فريدة النقاش تكتب : سطوة اليمين الديني

41

تراجع وضع مصر في منظومة البلدان من حيث حماية الحريات الدينية وذلك بسبب ما وصفته المستشارة «تهاني الجبالي» باليمين الديني الذي صعد إلي السلطة بعد ثورة 25 يناير المجيدة، فهيمن علي مقدرات البلاد ومؤسساتها، وأخذ هذا اليمين الديني يعمل تفكيكا في المؤسسات المستقرة في سعي محموم ليطبعها بطابعه تمهيدا لإعادة تأسيسها وفقا لرؤيته للعالم، ولمنظومة الأفكار البالية التي يؤسس عليها هذه الرؤية، والتي تعتبر الحداثة قيمة مستوردة من الغرب يعمل دعاتها علي اقتلاع المجتمع المسلم من جذوره، ونشر الرؤية العلمانية الملحدة، وفي قلب منظومة الأفكار التي ينشرها الآن تيار اليمين الديني الحاكم تقع قضايا النساء وأصحاب الديانات الأخري والمسيحيون منهم بخاصة.

وحتي الآن نجح هذا اليمين الديني في تشويه العلمانية في نظر المواطنين البسطاء حين قرنها بالإلحاد ومعاداة الدين، وبما أن هؤلاء المواطنين متدينون بالفطرة فإنهم أخذوا ينظرون بشك إلي القوي الديمقراطية الحديثة باعتبارها ملحدة، خاصة أن الأفكار الأساسية حول العلمانية باعتبارها رؤية موضوعية علمية لعلاقة الإنسان بآلهته وهدفها الأساسي هو فصل الدين عن السياسة، بقيت هذه الأفكار محاصرة في مجالات ضيقة تتداولها النخب وتعجز – لأسباب كثيرة – عن الوصول بها إلي الجماهير العريضة.

هذا بينما استثمر اليمين الديني بأمواله الطائلة فقر الجماهير أوسع استثمار وأنشأ حتي وهو ملاحق ومحظور علاقات عميقة معها عبر الأعمال الخيرية من إحسان وصدقة فحصد هو لصالحه نتائج سياسات الليبرالية الجديدة والتكيف الهيكلي التي أدت إلي اتساع قاعدة الفقر والبطالة ومعها فقدان الأمل واليأس من إمكانية تطوير الواقع وبناء عالم أفضل، ومع الإحسان والصدقات قام اليمين الديني بتشويه وعي القطاعات الواسعة من الجماهير التي وصلوا إليها، وحدثت هذه المقايضة الشريرة بين إمداد هذه الجماهير ماديا بما يبقيها علي قيد الحياة مع استلاب وعيها سواء عبر التدين الشكلي أو عبر منظومة أفكار معادية للنساء والمسيحيين، والأخطر من ذلك كله أنه – أي اليمين الديني – لعب بمهارة علي فكر التقسيم الإلهي المسبق للأرزاق، وأن الانقسام الاجتماعي هو الوضع الطبيعي، وعلي البشر المؤمنين أن ينتظروا السعادة والهناء في العالم الآخر دون أن يكافحوا من أجل تغيير واقعهم البائس، وبديلا عن الكفاح من أجل الحقوق ينخرط المؤمنون جماعات ووحدانا في إقامة الطقوس والمغالاة فيها حتي كادت مصر أن تتحول لدولة من دول الخليج فيما يخص التشدد في إقامة الصلاة وإغلاق أماكن العمل ساعة الصلاة، وبلغ التطرف الديني الذي يغذيه هذا اليمين خاصة بعد وصوله إلي السلطة حدا جعل من المدرسة مكانا للتمييز ضد المسيحيين وضد الفتيات غير المحجبات، ورفض بعض النظار ومديري المدارس تأدية السلام الوطني في الصباح أو تحية العلم وتزايدت ظواهر رفض تقديم التهنئة للمسيحيين في أعيادهم بل إن بعض من يسمون أنفسهم شيوخا نصحوا أتباعهم بالامتناع عن السلام علي المسيحيين أصلا.

وكرد فعل لهذا التمييز الصارخ ضدهم أخذت قطاعات واسعة من المسيحيين تندفع بدورها إلي التشدد الديني، وبعد أن كانت جماهير الشباب قد خالفت نصيحة البابا الراحل «شنودة» بعدم الانخراط في أعمال ثورة 25 يناير، وشارك هؤلاء الشباب بكثافة في الثورة فكان أن أفضي صعود اليمين الديني للحكم إلي عودة هؤلاء الشباب للكنيسة كملاذ سياسي بعد أن كانت هذه الفكرة قد توارت في أيام الثورة التي كانت بوتقة للكفاح المشترك للمصريين دون أي تمييز بينهم علي أساس الجنس أو اللون أو الدين أو الطبقة.

ينطلق اليمين الديني في نظرته للنساء من فكرة أساسية تقول إن المرأة خلقت من ضلع أعوج وأنها لذلك كانت وستبقي دائما كائنا أدني حيث الإنسان هو الرجل وهي النظرة التي تلتقي فيها وتتوافق الرؤية الذكورية للعالم مع منطلقات اليمين الديني من وضع المرأة في مكانة الخضوع للوصاية الرجولية والمرأة هي أيضا عورة وفتنة لابد من إخفائها وحمايتها بإبعادها عن المجال العام وتفريغ هذا المجال ليصبح حكرا علي الرجال، وتتوالي هذه الأيام وقائع استبعاد نساء من مواقعهن المتقدمة في العمل بدعاوي متهافتة وحقيقة الأمر هي أن اليمين الديني يطبق مفاهيمه التي ترجمها إلي سياسات ومن بين هذه المفاهيم أنه لا يجوز للمرأة أن ترأس رجلا، وذلك اتساقا مع برنامج الإخوان المسلمين الذي ينص علي أن الولاية الكبري لا تجوز للمرأة ولا للمسيحي.

سوف تحتدم المعركة مع اليمين الديني لأن القطاع الحديث من المجتمع أخذ يقاوم وفي القلب منه النساء والمسيحيون، وسوف تنتصر الحداثة والديمقراطية في آخر المطاف لأنها تتوافق مع حركة التاريخ، ولكن ثمن هذا الانتصار سيكون باهظا، وربما سيكون دمويا، والشرط الأولي لهذا الانتصار أن تخوض القوي الديمقراطية الصراع أولا علي أرض القضايا الاجتماعية والاقتصادية وحقوق الكادحين وصولا إلي الأفكار وليس العكس.

التعليقات متوقفه