حسين عبدالرازق يكتب : استعادة نقابة الصحفيين

27

شهدت نقابة الصحفيين يوم الجمعة الماضي انتخاب نقيب جديد وستة من أعضاء مجلس إدارتها فيما يعرف بالتجديد النصفي للمجلس، وحظيت هذه الانتخابات باهتمام واسع من الرأي العام والأحزاب والقوي السياسية والمجتمع المدني، فرغم أن معركة انتخابات نقابة الصحفيين تدور علي أسس نقابية ومهنية إلا أنه يستحيل استبعاد الأبعاد السياسية والحزبية عنها، نظرا للطبيعة الخاصة لنقابة الصحفيين وارتباط مهنة الصحافة وبالتالي النقابة بقضية حرية الصحافة والحريات العامة في المجتمع، وتنوع أشكال ملكية الصحف بين صحف «قومية» مملوكة للدولة وصحف حزبية مملوكة لأحزاب سياسية وتعبر عنها وصحف خاصة مملوكة لرجال أعمال، واضطلاع نقابة الصحفيين بدور سياسي بارز في الفترة من عام 1953 وحتي عام 1976 في ظل غياب التعددية الحزبية وهيمنة نظام الحزب الواحد، ومعارك استقلال النقابة عن الحكم والأحزاب والثمن الذي دفعته ودفعه صحفيون دفاعا عن هذا الاستقلال.

قراءة نتائج هذه الانتخابات في ضوء هذه الحقيقة تكشف عن نجاحات مهمة حققها الصحفيون.

أولها غياب جماعة الإخوان عن المشهد سواء في الجمعية العمومية، أو بين المرشحين حيث لم نلحظ وجود أي مرشح بارز محسوب سياسيا علي الجماعة أو تيار الإسلام السياسي، ومن ثم في النتائج، صحيح أن نقابة الصحفيين نجت طوال السنوات الماضية من غزو جماعة الإخوان للنقابات المهنية، وظلت واحدة من نقابتين لا تهيمن عليهما الجماعة رغم وجود قيادتين تنتمي للجماعة في مجلس إدارتها تم انتخابهما علي أسس نقابية ومهنية وحظيا باحترام وتقدير جموع الصحفيين – خاصة الزميل العزيز محمد عبدالقدوس الذي تم انتخابه عضوا بالمجلس سبع دورات متتالية – إلا أن هذه هي المرة الأولي التي تغيب فيها الجماعة عن المشهد تماما.

النجاح الثاني تمثل في انعقاد الجمعية العمومية للنقابة وتغلب الصحفيين علي حالة الإحباط واليأس التي أصابت المجتمع نتيجة لعدم تحقق أي من أهداف ثورة 25 يناير 2011 ومحاولات جماعة الإخوان وحلفائها السيطرة علي مفاصل الدولة وأخونتها، وحرصهم علي الحضور والتصويت رغم غياب أساليب الحشد التقليدية والتي كان يمارسها رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية في السابق، لقد تجاوز عدد الصحفيين المشتغلين في النقابة ستة آلاف صحفي سدد منهم الاشتراك أكثر من 6200 صحفي وصحفية لهم بالتالي حق التصويت، كان مطلوبا أن يحضر نصفهم زائد واحد لصحة انعقاد الجمعية في يوم الجمعة أول مارس وهو ما لم يحدث حيث قل عدد الذين سجلوا أسماءهم بحوالي 1200 عن النصاب القانوني وفي يوم الجمعة الماضي (15 مارس) كان العدد المطلوب (25% + 1) لصحة انعقاد الجمعية أي توقيع 1567 من أعضاء النقابة المشتغلين والمسددين لاشتراك النقابة عن عام 2012، واكتمل النصاب في الموعد المحدد «الثالثة ظهرا»، وأدلي بصوته بالفعل أكثر من 2339 «إجمالي الأصوات الصحيحة» أي أكثر من نصف أعضاء النقابة المشتغلين.

ولأول مرة منذ فترة طويلة وتحديدا منذ عام 1979 حين انتخب «كامل زهيري» نقيبا، وكان محسوبا علي المعارضة للحزب الحاكم «الحزب الوطني» والرئيس السادات، ينتخب نقيبا ينتمي للمعارضة للحكم السابق للثورة ولحكم جماعة الإخوان ومرشدها وهو الزميل «ضياء رشوان» وكان حتي عام 2010 عضوا بحزب التجمع، وينجح دون أي مساندة من حكومة أو رئيس مجلس إدارة في مؤسسة قومية.

لقد حرص جموع الصحفيين قبل الثورة وخلال حكم السادات ومبارك علي انتخاب مجلس إدارة لنقابة الصحفيين ينتمي أغلبية أعضائه لتيار الاستقلال النقابي عن الحكومة والأحزاب وبالتالي من الصحفيين المحسوبين علي المعارضة بشكل أو آخر ومن بينهم منتمون للحزب الحاكم ولكنهم منحازون لحرية الصحافة واستقلال النقابة «مثل جلال عيسي وجمال حمدي…»، وفي نفس الوقت انتخاب نقيب قريب من السلطة «حزب وطني» يكون بمثابة جسر بين النقابة الحريصة علي استقلالها بحريتها في اتخاذ المواقف الصحيحة نقابيا وسياسيا، وبين السلطة الساعية دوما للهيمنة علي الحياة السياسية والنقابية، وهكذا جري في دورات متتالية انتخاب الزملاء «علي حمدي الجمال» و«صلاح جلال» و«عبدالمنعم الصاوي» و«مكرم محمد أحمد» و«إبراهيم نافع» لموقع النقيب، وانتخاب مجلس يغلب عليه المعارضة، وكان الاستثناء الوحيد في هذه الفترة ونتيجة لاشتداد الخصومة بين السادات والصحفيين هو انتخاب «كامل زهيري» الصحفي والنقابي المعارض «غير الحزبي» نقيبا، ومجلس يضم معارضين ينتمي خمسة منهم لحزب التجمع الذي كان يقود المعارضة للسادات وحزبه وهم «محمود المراغي – أمينة شفيق – حسين عبدالرازق – رشدي أبوالحسن – جميل شفيق» وجميعهم نقابيون ومهنيون قبل انتمائهم الحزبي، وقدموا نموذجا إيجابيا في الحرص علي استقلال النقابة عن الحكومة والأحزاب معا.

وحاول الصحفيون الاستمرار في تجربة النقيب الحكومي والمجلس المعارض بعد الثورة، عندما انتخبوا «ممدوح الولي» نقيبا، ولكن التجربة فشلت، فالإخوان أصحاب مدرسة «السمع والطاعة» والساعين للهيمنة علي جميع مفاصل الدولة أثبتوا أنهم أغبي وأسوأ من نظام مبارك البوليسي القمعي، كما أثبت النقيب «الولي» أن انتماءه للإخوان يعلوا انتماءه للمهنة ولنقابة الصحفيين.

ولم يكن انتخاب «ضياء رشوان» هو النجاح الوحيد، فأعضاء المجلس الستة الذين فازوا في التجديد النصفي يحملون بدورهم دلالات مهمة.

فأربعة منهم «كارم محمود – علاء ثابت – أسامة داود – جمال عبدالرحيم» كانوا أعضاء في مجلس إدارة النقابة وخرجوا في قرعة التجديد النصفي، وأعادت الجمعية العمومية انتخابهم لمواقفهم وممارساتهم خلال الدورة السابقة، سواء في القضايا النقابية أو السياسة العامة، أو في صدامهم مع مواقف النقيب «ممدوح الولي».

ولكن الدلالة الأهم تتعلق بالعضوين الجديدين المنضمين للمجلس للمرة الأولي، وهما «حنان فكري» و«خالد البلشي» ويجمع بينهما أنهما لا ينتميان لمؤسسة صحفية كبري «قومية أو خاصة أو حزبية» تقف وراءهما، فحنان صحفية في «وطني» الأسبوعية القريبة من الكنيسة المصرية، وخالد يرأس تحرير جريدة «البديل» الإلكترونية بعد توقف «البديل» الورقية التي كان يرأس تحريرها.

ففوز «حنان فكري» يعيد التوازن لمجلس نقابة الصحفيين من زاويتين، لأول مرة منذ فترة طويلة توجد امرأتان ضمن عضوية المجلس، بعد أن غابت الصحفيات عن المجلس ثم اقتصر تمثيلهن علي المقاتلة «عبير سعدي»، ولأول مرة منذ أكثر من ربع قرن هناك «قبطي» في مجلس نقابة الصحفيين!

أما «خالد البلشي» فقد بدأ حياته الصحفية معي في مجلة «اليسار» الشهرية سكرتيرا لتحريرها ومحققا بارزا، ثم رأس تحرير صحيفة «البديل» التي أصدرها مجموعة من رجال الأعمال اليساريين، وصلابته وحدته في المعارضة واستقامته جعلته معارضا في قلب المعارضة اليسارية، وأراهن أنه سيكون عنصر ضغط داخل مجلس النقابة لاتخاذ المواقف الصحيحة والضرورية خلال المرحلة القادمة، التي تواجه فيها الصحافة والنقابة مشاكل ومعارك بالغة الصعوبة، في مقدمتها بطالة مئات من الصحفيين وضرورة إلغاء الحبس في قضايا النشر وقضية الأجور وتأكيد استقلال النقابة بتوفير موارد مالية حقيقية ودائمة، وتعديل القوانين الخاصة بالصحافة والنشر، وإصدار قانون حرية الحصول علي المعلومات.. إلخ.

ومبروك للنقابة.. وأهلا بالمعارك.

التعليقات متوقفه