الآمال الصينية والروسية في أفغانستان طالبان:بكين تخلت عن الحكومة الأفغانية السابقة ..وتأييد سياسي ودعم الدبلوماسي للحركة

موسكو تشترط الامتناع عن أي هجمات إرهابية وتوقف تصدير التطرف في الأقاليم المسلمة داخل الاتحاد الفيدرالي

215

قد تنطبق مقولة “عدو عدوي هو صديقي” علي موقف روسيا والصين من ما جرى في أفغانستان، فربما يؤدي فشل الولايات المتحده في أفغانستان لمكاسب تصب في صالح خصومها الكبار, ولكن نجاح قوات طالبان في انتزاع السيطرة على معظم أفغانستان من حكومة الرئيس أشرف غني قد يعقد الأمور بالنسبة لدولتي الصين وروسيا.
من المرجح أن قادة بكين وموسكو لم يمتعضوا أثناء مشاهدتهم إنهيار النظام الأفغاني المدعوم من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والذي أنقضى مع رحيله أي أمل في أن يؤدي التدخل الأمريكي الذي استمر عقدين من الزمان في أفغانستان إلى بناء نظام متعاطف مع أمريكا والغرب في البلاد. رغم ذلك فصعود طالبان يخلق مجموعة من التحديات لقادة الصين وروسيا، حيث للدولتان طموح في لعب دور الوسيط الإقليمي بين كل الأطراف في إطار الوضع الجديد.
الصين والآفاق التنموية
بعد إقامة علاقة جيدة مع طالبان على مدى العقد الماضي، ومع زيارة رسمية رفيعة المستوى قام بها وفد من طالبان بقيادة الزعيم الثاني لها عبد الغني بارادار في يوليو الماضى إلى الصين، ترى بكين أنها راهنت أخيراً على الحصان الرابح في أفغانستان. منذ استيلاء طالبان على البلاد، أظهرت الصين مستوى غير مسبوق من الاستقبال الإيجابي عبر التأييد السياسي والدعم الدبلوماسي لطالبان. ومع ذلك، هناك مناقشات جارية في الصين حول أفضل استراتيجية للتعامل مع أفغانستان في ظل حكم طالبان.
كان تخلي الصين عن الحكومة الأفغانية السابقة سريعاً، وعلى الرغم من المشاركة الرفيعة المستوى من كلا الطرفين في الآونة الأخيرة في لقاءات متتالية أخرها في يوليو. لم تتحرك بكين للاعتراف بطالبان أو النظام الذي تقوده حتى الآن. ومع ذلك، فإن هذا الاعتراف ظهر ضمنياً في العديد من الرسائل التي أرسلتها بكين.
علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن الاعتراف بحكومة ما يجب أن ينتظر بعد تأسيس الحكومة، مما يعني أنه بعد أن تنشئ طالبان حكومتها، قد تعترف الصين بالحكومة الجديدة . وبعد يوم واحد من هذا التصريح أثنت وزارة الخارجية الصينية على “سلوكيات طالبان الجيدة والإيجابية والبراغماتية” ودعت المجتمع الدولي إلى التخلي عن تصوراته النمطية عن المنظمة.
ويبدو أن بكين وصلت لتقييمين أوليين بشأن مستقبل العلاقة مع طالبان. الأول يتعلق بانتصار طالبان واستدامتها. فرغم وجود بعض الأراضي تحت سيطرة قوات المعارضة التي لا تزال تعادي طالبان، إلا أن بكين ترى أنها لا تشكل تحديات حرجة، خاصة أن الانسحاب الأمريكي يبدو أنه لا رجعة فيه.
والثاني يتعلق بتحسين سلوك طالبان, حيث ترى الصين أن طالبان أصبحت أكثر عقلانية وعملية، إستناداً إلى تواصل المنظمة مؤخراً مع الدول المجاورة والسياسات التي أعلنتها حتى الآن، بما في ذلك تعهدها باحترام حقوق المرأة. إن المعنى الضمني للتقييمين هو أن القادة الصينيين يعتقدون أن طالبان موجودة لتبقى, ولم تعد متطرفة كما كانت قبل 20 عاماً (و هو الافتراض المشكوك في صحته). وبترجمة هذا الاعتقاد إلى سياسات عملية، من المرجح أن تؤيد الصين منطمة طالبان طالما توقفت عن دعمها للجماعات الإرهابية. والواقع أن التهديدات الإرهابية هي أهم اهتمامات القادة الصينيين في أفغانستان. إن حقيقة أن دولاً أخرى، مثل روسيا، تشترك في وجهات نظر مماثلة حول طالبان تعزز هذا الموقف الصيني.
والنقطة الأهم التي تطمئن الصين تجاه طالبان, وهي أن طالبان نشأت عملياً في باكستان وعلي يد المخابرات الباكستانية, تلك الأخيرة التي تحظي الصين بعلاقات شديدة الإيجابية معها مؤخراً, وتشاركها في كثير من الرؤي و تتضامن معها في مواجهة الهند التي تشهد علاقتها مع كل من الصين و باكستان توتراً كبيراً.
الفشل الأمريكي
الفشل الأمريكي والانسحاب الفوضوي لهما أهمية كبيرة في رؤية الصين للمسألة الأفغانية. فمن ناحية, ستبذل الصين جهداً لتقويض نفوذ واشنطن وتقدم بديلاً عن النظام الديمقراطي التي حاولت الولايات المتحده تشييده في أفغانستان. فبالنسبة للصين، فشل “النموذج الغربي” في أفغانستان يثبت مرة أخرى أن الديمقراطية الغربية ليست قيمة عالمية تنطبق علي كل المجتمعات، كما أنها ليست ناجحة في تحقيق أهدافها عملياً. من ناحية أخرى، ترى الصين أيضا فشل الولايات المتحدة كفرصة لإثبات أن تفضيلها لبناء العلاقات مع الدول الأخرى عبر التنمية الاقتصادية، قد يكون نهجاً أفضل تجاه الدول التي تعاني من الفشل الاقتصادي والسياسي, وترى بكين أنها إذا تمكنت من إعادة بناء أفغانستان وتحقيق استقرارها، فإن النموذج الصيني سيثبت تفوقه، وبالتالي ستقدم الصين نفسها كدولة صاحب نموذج تنموي وسياسي متفرد ومؤهل للتطبيق علي الصعيد الدولي.
المشاركة الصينية
لكن هناك اختلاف كبير في درجة المشاركة الصينية المقترحة في دوائر صناعة القرار, ويوجد بالفعل اختلاف حاد في التوقعات بين الإستراتيجيين والخبراء الإقليميين. يرى الإستراتيجيون أن أفغانستان فرصة ذهبية للصين لتوسيع نفوذها ولتستبدل الولايات المتحدة كقائد مسئول وفعال. كما قال تشو بواي، وهو عقيد متقاعد في جيش التحرير الشعبي ، فإن الصين مستعدة للتدخل لملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة واستغلال الموارد الطبيعية لأفغانستان و موقعها الحاسم في مبادرة الحزام والطريق. في هذا المخطط، إذا عالجت الصين الوضع في أفغانستان بعناية ودعمت طالبان في هذه اللحظة المناسبة، فهناك احتمال أن تقوم الصين بخلق ولاء لها في أفغانستان كمعطى استراتيجي.
ومع ذلك، فإن العديد من الخبراء الإقليميين لديهم تحفظات كبيرة على هذا الاقتراح الجريء. بعد أن شهدوا منذ فترة طويلة الصراعات التي لا نهاية لها, والانقسامات الدينية والعرقية، والصعوبات الاقتصادية في أفغانستان، فإنهم يدعون إلى فهم واقعي لشهرة أفغانستان باعتبارها “مقبرة للإمبراطوريات”, ولأخذ موقف أكثر حذراً تجاه أي مغامرات متسرعة. جادل مي شينيو، وهو اقتصادي بارز من وزارة التجارة الصينية، أنه بعد استيلاء طالبان علي السلطة، لا ينبغي للصين أن تتفائل بشأن الأوضاع ما بعد الولايات المتحدة.
وسرعان ما شكك يي هيلين، الخبير المخضرم في جنوب آسيا في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، في قدرة طالبان على استيعاب عواقب نجاحها العسكري السهل والسريع. يدافع كثير من الخبراء الصينيين عن “المشاركة البناءة” للصين في أفغانستان، ولكن مع اتباع نهج مدروس ضد القرارات المتسرعة.
روسيا والإقليم الأمن
يتميز النهج الروسي بالمراهنة على إمكانية بناء علاقة جيدة مع طالبان، مع الوضع في الاعتبار كذلك احتمال أن طالبان لا تستطيع أو لن تلتزم بالشروط الروسية.
ما الذي تبحث عنه روسيا على وجه التحديد؟ أولا, عدم انتشار الاضطراب في دول آسيا الوسطى المجاورة عبر أفغانستان، والامتناع عن أي هجمات إرهابية ضد روسيا من الجماعات المتمركزة في أفغانستان، وتوقف طالبان عن محاولة تصدير التطرف إلى روسيا في الأقاليم المسلمة داخل الاتحاد الفيدرالي.
بينما بدا استيلاء طالبان علي أفغانستات وشيكاً، زار وفد من طالبان موسكو في يوليو الماضي لتهدئة المخاوف الروسية. وفي الاجتماع، أكد المبعوث الروسي زامير كابولوف على أهمية عدم “انتشار التوترات خارج حدود البلاد” وادعى أنه تلقى تأكيدات من طالبان بأنها لن تنتهك حدود دول آسيا الوسطى أو تسمح باستخدام أراضيها في الهجمات ضد روسيا. تود موسكو أيضاً أن ترى حكومة توافقية، لكنها في الحقيقة لا تهتم كثيراً بالوضع الداخلي لأفغانستان, و تعتبر أن مصالحها فيها ليست ذات ثقل استراتيجي مهم.
كما تسعي روسيا أيضاً لتخفيض مبيعات المخدرات المتجهة شمالا من قبل طالبان, وهو ما يستدعي علاقة طيبة مع المنظمة و توفير بدائل اقتصادية روسية عن عائدات المخدرات القادمة من روسيا والدول المجاروة لها.
في الوقت الحالي، لا تتعجل روسيا في الاعتراف بحكومة طالبان كحكومة شرعية (لا تزال طالبان تُصنف كجماعة إرهابية في روسيا)، لكن القيادة الروسية أوضحت أن سياستها هي سياسة المشاركة. وفي مؤتمر صحفي عقد مؤخراً مع أنجيلا ميركل، قال فلاديمير بوتين: “تسيطر حركة طالبان حالياً تقريباً على كامل أراضي البلاد، بما في ذلك عاصمتها. هذه هي الحقائق”. وأضاف: “يجب أن نتصرف بناء على هذه الحقائق بالذات، ولا نسمح بإنقسام الدولة الأفغانية”.
دولة موحدة
يبدو أن موسكو تفضل أن تظل أفغانستان دولة موحدة, ومن غير المرجح أن تدعم جماعات المعارضة. فلم تكن روسيا تحترم الحكومة المنحلة السابقة و لا تفضل التعامل معها. قال مبعوث موسكو الخاص لأفغانستان، زامير كابولوف على شاشة التلفزيون “إذا قارنت القدرة على إبرام اتفاقات بين الزملاء والشركاء، فإن طالبان بدت لي منذ فترة طويلة أكثر قدرة و التزاماً من حكومة كابول العميلة”.
وكانت موسكو قد فتحت قنوات التواصل مع طالبان منذ عام 2015 وعقدت جولات متعددة من المحادثات بين الفرقاء الأفغان في العاصمة الأفغانية منذ عام 2018. وفي حين بررت روسيا هذه المشاركة استناداً إلى هدف مشترك، وهو المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية- بخراسان، فإنها كانت تعمل أيضاً ضد الحكومة الأفغانية، بناء على افتراض أنها قد تسقط حال انسحاب القوات الأمريكية, وهو ما حدث بالفعل.
هذه العلاقات نمت بشكل أكثر وضوحاً في الأيام الأخيرة، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون لدى روسيا ثقة كبيرة في الحكام الجدد لأفغانستان. ومن المفارقات أن حركة طالبان عادت بشكل أقوى في عام 2021 مما كانت عليه في عام 2001. فالقوات المعارضة لطالبان في وادي بنجشير بدأت الآن في مقاومة طالبان، لكن أحمد مسعود، ابن مقاتل المجاهدين الشهير أحمد شاه مسعود، ليس منافساً خطيراً لسيطرة طالبان على البلاد. فآفاق المقاومة والصمود في بانجشير ضئيلة. لذلك، فإن روسيا لديها خيارات قليلة للعمل ضد حكم طالبان، وكما اقترح بوتين، تبريراً للتقارب مع طالبان, “لا نريد أن نرى تجزئة أفغانستان”.
تحجيم طالبان
وفي نفس الوقت تسعي روسيا كذلك إلى تحجيم زحف طالبان خارج أفغانستان. أجرت موسكو عدة مناورات عسكرية مؤخراً في آسيا الوسطى، بما في ذلك مناورة مشتركة مع أوزبكستان وطاجيكستان على الحدود الأفغانية. والرسالة الموجهة إلى طالبان هي أن يتخلوا عن طموحاتهم خارج الحدود الأفغانية، والتي أشارت موسكو أنها ستردع أي عمليات خارجية لطالبان بشراسة حال حدوثها. على الجانب الآخر توجد القاعدة العسكرية الروسية 201، والتي تحتوي علي قوة عسكرية كبيرة مسئولة عن دعم قوات الأمن الطاجيكية. وبالتالي، تتمتع روسيا بقابلية نشر القوات في داخل أفغاستان في حال سعت لذلك, وهو ما يجعلها قادرة على إسقاط السلطة الطالبانية في المنطقة دون مواجهات خطيرة. بينما تُمارس التدريبات المشتركة مع دول آسيا الوسطى بانتظام، وهو ما يمكنها من أن تستجيب بسرعة لأزمة عسكرية في المنطقة، ربما بالتعاون مع الصين.
فقدت روسيا نفوذها الاقتصادي في اسيا الوسطى، وبشكل رئيسي لصالح الصين، لكنها لا تزال الضامن الأمني الرئيسي في المنطقة، مع الجيش الأكثر خبرة والموقع الجغرافي الأفضل.
إن موسكو، التي تحافظ على علاقات جيدة مع دول اسيا الوسطى وتركيا وإيران والصين، تتمتع بوضع جيد لتنسيق الاستجابة الإقليمية مع طالبان، ومن المرجح أن تحاول القيام بهذا الدور. في بكين، ستجد روسيا طرفاً متعاطفاً مع قضية مشتركة، وستتوقع من الصين أن تساعد في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. ومن المرجح أن تنسق روسيا والصين نهجهما تجاه حركة طالبان. ربما تظهر روسيا والصين كداعمين للشرعية الدولية الأوسع للمنظمة ( جنباً إلى جنب مع تركيا). وهي تمتلك مفاتيح المنظمات الإقليمية، ومن المرجح أن تحاول الدولتان المشاركة عبر التنمية في أفغانستان، بينما ستسعى أيضاً إلى احتواء حكام أفغانستان الجدد وفي نفس الوقت تحجيم العنف المحتمل من قبلهم.

التعليقات متوقفه