د. خالد فهمي أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية في حوار لـ «الأهالي»: الإخوان في مأزق وجودي والحل هو الصراحة مع ماضيهم

44

انسحبت من اجتماع أحمد مكي لأنه رأي الصورة من «جانبه» فقط

حوار: نسمة تليمة

< < كان ضمن المجتمعين مع وزير العدل في آخر مؤتمر له بحضور عدد من أساتذة الجامعات والصحفيين والحقوقيين لمناقشة قانون تداول المعلومات لكنهم فوجئوا بأحمد مكي وزير العدل يحدثهم عن قانون التظاهر والتعذيب غير الممنهج – كما يراه – وأن المشكلة ليست في الشرطة إنما في المتظاهرين الذين يرشقون الأمن بالشماريخ، فما كان من الحضور إلا الانسحاب فورا وكان ضمن المنسحبين د. خالد فهمي أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية، كما يراه البعض الثائر دائما، ذهبنا له وتحدثنا معه عن المشهد الحالي من منظور مؤرخ شاب وجدنا لديه رؤي جديدة حول مأزق الإخوان المسلمين ورؤية مختلفة للأحداث أساسها والمتابعة الشغوفة للشباب الثائر وإبداعاتهم الفنية والسياسية.

د. خالد فهمي حدثنا أيضا عن تدخلات أمريكا في المشهد السياسي وحقيقة خروج اليهود المصريين وسبب تصريحات عصام العريان في دعوتهم للعودة لمصر < <

> هل الإخوان المسلمون في مأزق سياسي؟

– أداء الإخوان في الرئاسة أو الشوري أو الحكم يوضح أنهم لا يستطيعون السيطرة علي مجريات الأمور في مصر ولم يقدموا رؤي واضحة لكيفية معالجة الأزمات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعامل مع الملفات الكبري، رغم اعتقاد الكثيرين في البداية أن الإخوان لديهم حلول ومشروعات وأنهم منظمون وأن العائق الوحيد لهذا كان قمع النظام السابق لهم لكن المشهد الحالي يكشف مدي ارتباكهم وفشلهم ويغلب عليهم الفكر التآمري.

في رأيي أن وصول الإخوان للحكم كان نتيجة تمتعهم بمميزات أهمها تعاطف الشارع معهم بعد مرحلة القمع التي تعرضوا لها بجانب إجادة وصولهم للناس حتي وأن اعترضنا عليها فيما يخص «الزيت والسكر» واللعب علي احتياجات الناس بجانب قدرتهم المادية وهو ما يجعل لديهم القدرة علي تعبئة الناس قبل الانتخابات وهذه العقلية لا تحل مشكلات دولة لأنهم ليس لديهم برنامج اقتصادي واضح «مازالوا يتعاملون بعقلية التاجر».

> هل تنظيم الإخوان نفسه هو السبب؟

– بالطبع فكرة السمع والطاعة التي خلقت في ظل نظام قمعي ومناسب للمرحلة الأولي للإخوان والتي في رأيي لا تناسب مرحلتهم الحالية ويجب تغييرها فالسمع والطاعة كان مناسبا لمواجهة الضغوط الأمنية السابقة لذا فالتنظيم الحالي غير مناسب للحظة التي يمرون بها ولهذا فشلوا وحزبهم «الحرية والعدالة» نقل نفس المفهوم ويعمل به «الإخوان مازالوا تنظيما سريا» كان يفترض أن يتم حل الجماعة والاكتفاء بالحزب الذي يعمل وفقا لآليات الأحزاب المعروفة، حتي الآن لم يخرج فكر إخواني جديد منذ سيد قطب ومن يكتب منهم يكتب ردا عليه أو تبريرا له، الإخوان مازالوا يتعاملون بمنطق «أنا لسه ضحية» لهذا دائما يتحدثون عن مؤامرة رغم أن معارضة أي حاكم شيء طبيعي خاصة عندما يفشل في إدارة البلاد.

> هل اختلفت قوانين اللعبة في رأيك؟

– بالفعل الآن هناك قوي جديدة تلعب في المشهد السياسي، الإخوان أولا أصحاب السلطة الحالية وشباب الثورة القادر علي الحشد والسلفيين وللعلم السلفيين لهم تأثير بالغ علي الإخوان منهم تسلفوا فكرا وممارسة منذ أوائل الثمانينيات، قديما لم نر إخواني يربي ذقنه، السلفيين الآن تناوئ الإخوان علي أرضيتهم ويخاطبون جمهور الإخوان أما الشباب فهو خلاق يقاوم ليس بالتظاهر فحسب بل والفن والجرافيتي والشعارات التي يبدعها هناك جيل جديد من الصحفيين يقدمون رؤي عبقرية سياسيا ويوجد حالة حراك إعلامي كبير، الثورة لم تزيح النظام السابق فقط بل أخرجت مكنون البلد.

القمع

> تتحدث عن العنصر البصري للثورة.. ماذا تعني بهذا؟

– بالفعل العنصر البصري طاغ في الثورة فالصور واللوحات والجرافيتي والفيديوهات كل ذلك مؤثر علي المشهد نفسيا وفلسفيا وفعليا، تخيل شعور الشباب عندما يري صورا لجيكا شهيد محمد محمود وهو بجانب صورة شهيد آخر قبل وفاته أو صورة الحسيني أبوضيف يحمل نعش شهيد سابق كل هذا مؤثرا إلي حد كبير وتأثيره لن يظهر الآن.. البلد أنتجت في سنتين ما لم تنتجه جماعة الإخوان في 80 سنة.

> ألا تري أن تعرض الإخوان لقمع سابق كان يفترض أن يجعلهم يحكمون بشكل أفضل ولا يكررون القمع مع قوي أخري؟

– هم تخيلوا أن الشعب سيعطيهم شيكا علي بياض لا يعرفون أنه اختلف كثيرا عن الماضي، بجانب أن لديهم بالفعل ملفات لم يسيطروا عليها بعد، منها القضاء والإعلام هم لديهم قلق من الصحافة وهذا القلق نابع من المأزق الوجودي لهم لأنه يصعب عليهم قبول المعارضة، «الإخوان أفلسوا لأن آليات عملهم لا تجعلهم مسئولين»، أيضا ملفي الشرطة والجيش مربط الفرس هنا لديهم مشكلة في التعامل معهم فالحديث عن احكام الرقابة المدنية علي الجيش ليس صحيحا بدليل أن الدستور الجديد نص علي عدم جواز مراقبة الجيش وأن يكون وزير الدفاع عسكريا رغم أنه لم يكتب في الدستور وإن كان العرف السائد ذلك، وعزل مرسي لطنطاوي لا يعني سيطرته علي الجيش رغم الاحتفاء الكبير بهذه الخطوة إلا أنه أغلب الظن كانت خطوة السيسي في الأصل وصدق عليها مرسي ليس إلا، أما الشرطة فلها كيان مستقل يفشل الإخوان أيضا في السيطرة عليها في اعتقادي.

> لماذا تفترض في حديثك ضعف سيطرة الإخوان علي الشرطة رغم أنها آلة القمع الحالية ضد الثوار بدعم الرئيس والجماعة؟

– أختلف في هذا لأنني أري أن سيطرة الإخوان علي الداخلية ليست محسومة بعد حتي لا نصاب بـ «البارانويا» المصابين بها الإخوان، فالشرطة الآن تلعب لصالحها وتتحالف مؤقتا مع الإخوان وفي الحقيقة لا نعرف الآن من يحكم البلد هل هو هشام قنديل أم الرئيس أم مكتب الإرشاد؟

> وما الحل في رأيك؟

– الحل هو أن يقول مرسي لبديع وخيرت الشاطر أنا رئيس لكل المصريين ويقطع علاقته بهم أو ينتصر لأهله وعشيرته وينحي الصناديق التي جاءت به.

> البعض يري أن شباب الثوار أخطأ تاريخيا في عدم وعيه بحجم القوي الموجودة علي الساحة ما رأيك؟

– الجميع يشعر «باللخبطة» لكننا يجب أن نكون رفقاء ببعضنا البعض لا أفضل لوم الشباب علي العكس هم مازالوا يعانون حتي الآن يقتلون في الشوارع ويتم اختطافهم ويبحثون عن زملائهم في المشرحة والنيابات يوميا، ورغم ذلك مازال قادرا علي العطاء والفن والإبداع والتأمل والكتابة.

الحقيقة أن الإخوان والجبهة أفلسوا والشباب هو من يقدم شيئا جديدا، أنا كمؤرخ أري أن أعمال الشباب الإبداعية من جرافيتي، وشعر ورسوم سيؤرخ لهم، هناك حالة حراك فكري عبقري.

أنا عارف مصلحتك

> كيف تقيم ثورة يناير في تاريخ الثورات المصرية؟

– لم يحدث في تاريخنا أن أسقطنا رئيسا وقمنا بحبسه حتي وإن اعترض البعض علي آليات المحاكمة لكننا لم نقتله قمنا بشيء غير مسبوق في تاريخنا وثورة يناير من منظوري كاستاذ تاريخ كانت ثورة علي منظومة كبري بدءا من العصر الحديث، من محمد علي مرورا بثورة يوليو ومنطق العسكر «أنا عارف مصلحتك» حتي مبارك، لأن هذه المنظومة بأكملها لم تكن نابعة من حراك مصري أصيل ولم يكن هناك تعاقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم طيلة هذه الفترة.. الثورات السابقة فشلت في تحقيق آمال الشعب في إقامة علاقة تعاقدية جديدة بين الحاكم والمحكوم.

> هل يمكننا قياس الثورات من دساتيرها؟

– نعم فثورة 1919 كانت عظيمة لكنها جاءت بدستور 23 الذي كان أقل من مبادئها فكان هناك ملك وإنجليز محتلين مصر أيضا ثورة 1952 ودستور 52 نفس المشكلة لم تأت بما انتظره الشعب بشكل جيد وكان لدينا في دستور 1971 احتلال إسرائيلي وصراع عربي – إسرائيلي أنهك قوتنا وكارثة البترول مآسي ضخمة يعاني منها العرب في رأيي أن ثورة يناير عظيمة في بلد ضخم تعداده 85 مليون شخص في أخطر منطقة في العالم مازالت نتائجها لم تأت بعد.

> كيف تري شعار «السلمية ماتت» الذي أصبح منحي صاعدا من قبل بعض الشباب؟

– للأسف رفعوا هذا الشعار عندما لم يأتوا بثمار ثورتهم والتعامل مع أسباب العنف أفضل في رأيي.

رؤية

> كيف رأيت مؤتمر وزير العدل أحمد مكي الذي انسحبت منه؟

– ذهبنا في الأساس لمناقشة قانون تداول المعلومات وجدنا الوزير يحدثنا عن التعذيب وينفي أن يكون ممنهج ولم يتحدث عن إعادة هيكلة الشرطة واستخدامهم للأسلحة الحية ولكنه يتحدث عن قانون تنظيم التظاهر ومن ضمن التفاصيل المسافة المفترضة بين المظاهرة والمنشآت الحيوية للدولة لتصل إلي 500 متر ثم 200 متر بسبب طول الشماريخ في حين غاب عن ذهنه أن المشكلة في تعامل الشرطة مع المتظاهرين وآليات ذلك.. لذا انسحبت من المؤتمر وأبديت اعتراضي كلاميا أمامه.

> كيف تري الثورة في إطار عالمي.. ومصطلح الربيع العربي؟

– لن أحكم علي الثورة الآن لأنها لم تنته بعد، أما مصطلح الربيع العربي فهو جاء من ثورات «ربيع الشعوب» التي حدثت عام 1848 في فرنسا وإيطاليا وألمانيا والإمبراطورية النمساوية والتي كانت ضد الحكم القمعي المتميز بسيطرة الكنيسة والجيش وقام بها طبقة جديدة يمكننا إطلاق «الطبقة البرجوازية» عليها كانت تريد الحد من السلطة القمعية وإعطاء العمال حقوقهم نجحت هذه الثورات في بلاد كثيرة لكن حدثت ثورة مضادة نجحت بشكل أكبر وأعادت كل شيء لما كان عليه ولكن كان مربط الفرس هنا زرع بذور الثورة في أرض هذه البلاد وبعد فترة طويلة تصل إلي 70 عاما حصل العمال علي حقوقهم وكتبت دساتير جديدة وهو ما يؤكد أن معادلات الثورة ليست واحدة أو سطحية وهو ما ينطبق علي مصر فنحن نشهد الآن ردة وأبرزها وجود الإخوان في الحكم.

الأحداث سابقة

> أين أمريكا في رأيك من المشهد المصري الداخلي؟

– أمريكا مدركة أن نفوذها يقل في كل جزء من العالم رغم أنها مازالت بلدا مسيطرا وبلدا حيويا ولديها أدوات قمعية ولكن في اعتقادي الأحداث في مصر سابقة للجميع.

> ولكن ألا تري أنها تساند الرئيس الإخواني الآن كما ساندت مبارك في السابق؟

– الفكرة هي تصريحات مسئولي أمريكا إملاءية أم تعبر عن أماني وآمال أمريكا لمصر؟ أعلم أن هناك تنسيقات بينها وبين الإخوان ولكن الأهم هم أصحاب الفعل.

> كيف رأيت تصريحات عصام العريان بعودة اليهود إلي مصر؟

– لا أعرف حتي الآن السبب في هذه التصريحات من شخصية مهمة مثل عصام العريان بحكم موقعه في الحرية والعدالة أو الإخوان أو الرئاسة وقتها لكنها في تقديري كانت رسالة للخارج وليس الداخل بأنهم كإخوان ليسوا ضد اليهود ومن الممكن عمل «بيزنس» معهم.

> رأيك كأستاذ تاريخ في التعويل علي النظام الناصري فقط في إخراج يهود مصر في الخمسينيات؟

– المتسبب في معاناة اليهود كانت إسرائيل وعملية «سوزانا» سنة 1954 التي كانت منظمة وقتها لتوريط بعض يهود مصر والتضحية بهم لإخراجهم من مصر والذهاب لإسرائيل وهو نفس ما حدث في العراق واليمن والمغرب لأن الصهيونية تؤمن أن تواجدهم الوحيد مفترض أن يكون في إسرائيل.

> لكنهم لم يطردوا من مصر؟

– ما حدث أنه بعد هذه العمليات قام الأمن بالتضييق عليهم لأنه بالفعل كان هناك شبكة يهودية ولكن النظام الناصري لم يخرج أمرا رسميا بإخراجهم هو فقط لم يجدد بجواز سفر بعضهم وختم علي جواز سفر آخرين «سفر بلا عودة»، هذا بجانب أن الرأي العام المصري وقتها هاج عليهم بسبب هذه العمليات وقبل كل هذا جماعة الإخوان المسلمين منذ الثلاثينيات وهي تستهدف المجتمع اليهودي المصري وعقب هذه العمليات هاجموا حارات اليهود سنة 45، 1948 وحرقوا المعبد اليهودي وقتها تنبه النقراشي باشا لما يحدث وأن هؤلاء مواطنون مصريون فضيقوا علي الإخوان وهو ما أدي لمقتل النقراشي.

> إذن من يعتذر؟

– أعتقد أن عصام العريان لو صدقت نواياه بعودة اليهود المصريين عليه أن يعتذر باسم جماعة الإخوان عما بدر منهم ضد اليهود.

التعليقات متوقفه