التأريخ للثورة بين التشويه والخلط الديني

88

تحقيق: : سهام العقاد

هل حقا هناك مخاوف من محاولات لتزييف تاريخ ثورة 25 يناير؟ خاصة أن التاريخ كعلم دائما ما يسطو عليه الحكام، فكتابة التاريخ تتطلب قدرا كبيرا من المصداقية والأمانة والخيال، والتاريخ دوما يسعي للإجابة علي أسئلة الماضي، عبر تفسيره للأحداث والوثائق، حتي يتصل الإنسان بماضيه.. تري هل سينساق المؤرخون وراء نزعاتهم الدينية أو السياسية، وهل سيتخلي المؤرخون عن الجمود العقائدي؟، وهل سيكتب الإخوان المسلمون تاريخ ثورة يناير وفقا لأهوائهم الشخصية؟

الخلط الديني

يقول الفكر الإسلامي الراحل خالد محمد خالد “إن الأمة التي يزيف تاريخها تكون كأمة بلا تاريخ.. وأمة بلا تاريخ كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار”.

والتأريخ -حسب الموسوعة الحرة- هو علم كتابة التاريخ، أي الحوادث و الوقائع التي حدثت في الماضي. والتاريخ علم ضروري للأفراد والشعوب علي حد سواء، الفرد يجب أن يعرف نفسه بمعرفة ماضيه والشعوب يجب أن تعرف تاريخها كي تربط حاضرها بماضيها. إن كتابة التاريخ عملية صعبة و معقدة لأن لها جانبا علميا منهجيا، وفي الوقت نفسه لها جانبا فنيا وأدبيا، لذا كان المؤرخين الكبار متفوقين علميا و أدبياً، وكانت كتبهم المليئة بالمعارف التاريخية كتبا أدبية أيضا. وأهم ما في التأريخ أن يكون المؤرخ دقيقا وأمينا، حتي يستطيع أن يصل للحقيقة بقدر المستطاع. لأن التاريخ علم نقد و تحقيق، والمؤرخ يدرس العامل البشري الذي يدور التاريخ حوله بكل ما فيه من إرادة وانفعال و ميول خاصة.

النزعات الدينية

يجب علي المؤرخ ألا ينساق وراء النزعات الدينية أو القومية أو عواطفه، علي سبيل المثال اهتم المؤرخ الفرنسي ارنست رينان بالدين من الناحية التاريخية وليس اللاهوتية، وطالب بنقد المصادر الدينية نقدا تاريخيا علميا، والتمييز بين العناصر التاريخية الحقيقية والعناصر الأسطورية الخرافية الموجودة في الكتاب المقدس، وقد انقلبت الكنيسة عليه حينئذ، ومن أشهر كتاباته”تاريخ نشأة المسيحية”، لذا فمعظم الكتابات العربية الحديثة ممتلئة بالأكاذيب والحذف وحجب المعلومات والخلط الديني، وتلك الكتابات لا تعد كتابة للتاريخ لكنها أقرب للوعظ، فعملية كتابة التاريخ يدخل فيها أيضا التقييم الأدبي، فالمؤرخ يجب أن يتمتع بأسلوب شيق حتي لا يكره القارئ في التاريخ، ومعظم المؤرخين الكبار في مختلف العصور كانوا متمكنين من أقلامهم، حتي أن رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشيرشيل ألف كتاب في التاريخ ونال عنه جائزة نوبل.

مصر الجديدة

حتي لا يتعرض تاريخ ثورة 25 يناير للتضليل والخداع من جانب أعدائها، في الوقت الذي لا يوجد من بين شباب الثورة ورجالها ونسائها من يمتلك خبرة توثيق الأحداث بشكل تاريخي ومنهجي، لذا أطلقت جريدة “مصر الجديدة” لثوار مصر، مصر الذين شهدوا المواقع بدءا من يوم 25 يناير 2011، وجمعة الغضب، مرورا بموقعة 9 مارس ثم موقعة 8 أبريل، مرورا بمجزرة ماسبيرو وموقعة 23 يوليو بالعباسية ومعركة رد الشرف العسكري المصري أمام سفارة العدو الصهيوني، وموقعتي محمد محمود ومجلس الوزراء، وممن حضروا وشاركوا في جميع الاعتصامات والإضرابات والوقفات الاحتجاجية والمسيرات، وغيرها من الفعاليات الثورية علي مدي حوالي العام ونصف، وأن تتضافر الجهود المخلصة من أجل إنقاذ تاريخ أعظم ثورة في التاريخ الحديث من الضياع أو التزوير بأيد وأقلام وألسنة إعلاميين من أعداء الثورة، استنادا إلي أنه وإن كنا في هذا العصر الذي نعيش فيه نفتقد لموسوعية مؤرخ مثل “الجبرتي”، ولعقلية باحث ومحلل اجتماعي مثل “ابن خلدون”، ولموضوعية المستشرقين الأجانب في نقل وتوثيق الأحداث التاريخية،

وتقترح “مصر الجديدة” أن يتم تشكيل لجنة تكون مهمتها اختيار أعضاء فريق العمل المنوط بمهمة تدوين الأحداث والوقائع الموثقة، عبر معايير تدقيق يتم التوافق عليها والالتزام بها، وصولا لتحقيق الهدف المنشود، من أجل أن تبقي ذكري ثورة يناير السلمية بيضاء نقية في أعين كل الأجيال وليصبح نتاج هذا الجهد، مرجعا تاريخيا وبحثيا يعتمد عليه من جانب الخبراء والمحللين الاستراتيجيين والإعلاميين في مصر والعالم أجمع

تاريخ الثورات

ووفقا لعلماء التاريخ فإن تاريخ الثورات لا يمكن أن يكتب أثناء حدوثه، أو بعد انتهائه بوقت قصير، وما يمكن أن يتم الآن بالنسبة لثورة 25 يناير، ما هو إلا مجرد عملية توثيق عبر جمع مادة تستخدم فيما بعد مصدرا للكتابة، من ضمنها شهادات لكل من اشترك في الثورة والأحداث والمواقع، وتقارير السفراء الأجانب، والتقارير الصحفية العربية والأجنبية، والصور ولقطات الفيديو، وبالتالي تتم كتابة تاريخ الثورة بعد إتاحة جميع الوثائق والمستندات.

التعليقات متوقفه