د. جودة عبدالخالق يكتب:الرغيف بين المواطن والوزارة وأصحاب المخابز

395

لقطات
الرغيف بين المواطن والوزارة وأصحاب المخابز

د.جودة عبدالخالق
حول ما قلت ضمن برنامج “بتوقيت مصر” (تليفزيون ال بى بى سى)، وما كتبت تحت عنوان “الرغيف بين الشعب والرئيس” (عمود لقطات، الأهالى 11 أغسطس) تلقيت عدة تعليقات واقتراحات من القراء الأعزاء. أختار منها عددا محدودا لضيق المساحة. الدكتور صلاح الغزالى حرب يرى أنه مهم جدا الحديث عن غرفة أصحاب المخابز وسطوتهم .. والحديث عن الدعم النقدى مرة أخرى .. وتشديد الرقابة على تداول الدقيق واستخدامه. المهندس أحمد حسين قنديل قال لأن الدعم قضية أمن قومى بامتياز. في قضية مثل الدعم ينبغي وجود دراسات محايدة للتكلفة والسعر العادل للسلعة. الأستاذ محمد عيد أيوب علق قائلا: الدعم العينى، مهم والسلع التموينية والخبز خط دفاع في ظل نسبة إدمان عالية في الأقاليم والأحياء الشعبية.
وأنا أشكر السادة القراء والمشاهدين على تجاوبهم. وعلى ما أثاروه فيما يتعلق بالمخابز وتكلفة رغيف الخبز والدعم العينى والنقدى. ولنفكر في كل هذه الأمور من منظور الأطراف الأربعة للنظام الحالي لدعم الخبز. فالحكومة ممثلة في وزارة المالية تدبر التمويل، ووزارة التموين تجلب القمح من الداخل والخارج وتشرف على انتاج وتوزيع الخبز، والمخابز تقوم بإنتاج الخبز في اطار ما تضعه وزارة التموين من ضوابط وقواعد، والمواطن يحصل على الخبز. والملاحظ أن المواطن هو أضعف هذه الأطراف الأربعة، رغم أنه المستهدف النهائي من دعم الخبز. المواطن في النظام الحالي لدعم الخبز مفعول به، والأطراف الأخرى هي الفاعلة وإن تفاوتت الدرجة. بلغة العصر، فإن النظام الحالي لدعم الخبز في مصر يفتقر الى الحوكمة الرشيدة. وطبقا لموازين القوى بين هذه الأطراف، فإن أصحاب المخابز يمارسون ضغطا رهيبا على وزارة التموين، وعلى عكس ما يبدو من الظاهر، فنفوذهم غالب على الوزارة. وهذه النقطة تبرز بوضوح بالنسبة للتكلفة.
يوجد في مصر الآن حوالى 30 ألف مخبز تنتج العيش المدعم منتشرة في جميع أنحاء البلاد، في الريف والبنادر. وهذه المخابز تتفاوت من حيث الحجم (بين عملاق وقزم)، ومن حيث التكنولوجيا (آلية ونصف آلية ويدوية) ونوع الوقود المستخدم (مازوت وسولار وغاز طبيعى). وينظم شؤون هؤلاء ويدافع عن مصالحهم غرفة أصحاب المخابز، التي تتبع الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية. ومن واقع الخبرة العملية، فإن غرفة أصحاب المخابز تسعى بكل الوسائل لفرض رؤيتها للأمور على وزارة التموين. وكثيرا ما تحصل الغرفة على ما تريد، والضحية هى الصالح العام.
ولنأخذ كمثال موضوع تكلفة الخبز. فحتى الآن لا يوجد تقدير لهذه التكلفة يطمئن إليه الجميع. سمعنا 65 قرشا للرغيف وفى رواية أخرى 50 قرشا. وهذا أكبر دليل على عشوائية الحال في هذه الصناعة الخطيرة- صناعة رغيف الخبز. وهذا يعنى استحالة اتخاذ قرار رشيد بالنسبة للسعر. وعندما كنت وزيرا للتموين، اختلفنا مع الغرفة حول التكلفة. وكان الفرق بين تقدير الغرفة لتكلفة انتاج الخبز وتقدير قطاع الرقابة والتوزيع بالوزارة كبيرا بشكل لافت. واقترحت أن نلجأ الى جهة محايدة لحساب التكلفة على أسس علمية. وتراضينا كوزارة مع الغرفة على قيام جهاز التعبئة والاحصاء بعمل تقدير علمى لتكلفة الخبز مبنى على دراسة ميدانية. ووقعنا عقدا بذلك مع الحهاز. وعند تلقى تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء متضمنا تقدير تكلفة الخبز فوجئنا برفض الغرفة الأخذ بتقدير الجهاز لأنه كان أقل كثيرا من تقديرهم وكان أقرب لتقدير الوزارة. ومؤخرا عندما تم تخفيض وزن الرغيف، لم يتم تخفيض التكلفة بما يتناسب مع وزن الرغيف بعد التخفيض!

التعليقات متوقفه