أمينة النقاش تكتب:سقوط ديمقراطية الغزو والصندوق

243

ضد التيار
سقوط ديمقراطية الغزو والصندوق

أمينة النقاش
لم يكن الرئيس السيسى مغاليا، وهو يقول بجسارته المعهودة، فى مداخلته أثناء مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أن أحداث 2011 كانت إعلانا بشهادة وفاة الدولة المصرية. وعودة خاطفة لتذكر ماجرى آنذاك تؤكد ماذهبت إليه مداخلة الرئيس .
كثيرون ممن شاهدوا عن قرب مظاهرات 25 يناير، لا يغيب عن ذاكرتهم أحد الفصول المرواغة لما سمي بالربيع العربي، الذى لم يكن سوى حصان طروادة لحمل تيار الإسلام السياسى إلى سدة الحكم فى منطقتنا .كان ذلك هو مشهد وزيرة خارجية أوباما “هيلارى كلينتون ” وهى تصعد بخيلاء درج مبني حكومي، وتقول بلهجة آمرة تتسم بالغطرسة: الآن يعنى الآن !
كانت أقصى أماني المتظاهرين فى الأيام الثلاثة الأولي لمظاهرات يناير، هي المطالبة بوقف عنف الشرطة، وإقالة وزير الداخلية، بعد اتهام الشرطة بالمسئولية عن موت خالد سعيد. لكن حركة حماس وحزب الله اللبناني كان لهما رأي آخر. تدفقت مليشيات الحركة والحزب إلي الحدود المصرية، واقتحمت السجون وأفرغتها من السجناء الجنائيين ومرتكبى جرائم الإرهاب وغيرهم من قيادات جماعة الإخوان ، وأمدتهم بالسلاح وأجهزة هواتف حديثة تعمل مباشرة عبر الأقمار الصناعية، فضلا عن أموال طائلة، وهربت بعض أعضائهما خارج الحدود .
وبدأت فيالق الجماعة وقادتها في التدفق من السجون إلى الميادين فى شتي المحافظات المصرية ،ليتغير المشهد فجأة، فيتولى الجنائيون الهاربون من السجون مهام اقتحام المبانى والمؤسسات الرسمية لنهبها وتدميرها، والسطو علي المنازل والممتلكات الخاصة، ويتولي أعضاء الجماعة اقتحام أقسام الشرطة، في وقت واحد، في كل المحافظات، والاستيلاء علي أرشيفها ومحتوياتها ، بينما كان قادة الإخوان يحثون المتظاهرين علي المطالبة باسقاط النظام ورحيل الرئيس مبارك .
نصبت فضائية الجزيرة أمام أعيننا، أجهزة بثها الحى على الهواء مباشرة فى قلب ميدان التحرير، ومولت فيالق من المندوبين لها فى معظم المحافظات الأخرى، لتؤكد للعالم ،أن جماعة الإخوان باتت تسيطر على الشارع. وظهر شعار “ارحل ” فجأة ، وأخذ طريقه للانتشار بسرعة البرق. وبعد أن كان المطلب هو إقالة وزير الداخلية، انقلب إلى المطالبة برحيل الرئيس” مبارك” وسقوط النظام ،الذى يعنى فى الواقع هدم مؤسسات الدولة ، ليعيد كل فصيل من الفصائل المتحالفة مع الإخوان ، بناءها وفقا لرؤيته !
وفى تلك الأثناء جاء تصريح “هيلارى كلينتون ” الخشن بدعوة الرئيس مبارك بالتخلى عن منصبه الآن وفورا!
كان التصريح بمثابة الضوء الأخضر الأمريكى لفتح الأبواب على مصراعيها لجماعة الإخوان ، وبات واضحا لجميع الأطراف السياسية، أن الإخوان قادمون بدعم أمريكى وإقليمى لحكم مصر.
لم تكن إدارة أوباما تخترع جديدا لما أضحى راسخا لدى المؤسسات الأمريكية النافذة ، منذ أحداث 11سبتمبر 2001، وما قبلها ،حين أعلن “كيسنجر” فى بداية السبعنيات ،أن شعوب تلك المنطقة لا يمكن أن تحكم إلا باغراقها بالعقائد الدينية . وعند ذلك بدأت الدعاية الغربية والأمريكية لترسيخ الصورة الذهنية التى تروجها جماعة الإخوان عن نفسها ،بأنها جماعة تؤمن بقيم الغرب الليبرالية، وأنها أكبر الجماعات المنظمة بالمنطقة العربية ، وأنها جماعة سياسية معتدلة بمرجعية دينية .وأصبح الشائع بعد أحداث سبتمبر، أن تتبنى الإدارة الأمريكية، بجناحيها الديمقراطى والجمهورى هذا التصور، بزعم محاربة المنظمات الإرهابية التي ترفع شعارات الإسلام الجهادى، وفى القلب منها القاعدة وطالبان .
وهذه الأيام تمر الذكرى العشرون لأحداث سبتمبر، التى اتخذت ذريعة لغزو أفغانستان وأحتلال العراق، بزعم محاربة إرهاب القاعدة وإسقاط حكم طالبان وبناء أنظمة حكم ديمقراطية . لكن ماحدث بعد عقدين لم يكن يتوقعه كتاب المساخر الدرامية .فحركة طالبان تعود بدعم أمريكى وقبول أوروبى لحكم أفغانستان، والعراق بات نهبا لصراع طائفى تشرف عليه إيران وتديره . اما القاعدة فتحولت من تنظيم إلى عقيدة وفكرة ، تنتشر فى أفريقيا ومدن العالم ،عبر ما بات يعرف بالذئاب المنفردة، ومن رحمها، وللتنافس معها، ظهرت داعش وأخوتها . والإرهاب الدولى يتمدد فى مكان ،ولم يتم القضاء عليه، وفشلت الديمقراطية المدججة بالسلاح التى اختزلت قيم الديمقراطية فى الصندوق الانتخابى، وروجت له، كما فعل ويفعل الغرب الأمريكى والأوروبى ،لكنه مع ذلك لايتعلم من هزائمه .
وعى الشعب المصرى ما قاله الرئيس السيسى، ورفض أن يوقع على شهادة الوفاة تلك ،فكانت ثورته فى الثلاثين من يونيو، لإسقاط حكم جماعة الإخوان، هى مقدمة أدت لسقوط حكمهم فى السودان وتونس وأخيرا فى المغرب .وتلك تطورات تقول لمن يريد أن يتعلم الدروس ، أن زمن ديمقراطية الغزو قد ولى، وأن الديمقراطية الانتخابية لا تحدث تنمية ولا تقيم استقرارا ،وان شعوب المنطقة أدرى بشعابها، فليتهم يدركون !

التعليقات متوقفه