زيارة الرئيس الأوكرانى المتعثرة لواشنطن”بايدن على خطى ترامب .. والنتائج لم تحدث طفرة فى العلاقات بين البلدين

أوكرانيا كانت ترغب فى وقف عمل السيل الشمالى

183

ربما لم تمر أى زيارة لرئيس أى دولة للولايات المتحدة بظروف عسيرة، كما كانت زيارة فلاديمير زيلينسكى لواشنطن فى أول سبتمبر الماضى، فقد حاول الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى لقاء الرئيس الأمريكى جو بايدن عشية لقائه مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين فى شهر يوليو الماضى فى جنيف، لكن المحاولات باءت بالفشل لانشغال الرئيس بايدن بلقاء حلفائه الأوروبيين. ووفق المراقبين كان الرئيس الأوكرانى يرغب فى تشكيل رؤية للحل سواء فى الدنباس أو القرم حسب رؤيته، باعتبار أن الرئيس الأمريكى لم يتعمق فى هذه القضايا بعد، ولأنه كان يدرك أن هذه الموضوعات ستكون على جدول أعمال الرئيسين، لكن الرئيس الأوكرانى لم يوفق وتم تحديد موعد له يوم 30 أغسطس، غير أن الانسحاب المتعجل، أو لنقل هروب الولايات المتحدة وحلف الناتو من أفغانستان، لم يعط الفرصة للزيارة، وجرى تحديد يوم 31 من نفس الشهر فكانت أحداث مطار كابل الدرامية، وتأجل اللقاء إلى الأول من سبتمبر الجارى، وقد حدث بالفعل فى البيت الأبيض، وبذلك يكون لقاء بايدن ـ زيلينسكى قد مر بمخاض عسير قبل عقده، بل وكاد أن يؤجل لمرة رابعة عندما هب على الولايات المتحدة إعصار “إيدا” وبالتحديد على نيويورك.

البعض وجد فى ذلك؛ وخاصة بعد الأحداث الدرامية فى أفغانستان والهروب الأمريكى الكبير من هناك، قد يصب فى مصلحة الرئيس الأوكرانى من حيث المكاسب التى من الممكن أن يجنيها من زيارته للولايات المتحدة خلال القمة مع الرئيس الأمريكى، من منطلق أن واشنطن قد تسعى لحفظ ماء الوجه فتتخذ مواقف متشددة تجاه روسيا وأزمة الدنباس وتدعم أوكرانيا بعد اتهامها بالتخلى عن حلفائها فى أفغانستان، والأهم هو ما يتعلق بخط أنابيب الغاز “السيل الشمالى ـ 2” الذى سمحت الولايات المتحدة باستكماله بناء على طلب ألمانى مع تعهد وضمانات شفهية لأوكرانيا بتنفيذ الاتفاق الموقع مع روسيا بمرور الغاز عبر منظومة الغاز الأوكرانية حتى عام 2024، وهو الأمر الذى أغضب أوكرانيا نظراً لأن حرمان أوكرانيا من استخدام منظومتها لنقل الغاز لخسائر مالية تقارب الـ3 مليارات دولار، بالإضافة إلى الخسائر المعنوية والمتمثلة فى فقد أوكرانيا لأهميتها الجيوسياسية، مما يقلل من فرص الانضمام للناتو أو الاتحاد الأوروبى، وتطمح أوكرانيا فى الحصول على وعود مؤكدة بألا تخسر أهم ورقة تلعب بها على الساحة الأوروبية.

متابعة روسية

ماذا حدث فى واقع الأمر فى تلك الزيارة التى وصفها المتحدث باسم الكرملين بأنها تعنى أوكرانيا والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، لكن موسكو تتابع الزيارة عن كثب. على أى حال نتائج الزيارة أصبحت معروفة بمجرد انتهاء المباحثات بين الرئيسين بايدن وزيلينسكى، فقد أصدر مكتب الرئيس الأوكرانى مع الخارجية الأمريكية بياناً مشتركاً “حول ـ ما سموه ـ الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا” وفى نفس الوقت لم تعد واشنطن الرئيس الأوكرانى بالانضمام للناتو على الأقل فى المستقبل المنظور، كما لم تعط ضمانات فيما يتعلق بإغلاق أو وقف عمل خط أنابيب الغاز “السيل الشمالى ـ 2” وهذان الأمران كانا على رأس جدول أعمال وأولويات وأهداف الرئيس الأوكرنى من زيارته لواشنطن.

لقد تم تقسيم البيان المشترك إلى خمسة أجزاء بدأت بالأمن وحتى الظروف المناخية، وفى الواجهة العريضة منها تحدث البيان عن “أننا نقف كتفاً بكتف ونشعر بالتفاؤل فيما يتعلق بطموحاتنا المشتركة نحو هدف تحقيق الديموقراطية” وبالطبع الكلمات التى تهاجم روسيا والتى تشغل حوالى ربع البيان الختامى، على سبيل المثال أنه من الممكن دعم التوجه الأوكرانى نحو التكامل فى المؤسسات الأوروبية ـ الأطلنطية، ولكن فى نفس الوقت لم يمنح أوكرانيا وضع حتى ولو مجرد حليف للناتو من خارجه، فى حين كان وضع أوكرانيا حصلت فى عهد الرئيس السابق بوروشينكو على وضع “حليف مع إمكانيات متنامية”، ويمكن القول أن واشنطن لم تكن ترغب فى الوقت الحاضر فى الحديث عن اتخاذ أى إجراء للتقريب بين الناتو وكييف.

أزمة الدنباس

فى البيان المشترك لم تذكر حتى ولو كلمة واحدة عن مشاركة الولايات المتحدة فيما يتعلق بعملية التفاوض حول أزمة الدنباس، وذلك رغم إعداد الجانب الأوكرانى تصورا عن دمج الولايات المتحدة فى عملية التفاوض، لكن الأمريكيين فى نفس الوقت طلبوا من الأوكران طلبات محددة وواضحة تتعلق بالقيام بإصلاحات فى مجال الدفاع والأمن واتخاذ إجراءات لتقوية السيطرة المدنية على العسكريين وإصلاح أجهزة المخابرات وتحديث أسلوب عمليات المشتريات العسكرية، ربما لهذا فى الفقرة الخاصة بمنح أوكرانيا 60 مليون دولار كمساعدات عسكرية، تم تذكير أوكرانيا بطريقة مواربة بالمليارين اللذين منحا لأوكرانيا منذ عام 2014، وفى كل نص عن مساعدات منحت لأوكرانيا تم تذكيرها بطريقة استيعاب هذه المساعدات.

من البيان المشترك واضح أن سياسة الولايات المتحدة بالنسبة لأوكرانيا فى تصورى لم تتغير ، وأن بايدن يسير على خطى سلفه ترامب الذى يرى فى ملفات أوكرانيا مشكلة أوروبية صرفة، وعلى الأوروبيين التصدى لحلها. وفيما يتعلق بالقرم فإن البيان أشار إلى أن الولايات المتحدة لن تعترف بضم روسيا للقرم، وهذا الأمر ليس جديداً على روسيا، فالكثير من الدول الحليفة لروسيا لا تعترف بذلك، ولم يهز هذا من واقع أن القرم روسية وتحت السيطرة الروسية، لكن فى تقديرى هى عبارة لتهدئة الخواطر.

على أى حال توقيت الزيارة لم يكن موفقاً، وربما كان من الممكن تأجيلها لفترة من الزمن حتى ينقشع غبار الانسحاب من أفغانستان وهدوء إعصار “إيدا” حينها ربما تكون قد تولدت لدى الرئيس بايدن رغبة فى الحديث، وتحقيق نتائج إيجابية مهمة لأوكرانيا.

زيارة ايجابية

لا شك أن نتائج الزيارة كانت إيجابية بالنسبة لروسيا، التى كانت كما قال بيسكوف المتحدث باسم البيت الكريملين أن بلاده لا تهتم بالزيارة بصفة عامة، وهى تخص أوكرانيا وأمريكا بالدرجة الأولى، ولكن موسكو تتابع الزيارة، وربما علمت موسكو بنتائج الزيارة مقدماً من طريقة استقبال الرئيس الأوكرانى فى المطار، وهى طريقة أقل ما توصف به أنها مهينة وكان لسان حال الأمريكيين يقول “هى ناقصة”، ما كان يعنى روسيا بالدرجة الأولى هو عدم وقف مشروع “السيل الشمالى ـ 2″، أما قضايا الدنباس (جنوب شرق أوكرانيا) فهى تخضع لاتفاق مينسك الذى ينص على إعطاء إقليمى الدنباس دنيتسك ولوجانسك حكما ذاتيا واسع الصلاحيات وسحب القوات من مناطق التماس، وهو ما وافق عليه الرئيس الأوكرانى الحالى، غير أنه تراجع عن ذلك بسبب رفض مسألة تمركز القوات الأوكرانية على الحدود مع الإقليمين المتمردين، وليس تمركزها على الحدود الدولية مع روسيا، مما سيقتطع الإقليمين من النسيج الأوكرانى.

التعليقات متوقفه