلغ 50 جنيها شهريا، نجد أنها عبارة عن زجاجة زيت وكيلو سكر وكيلو أرز وكيسين مكرونة، بمعنى أن نصيب الفرد اليومي 33 جرام زيت و33 جراما لكل من السكر والأرز والمكرونة.
وتجدر الإشارة هنا إلى وقف قيد المواليد منذ فترة طويلة، خاصة أن الفقراء أكثر إنجابا، مما يعنى أن هناك عددا كبيرا من المستحقين للدعم خارج المنظومة.
رغيف العيش
في البداية يبلغ معدل استهلاك القمح فى مصر من أعلى الدول إذا يبلغ 201 كيلو جرام سنويا، كنتيجة طبيعية لانتشار الفقر، حيث يعد العيش الوجبة الأساسية للمواطن، خاصة الفقراء ومحدودي الدخل.
وبحسب وزارة التموين يحق لـ72 مليون مواطن في مصر الحصول على الخبز المدعم يوميا، بحيث يحصل كل مواطن على 5 أرغفة يوميًا، بسعر 5 قروش للرغيف ويزن 90 جراما، علما بأنه تم خفض وزن الرغيف العام الماضى من 110 جرامات إلى 90 جراما بدعوى ارتفاع تكاليف الإنتاج.
وأوضح الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن المستفيدين من دعم الخبز ودعم التموين يضمون نحو 90% من أطفال مصر، ما يعنى أن 90% من أطفال مصر تحت مظلة الدعم التمويني.
والسؤال المطروح هل تكفى هذه الكميات بالبقاء على قيد الحياة، وليس تكوين إنسان صحيح بدنيا؟
الإجابة بالطبع لا.. والدليل انتشار أمراض سوء التغذية والتقزم وموت الأطفال دون الخامسة.. الخ.. هنا يصبح الحديث عن الدعم فريضة وحقا للمواطن الفقر ومحدودي الدخل، بل يجب التفكير فى وسائل أكثر لدعم المواطن خاصة من المواد الغذائية والخبز دون التأثر بأسعار السوق كما يحدث، أو الحديث عن رفع أسعار الخبز وهيكلة الدعم فى غير صالح الفقراء.
الأغنياء والفقراء
تتحيز سياسة الدعم الحالية لصالح الأغنياء على حساب الفقراء، ويستفيد منها سكان الحضر أكثر من المقيمين في الريف، ويستحوز المواطنون في الوجه البحري على النصيب الأكبر منها بالمقارنة بالمقيمين في الصعيد. ويؤدي عدم وصول الدعم إلى المواطنين الأكثر فقرا واحتياجا له، وتسربه لغير مستحقيه، إلى عدم العدالة الاجتماعية.
ورغم من أن الخبرة الدولية تؤكد أن تحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية يستلزم أن تكون سياسة الدعم المطبقة تصاعدية لصالح الفقراء بمعنى أن تحصل أفقر40% من الأسر على ما يتراوح بين50% إلى 80% من القيمة الكلية للدعم، هناك أدلة عديدة على تحيز سياسة الدعم الحالية في مصر لصالح الأغنياء على حساب الفقراء.
شروط الدعم المشروط
وبحسب بحث كفاءة وعدالة سياسة الدعم في مصر للدكتورة أمنية حلمي، فإن الخبرة الدولية تؤكد أن أفضل وسيلة لحماية الفقراء وتخفيف العبء عن محدودي الدخل وتقليل حاجتهم للدعم هي تحقيق نمو اقتصادي سريع وعادل ومستدام يساعد على توفير فرص عمل جديدة مرتفعة الإنتاجية، ورفع مستويات الدخول، وتحسين نمط توزيع الدخل، إلى جنب تطبيق سياسة قومية للأجور تحقق التوازن بين هيكل الأجور وتكلفة الحصول على الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ومتوسط مستوى الإنتاجية في الاقتصاد القومي. وفي حالة تحقيق تقدم ملموس في هذه المجالات، يمكن التحول من دعم أسعار السلع والخدمات إلى الدعم النقدي المشروط.
فقد وجد كثير من دول العالم مثل المكسيك والبرازيل وشيلي وكولومبيا وجاميكا ونيكاراجوا وبنجلاديش وروسيا وتركيا وبعض دول أوروبا الشرقية أن توجيه الدعم للأسر الفقيرة ومحدودة الدخل مقابل التزامها بإلحاق أطفالها بالمدارس وانتظامهم بها، وبالمراجعة الدورية لمراكز الرعاية الصحية، وبتخفيض عمالة الأطفال، يساعد على تحسين نمط توزيع الدخل وتخفيف حدة الفقر في الأجل القصير، وأيضا يشجع على تراكم رأس المال البشري وتحقيق النمو الاقتصادي في الأجل الطويل، وهو ما يعود بالمنفعة على أفراد الأسرة والمجتمع ككل، ويحقق مزيدا من العدالة الاجتماعية، ويلقى قدرا كبيرا من القبول السياسي.

 

 

التعليقات متوقفه