أمينة النقاش تكتب : وزيـــران للعـــــدل

27

روي المستشار الراحل «يحيي الرفاعي» الحكاية التالية حول ما عرف بمذبحة القضاء ، وأسفرت عن عزل نحو مائتي قاض من وظائفهم ، وحل مجلس إدارة نادي القضاة المنتخب، وتعيين مجلس إدارة جديد بديلا له، قال المستشار «الرفاعي» إن زميلا له من القضاة المعزولين كان متزوجا من سيدة ألمانية، وحين تم عزله ضمن آخرين في مذبحة القضاء، ثارت عليه زوجته، وقالت له أنت خدعتني وكذبت علي، لأنك لست قاضيا، فالقاضي لا يعزل في أي دولة من الدول، ولولا أنها تأكدت بنفسها من هذه الحقيقة من الصحف الأجنبية لحلت الكارثة علي هذه الأسرة.

والمستشار «يحيي الرفاعي» كان واحدا من ضحايا هذه المذبحة التي جرت بالمخالفة للقانون في 31 اغسطس عام 1969 بعد نحو عامين من هزيمة يونيو 1967 ، وقد أشاد بموقف وزير العدل آنذاك «عصام حسونة» ، ولأن التاريخ قد يعيد أحداثه مرة علي شكل مأساة، وأخري علي شكل مسخرة، فما جري للقضاة في عام 1969 بزعم أنهم معادون لثورة يوليو، وأن الدولة لابد أن تحشد كل جهودها لمعركة التحرير، لا يختلف عما يجري الإعداد له الآن بالضبط بهدف الاستئثار بجميع السلطات، وأخونة السلك القضائي.

ففي عام 1969 أعيد تشكيل الهيئات القضائية، وتم دمج بعضها في النيابات الإدارية وإدارة قضايا الحكومة التي باتت تعرف الآن بإدارة قضايا الدولة، وجرت حركة تعسفية للتنقلات بين القضاة، ودعوات من أعضاء النظام بخفض سن الإحالة للمعاش للقاضي إلي 55 عاما للتخلص من أعداد غير قليلة منهم، كما تم توجيه اتهام للقضاة بالاستقواء بالخارج والاتصال بالسفارات الأجنبية، تماما كما يجري الآن في الغارة الإخوانية علي القضاء وعليه المستشار «أحمد الزند» رئيس نادي القضاة الذي يقود مع أعضاء النادي معركة جسوراً للدفاع عن استقلال القضاء المصري الذي صدر قانون استقلاله في عهد حكومة الوفد عام 1943.

الفارق بين المذبحتين، هو وزير العدل إبان أزمة القضاة مع نظام «عبد الناصر» ووزير العدل أثناء الازمة الراهنة.

عين المستشار «عصام الدين حسونة » وزيرا للعدل في الأول من أكتوبر عام 1965 وأعفي من منصبه في 20 مارس 1968، تعاقب عليه ثلاثة رؤساء وزارة هم زكريا محيي الدين وصدقي سليمان وجمال عبد الناصر، ويقول «حسونة» في أنه مذكراته حين تولي منصبه تفرغ لتحقيق مهمتين رئيسيتين هما إحاطة القضاء بسياج حصين من الاستقلال، ودرء مخاطر التيارات السياسية التي يطمح أصحابها في احتواء القضاء وتطويعه لأغراضهم، ومراجعة التشريعات الأساسية التي تحكم جوانب الحياة المصرية وتقدم الشعب. وفي هذا السياق رفض الوزير طلبا من زكريا محيي الدين بإقالة النائب العام وتعيين نائب عام جديد، وأصر علي أن يكون القانون هو السلطان الوحيد في وزارة العدل، فشكل لجانا لترشيح الأكفأ في مناصب النيابة والقضاء، دون تدخل منه في أي حركة قضائية، ورفض طلبا من جمال عبد الناصر بأن يشكل تنظيما سريا للقضاة داخل التنظيم الطليعي، واعترض علي تشديد العقوبة علي قادة الطيران في حرب 1967 بإعادة محاكمتهم لمخالفة ذلك للقانون، وأسهم في إعداد قانون الكسب غير المشروع، وطالب باخضاع رئيس الدولة له واقتدي بكلمة الجاحظ حين قال «إن عقلي وكيلي الله عندي»، وهو يراجع قانون الأحوال الشخصية ويجرده من أحكام منسوبة ظلما إلي الشريعة الإسلامية وتتنافي مع جوهر الدين والتفسير الصحيح لأحكامه، فأصدر قرارات بالغاء تنفيذ أحكام الطاعة جبرا بقوة الشرطة.

وفي الغارة الإخوانية الحالية علي القضاء، كان وزير العدل الذي تولي منصبه في اغسطس الماضي من مهندسي النصوص الدستورية التي تستهدف تصفية المحكمة الدستورية، ومن مهندسي الإعلان الدستوري الذي تم به عزل النائب العام بالمخالفة لأحكام القانون، وتعيين نائب عام جديد، ويجري فيه علي قدم وساق هدم مؤسسات الدولة، والاعتداء شبه اليومي علي دولة القانون.

أعفي «حسونة» من موقعه كوزير للعدل لتمسكه باحترام دولة القانون قائلا: «انني افضل أن ادخل جنهم إذا كان يحكمها قانون، فأنذاك يبقي لي أمل الخروج منها، علي أن ادخل الجنة إذا كانت الأمور فيها فوضي لا ينظمها قانون قد تحرمني منها نزوة فرد تردني إلي جهنم، بينما اعفي وزير العدل الحالي من منصبه بعد أن أدي دوره في إهدار دولة القانون، فما اقسي المقارنة بين الوزيرين!

التعليقات متوقفه