د. رفعت السعيد يكتب : الطبقة العاملة المصرية في غمار النضال «18»

68

وكما كانت حادثة كفر الدوار وإعدام خميس والبقري علامة فارقة في تاريخ العلاقة بين حركة الجيش وبين الحركة العمالية كانت كذلك أيضا مع جماعة الإخوان وللحقيقة التاريخية فإن الكثيرين قد وقعوا في الخطأ، فحتي منظمة حدتو التي كانت ذراعها العمالية والتنظيمية ممتدة في صفوف منظمي الإضراب لم تدرك حقيقة ونوعية الحكام الجدد وتحصنت بتأييدها وأرسلت أحد كوادرها «عبدالمنعم الغزالي» ليركب هناك سيارة ذات مكبر صوت داعيا العمال إلي الهدوء والتعاون مع ضباط الجيش كانت السيارة تمر بجوار أسوار المصنع وصوتها يضيع وسط صخب طلقات الرصاص التي تقتل بلا تمييز جموعا من العمال، لكن حدتو ما لبثت بعد مرحلة من التعاتب غير المجدي مع حركة الجيش أن انهالت عليها هجوما وقدمت نقدا مكتوبا لموقفها في اليوم الأول للإضراب، وظل خطأ يوم واحد يلاحقها إلي أن حتي كررت وكررت مرارا نقدها لهذا الموقف.

أما جماعة الإخوان فإنها لم توجه الدعوة للعمال بالكف عن الإضراب والتعاون مع ضباط الجيش وإنما دعت ضباط الجيش لقتل العمال باعتبارهم خونة ومفسدون في الأرض، وفي اليوم التالي للمحاكمة وجه خالد محيي الدين رسالة تحمل استقالته من عضوية مجلس قيادة الثورة جاء فيها «إن ضميري لا يحتمل أن أكون موجودا في مجلس اتخذ هذا القرار في غيابي» أما حدتو فقد ضمنت نقدها المطبوع دعوة للطبقة العاملة «كي تتأهب للثأر للأبطال من شهدائها في معركة الفاصلة بينها وبين أعدائها الاستعماريين وكبار الرأسماليين الخونة وحماتهم العسكريين» وختمت البيان بشعارات «تسقط عصابة الإرهاب والخيانة وتحيا ذكري خميس والبقري» «نشرة مطبوعة علي الاستنسل مكونة من 15 صفحة بعنوان: 7 سبتمبر خميس لم يمت – نسخة أصلية»، لكن حتي النقد احتاج رلي سنوات حتي يضمد جرح العلاقة بين حدتو والمنظمات الشيوعية الأخري وبينها وبين القيادات العمالية.

فماذا عن الإخوان؟ فور بداية الإضراب هاجمت مجلة الدعوة «لسان حال جماعة الإخوان» العمال المضربين مطالبة بتطبيق حد الحرابة عليهم بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف» ويكتب محمد بكير في الدعوة (14 ذو القعدة 1371هـ – 5 أغسطس 1952) قائلا «وإذا كان البوليس قد تولي التحقيق في هذا الأمر ليقدم هذا النفر من الخونة إلي المحاكمة، فما كنت أريد ذلك، كنت أريد من العمال الذين نفروا من ذلك العمل الشائن الشنيع أن ينصبوا من أنفسهم قضاة ويحكموا علي هؤلاء بالإعدام» وفي العدد التالي صعدت جماعة الإخوان من هجومها فقالت «في كفر الدوار هذا البلد الآمن وقع ما لم يكن في الحسبان، قام حفنة من العمال يخربون ويدمرون ويلقون بأنفسهم في التهلكة وهم لا يشعرون، يا لهم من سذج بلهاء خدعهم المغرضون الخونة، وغرروا بهم ليعيثوا في الأرض فسادا، فقد أوعز هؤلاء الخونة الأنذال إلي حفنة من العمال البسطاء وأغروهم بزيف من القول وفضل من المال فقاموا يريدون أن يعكروا الصفو ويشوهوا جلال العهد الجديد عهد الحق والقوة والحرية، وإننا نوجه نداءنا لرجال الثورة قائلين: يا رجال التطهير هؤلاء المجرمون الحقيقيون إسحبوهم من جحورهم وأخرجوهم من مخابئهم ومن وراء الجدران، ولا تأخذكم بهم شفقة ولا رحمة فإنما جزاؤهم حدده الحق تبارك وتعالي «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض»

ثم يأتي الأستاذ سيد قطب ليكمل إحكام حبل المشنقة علي رقبة العمال فيكتب مقالا في «الإذاعة المصرية العدد 910 – 23 – 8 – 1952) يقول فيه «أيها العمال أنا لا أريد أن أصدق أن أيادي العمال الطاهرة هي التي تلطخت بالدماء.. لا أريد أن أصدق أن العمال الذين حاربوا الاستعمار في القتال هم الذين يطعنون بيد الاستعمار نهضة الوطن من الخلف في الظلام».. ثم «كيف يمكن أن أصدق أنكم تتقلبون أو ينقلب بعضكم بين يوم وللة حربا علي الحرية وحربا علي طلائع الحرية، أيها الزملاء إن الذين يحرضونكم اليوم هم أنفسهم امتصوا دماءكم بالأمس فحذار أن تكونوا لهم مخلب قط، إن ضمير الشعب كله يستنكر هذه الجريمة التي تلوث صفحة العمال البيضاء».

إن الذين دافعوا عن قضيتكم طويلا يطأطئون رءوسهم خجلا، إنكم تخسرون أشد أنصاركم تحمسا لكم لو سرتم في هذا الطريق، حذار أيها الزملاء أن تقتلوا الحراس ليستبد بكم اللصوص، إقبضوا أنتم علي من يسعون بينكم بالدسيسة أنتم الذين يجب أن تقطعوا الملوثة، أصابع المستغلين والاستعماريين التي تتقدم لبعضكم لتطعنوا قضيتكم وتخونوا أماناتكم، لا تصدقوا الخونة الذين يريدون أن يلوثوا جلال الحركة الوطنية، حركة الحرية، حركة العدالة، حركة الشعب وأنتم بناة الشعب».

>>>

لكن إعدام خميس والبقري كان مجرد خطوة أشعرت العمال بضرورة التعامل بحرص مع الضباط الذين واصلوا ترويعهم، ففي إضراب آخر لعمال كفر الدوار ذهب إليهم حسين الشافعي أحد أعضاء المجلس العسكري وبعد مفاوضات مع محمود عطا الله رئيس النقابة سأله الشافعي انتم كام مضرب فقال عطا الله 1200 فرد الشافعي بأعلي صوت «سيكون منكم 1200 مشنوق زي خميس والبقري» ويقول محمود عطا الله لم أجد ما أرد به عليه سوي كلمة «ماشي» فاستفز وأوشك أن يصفعني لولا أنني تفاديته واستمر الإضراب حتي حققنا مطالبنا (حوار أجريته معه بتاريخ 25 يونيو 1965)، وفي الإسكندرية أضرب عمال الترام وتزعم الإضراب النقابي اليساري سليم محمود سليم ويقول «حضر إلينا في اليوم التالي جمال سالم وطلبني فذهبت إليه فقال آمرا الإضراب ده لازم يتفك فورا فقلت لكن.. ولم أكمل وإذا به يباغتني بالضرب ويقول بتقول لكن يا ابن ….. وأسرعت بالخروج إلي العمال، وبعد يومين جاءنا إنذار شديد اللهجة وفضل العمال إنهاء الإضراب» (محضر نقاش مع سليم محمود سليم – أجري الحوار في يوليو 1965).

وفيما تتردد الحركة العمالية إزاء الحكام الجدد إزاء اعتقال كل من يحاول الإضراب أو حتي الشكوي واختفاء القادة التقليديين إما في المعتقلات أو خوفا جري تدجين الحركة العمالية وتحويلها إلي مؤسسة تابعة للنظام.

التعليقات متوقفه