د. جودة عبدالخالق يكتب:الحادى عشر من سبتمبر: عشرون عامًا على الواقعة

300

لقطات
الحادى عشر من سبتمبر: عشرون عامًا على الواقعة

د.جودة عبد الخالق
أمريكا تعيش حاليا الذكرى العشرين لهجمات الحادى عشر من سبتمبر عام 2001. ففي ذلك اليوم هاجمت ثلاث طائرات برجَىْ مركز التجارة العالمية في نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في ضواحي العاصمة الأمريكية واشنطن. وأدت الهجمات التي قيل أنه خطط له ونفذها متطرفون إسلاميون إلى مقتل حوالى ثلاثة آلاف شخص. وبمفعول تداعياته واسعة النطاق في كل اتجاه، يمكن تشبيه هذا الحدث الجلل بحادث اغتيال الدوق فرانز فرديناند ولى عهد امبراطورية النمسا والمجر في سراييفو في يونيو عام 1914. إذ يمكن اعتبارهما تجسيدا واقعيا مثيرا لما يعرف بأثر الفراشة في نظرية الفوضى. ففي 1914 أدى مقتل ولى عهد امبراطورية النمسا والمجر إلى اعلان النمسا والمجر الحرب على صربيا، واشترك حلفاء الطرفين فتحول الصراع الى حرب شاملة هي الحرب العالمية الأولى 1914-1918. وفى 2001 أعلنت الولايات المتحدة ما أسمته الحرب على الإرهاب وقوى الشر في كل مكان، وتدخلت في أكثر من دولة في أمريكا اللاتينية وشرق ووسط أوروبا والبلقان وشرق آسيا والشرق الأوسط. وانتهى الأمر باحتلال أفغانستان ثم العراق وأجزاء من سوريا.
لكن ما لا يدركه الكثيرون، هو أن هجمات الحادى عشر من سبتمبر قد أحدثت شرخا عميقا في النفسية الأمريكية وزرعت خوفا وقلقا شديدا بالنسبة لما يمكن أن يصيب أمريكا من الخارج. لاحظ جيدا تاريخ الحدث: عام 2001. إنه يأتي بعد عقد كامل من هدم حائط برلين، وتفكك الاتحاد السوفييتى، وسقوط عدة أنظمة شيوعية في وسط أوروبا والبلطيق، وانتهاء حقبة الحرب الباردة التي استمرت حوالى نصف قرن. هنا دخل العالم في نظام أحادى القطبية، حيث الولايات المتحدة صار بيدها الحل والعقد في كل مكان وأصبحت سيدة العالم بلا منازع. كل هذا وَلَّد لدى الأمريكيين إحساسا طاغيا بالقوة. ثم فجأة جاءت هجمات الحادى عشر من سبتمبر وانهار برجا مركز التجارة العالمية في نيويورك، في تعبير شديد الرمزية عن “سقوط من نوع ما”. وقد صور المخرج الأمريكي مايكل مور ذلك ببراعة في أحد مشاهد فيلمه التسجيلى “فهرنهايت 9/11″، حيث يظهر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أثناء زيارته لإحدى المدارس غير مستوعب للأمر عندما أبلغه أحد مساعديه بالهجوم الأول، فاستمر يقرأ كتابا مع تلاميذ أحد الفصول.
فماذا كانت آثار واقعة الحادى عشر من سبتمبر؟ نبدأ برصد أهم الآثار في الداخل. تم إقامة متحف ونصب تذكارى لتخليد الحدث، وأصبح ضمن قائمة أهم 20 معلما سياحيا في مدينة نيويورك. ولأول مرة في تاريخ أمريكا تم فى 2002 إنشاء وزارة للأمن باسم وزارة الأمن الوطنى (Department of Homeland Security). وانقلب الحال تماما بالنسبة للجو العام في العلاقات بين الناس. فسادت حالة من التوجس والارتياب تجاه الآخرين. وعندما ذهبت الى أمريكا كأستاذ زائر لثالث مرة، وكان ذلك في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجيليس عام 2003، فوجئت بزملائى ينصحوننى بأن أكون حذرا جدا في حديثى مع الآخرين وبألا أبدى أي آراء مع من لا أعرفه جيدا. بل ان العاملين في مكتبة الجامعة رفضوا الاستجابة لطلب جهات معينة موافاتهم بنسخة من سجلات المترددين على المكتبة. والتزاما من مسئولي المكتبة بالنزاهة المهنية، قاموا باحراق السجلات لإبعادها عن يد الأمن. كما لاحظت أنه أصبح هناك تدقيق شديد في متابعة الطلبة الأجانب، الى حد تأكيد ضرورة ابلاغ الإدارة اذا تغيب أحدهم. وبعد أن كان استخراج رخصة قيادة سيارة في أمريكا أمرا شديد السهولة، أصبح أكثر تعقيدا وصعوبة بكثير بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
خارجيا، ماذا كانت آثار زلزال 11 سبتمبر؟ إجمالا أصبحت الولايات المتحدة أكثر عدوانية تحت ستار “الحرب على الإرهاب”، وصارت تتصرف وكأنها شرطيُّ العالم. ففى الشهر التالى مباشرة لهجمات نيويورك، قادت أمريكا تحالفا لغزو أفغانستان لاستئصال تنظيم القاعدة، وازاحة جماعة طالبان عن السلطة، واستبدالها بنظام ديموقراطى. وبعد عشرين عاما من احتلال أفغانستان، انسحبت من ذلك البلد انسحابا مهينا. صحيح أنها قتلت بن لادن، وهو الذى أسس تنظيم القاعدة برعاية الأمريكان لطرد الروس من أفغانستان. لكنها لم تقض تماما على تنظيم القاعدة. بل ظهر جيل جديد من تنظيمات أخرى أهمها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (Islamic State in Iraq and Syria-ISIS). وفى 2004 قادت حربا باغية على العراق استنادا الى ادعاء كاذب بامتلاكه قنابل نووية ولتغيير نظام صدام حسين بنظام ديموقراطى. وكانت النتيجة هي تدمير العراق بكل ما يمثله تاريخيا وحضاريا. ثم كان التدخل السياسى والعسكرى في سوريا. وازداد وجودها العسكرى انتشارا حول العالم؛ فبلغ عدد القواعد العسكرية الأمريكية حوالى 800 قاعدة في أكثر من 70 دولة.
12/9/2021

التعليقات متوقفه