الجيش المصري .. والسياسة والحكم «2-3».. محاولة «أخونة» القوات المسلحة والتهجم عليها

166

يعيد الدعوة لتولي الجيش إدارة البلاد للواجهة مرة أخري

بقلم : حسين عبدالرازق

أخطاء .. القيادة

ومع ذلك سادت مشاعر القلق والخوف علي الثورة فقد تكرر تدخل ” الشرطة العسكرية ” لفض اعتصامات أو إضرابات واستخدمت القوة في التعامل مع المعتصمين أو المضربين ، وبلغت هذه الممارسة القمعية ذروتها ضد أساتذة وطلبة كلية الإعلام في جامعة القاهرة المطالبين برحيل عميد الكلية ” حزب وطني ” عندما اقتحمت الشرطة العسكرية الحرم الجامعي واعتدت علي الطلبة والأساتذة المعتصمين لتعيد إلي الذاكرة دور ” البوليس الحربي ” عام 1954 في بداية الثورة والجرائم التي ارتكبها ضد القوي السياسية والنقابية والطلابية المطالبة بالديمقراطية وعمليات التعذيب والقتل في السجن الحربي .

قبل ذلك تعددت الممارسات التي توشي باتجاه المجلس العسكري للإنفراد بالسلطة وتغييب الأحزاب والقوي السياسية وتجاهلها ، فاختار لجنة لتعديل الدستور يرأسها مفكر سياسي وقاض سابق من قضاة مجلس الدولة “القضاء الإداري ” يتمتع باحترام وتقدير عال بين المثقفين والساسة المصريين ، ولكنه انتمي بوضوح في السنوات الأخيرة إلي تيار الإسلام السياسي ، وبقية أعضائها قضاة عملوا كمستشارين لوزير العدل أو رئيس مجلس الشعب وشاركوا في صياغة التشريعات السيئة التي صدرت في عهد مبارك ، والعضو السياسي الوحيد في اللجنة ينتمي “بالمصادفة ” لجماعة الإخوان المسلمين ..!

ورفض المجلس العسكري الاستماع لتحذير من أن تعديل الدستور يعني إعادة دستور 1971 إلي الحياة بعد أن سقط بثورة 25 يناير وتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطتين التنفيذية والتشريعية ، وأصر علي الاستفتاء علي هذه التعديلات ثم عاد بعد موافقة الناخبين في الاستفتاء علي هذه التعديلات ليعلن أن دستور 1971 لن يعود للحياة وأنه سيصدر إعلاناً دستوريا يضم هذه المواد المعدلة ومواد أخري ” لا يعرف أحد ما هي ” لتكون دستوراً للفترة الانتقالية ، رافضاً ما أجمعت عليه أغلب الأحزاب والقوي السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وفقهاء القانون بأن يتم فوراً – وبعد إصدار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية وإلغاء حالة الطوارئ والقوانين المقيدة للحريات الخاصة بالتجمع والتنظيم والأحزاب – انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد يتم علي أساسه الانتخابات التشريعية والرئاسية .

ثم نفاجأ أن مجلس الوزراء انتهي من إعداد خمسة مشاريع قوانين خاصة بتجريم الإضراب والتظاهر ، ومباشرة الحقوق السياسية والأحزاب ومجلسي الشعب والشوري ، وأن المجلس وافق عليها في سرية تامة ودون أي مناقشة أو عرض علي الأحزاب والقوي السياسية والنقابات – المخاطبة أساسا بهذه القوانين – ودفع بها إلي المجلس العسكري لتصدر بمراسيم منه .

وتوالت الممارسات والأخطاء من جانب المجلس الأعلي للقوات المسلحة ، خاصة بعد تحالفه – بصورة أو أخري – مع جماعة الإخوان .

تحالف العسكر مع الإخوان

لقد قام هذا التحالف في ضوء إدراك المجلس الأعلي للقوات المسلحة حاجته إلي تنظيم سياسي جماهيري منتشر في مدن وقري مصر ، يكون بمثابة الجناح المدني للمجلس . ولم يجد ضالته في الأحزاب الديمقراطية المدنية أو ائتلافات الشباب التي شاركت في ثورة 25 يناير ، وقدر أن جماعة الإخوان التي كانت آخر من التحق بالثورة وأول من ترك الميدان هي هذا التنظيم .

وجاء النص في الاعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة في 30 مارس 2011 علي تولي الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري ( السلطة التشريعية ) تشكيل ” الجمعية التأسيسية “لصياغة الدستور من 100 عضو ، ليفتح الباب أمام هيمنة ” الإخوان المسلمين ” علي الجمعية . صحيح أن انتخاب المجلسين لم يكن قد تم وبالتالي لم يتأكد حصول الإخوان وحلفائهم علي الأغلبية ، ولكن المؤشرات كانت تقطع أن تيار الإسلام السياسي سيحصل علي الأغلبية وأن الإخوان ستحقق الأكثرية إضافة إلي أن فقهاء الدستور والقوانين والساسة والمهتمين بالشأن العام كانوا يدركون أن صياغة الدساتير لاتتم بمنطق الأغلبية والأقلية وإنما علي أساس التوافق.

وأنه لا يجوز أن تتولي أي من السلطات الثلاث صياغة الدستور ، بل وهناك حكم صادر من المحكمة الدستورية العليا المصرية في 17 ديسمبر 1994 ( القضية رقم 13 لسنة 15 قضائية ) يقضي بأن ” الوثيقة الدستورية تنشئ سلطات الدولة بما فيها مجلس الشعب والحكومة والقضاء وتقرر مسئوليتها والقواعد التي تحكمها .. وبالتالي يكون من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية أنه يجب أن تعلو الجهة التأسيسية التي تضع الدستور دوما علي جميع سلطات الدولة ، وتنفصل وتستقل عنها .. إن الدستور هو وثيقة السيادة المطلقة علي كل سلطات الدولة فلا يجوز لواحدة من هذه السلطات أن تضعه وإلا كان الأدني مسئولاً عن الأعلي .. وإلا نسبنا الأب للابن ” ، وقد خالف تشكيل ” الجمعية التأسيسية ” الأولي كل هذه القواعد والأسس ، فالإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة في 30 مارس 2011 عهد إلي الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري ” السلطة التشريعية ” بتشكيل ” الجمعية التأسيسية ” لصياغة الدستور من 100 عضو ، وقرر الاجتماع المشترك من مجلسي الشعب والشوري أن يكون 50% من أعضاء الجمعية التأسيسية من أعضاء مجلسي الشعب والشوري وجاء حكم محكمة القضاء الإداري في 10 أبريل 2012 بوقف تنفيذ قرار تشكيل ” الجمعية التأسيسية ” وبطلانه ليقطع الشك باليقين.

وجاءت الضربة الثانية لمنهج التوافق عندما بدأت الأحزاب المدنية في البحث في توزيع نسبة ال 50% التي تم الاتفاق علي تخصيصها للأحزاب المدنية وترك ال 50% الأخري من مقاعد الجمعية التأسيسية لتيار الاسلام السياسي . فبصرف النظر عن خطأ منهج النسب ومنطق الأغلبية والأقلية ، والتنازل الواسع للتيار المدني .. فقد واصل تيار الاسلام السياسي اندفاعه المجنون للهيمنة والسيطرة . فقد فاجأ الجميع بتحميل التيار المدني ممثلي المؤسسات القومية والدينية الثمانية عشر ” القضاة (6) – الأزهر (5) – الكنيسة (4) – الدولة ” الحكومة – القوات المسلحة – الشرطة ” (3) ” ، متجاهلاً أنه لا يجوز تسييس أو تصنيف هذه المؤسسات أو حسابها علي هذا الطرف أو ذاك . ثم فاجأ د.السيد البدوي رئيس حزب الوفد والذي استضاف اجتماع السبت بدعوته لحزبي ” الوسط ” و” البناء والتنمية ” ومرجعيتهما دينية ( اسلامية ) باعتبارهما حزبين مدنيين لهما 4 مقاعد في الجمعية التأسيسية ليتراجع نصيب الأحزاب والقوي والشخصيات المدنية في الجمعية التأسيسية إلي 28 عضواً فقط ، ولتتوفر لحزب الحرية والعدالة والنور والتيار الاسلامي أغلبية تتجاوز الـ 57 صوتاً !

وكان منطقياً أن تنسحب أحزاب المصريين الأحرار والديمقراطي الاجتماعي والتجمع ( أحزاب الكتلة ) من اجتماع ظهر الأحد في حزب الوفد ثم تعلن مع أحزاب التحالف الشعبي الاشتراكي والعدل والكرامة والجبهة الوطنية انسحابها من عضوية الجمعية التأسيسية ، ولتتوالي الانسحابات لتصل إلي 12 حزبا هي ” المصري الديمقراطي الاجتماعي ، المصريين الأحرار ، التجمع ، التحالف الشعبي الاشتراكي ، الكرامة ، العدل ، مصر العربي الاشتراكي ، مصر الحديثة ، السلام الديمقراطي ، الاتحاد المصري العربي ، المواطن المصري ، المصري القومي ” وينضم إلي قائمة المنسحبين ” اتحاد النقابات المهنية ” برئاسة سامح عاشور ، ونقابة الرياضيين ، ونائب رئيس مجلس الدولة ، وممثل المحكمة الدستورية العليا بقرار اجماعي من جمعيتها العمومية ” لعدم وجود توافق بين القوي السياسية بشأن تشكيل تلك اللجنة ” ، وعدد من الشخصيات العامة مثل سامح مكرم عبيد وعمرو حمزاوي ود.عمرو الشوبكي ومصطفي النجار. ووجه 15 من قيادات حزب الوفد البرلمانيين ضربة لرئيس الحزب الذي قاد الوفد للتحالف مع حزب الحرية والعدالة بانسحابهم من المؤتمر المشترك للأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشوري.

وهكذا ولدت الجمعية التأسيسية الأولي فاقدة للشرعية السياسية . فلم يمثل فيها إلا 8 أحزاب ( سبعة من تيار الاسلام السياسي وثامنهم رئاسة حزب الوفد ) ولم يزد تمثيل المرأة عن 7 والأقباط عن 4 ( إضافة لممثلي الكنيسة الأربعة ) .. واختير 7 من الشباب ومصابي الثورة أغلبهم ممن أعلنوا تأييدهم لانتخاب د. محمد مرسي ( حزب الحرية والعدالة ) رئيساً للجمهورية . ومن بين 7 من نقباء النقابات المهنية اختيروا لعضوية الجمعية كان هناك خمسة محسوبين علي تيار الإسلام السياسي !

وعندما اتضح أن حزب الحرية والعدالة وحزب النور اللذين يهيمنان علي الأغلبية في مجلس الشعب والشوري يتجهان إلي تشكيل ” الجمعية التأسيسية ” الثانية بنفس المنطق وأنها ستحمل نفس العوار الذي كان سبباً في إبطال تشكيل الجمعية التأسيسية الأولي ، قرر حزب التجمع مقاطعة الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشوري المخصص لتشكيل الجمعية التأسيسية ، وغاب نوابه حتي لا يشاركوا في هذه الخطيئة ، داعياً الأحزاب الديمقراطية لاتخاذ نفس الموقف ، ولم تستجب الأحزاب لهذه الدعوة ، ليصبح حزب التجمع وحيداً في مقاطعة هذا الاجتماع ، وعندما وقع ” الفاس في الراس ” كما يقولون ، أعلنت أحزاب المصريين الأحرار والمصري الديمقراطي الاجتماعي والتحالف الشعبي الاشتراكي والجبهة الوطنية والكرامة وأحزاب أخري الانسحاب من الجمعية التأسيسية الثانية ، كما انسحب عدد من ممثلي حزب الوفد من الجمعية بالمخالفة لقرار رئيس الحزب واستمر آخرون .

ومع بدء الجمعية التأسيسية عملها وافتضاح منهج حزبي النور والحرية والعدالة في فرض دستور ” إخواني – سلفي ” علي مصر بما يهدد الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي ناضل الشعب المصري لتأسيسها منذ ما يزيد علي قرنين ، توالت الانسحابات من الجمعية التأسيسية ، خاصة بعد المواد والصياغات الكارثية لمواد دستورية تحت عنوان ” المقومات الأساسية للدولة ” و” الحقوق والحريات العامة” والتي تتحدث عن ” السيادة للذات الإلهية “، وفرض مرجعية دينية لكل التشريعات يمارسها الأزهر – وهو ما رفضه بحق شيخ الأزهر الجليل – وتعطيل الصحف وإلغاء صدورها متناسين أن المواد القانونية الخاصة بإلغاء صدور الصحف ألغيت في مصر منذ دستور 1923 وأن تعطيل الصحف تم إلغاء مواده منذ ست سنوات ، كما اعترض المهيمنون علي الجمعية التأسيسية علي النص علي عدم التمييز بين المصريين علي أساس ” الجنس أو العرق ” والنص علي إلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر ، وعلي مادة تجرم تجارة الجنس والاتجار بالبشر والعبودية ، رغم توقيع مصر علي الاتفاقات والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وعدم التمييز والتي تتضمن مثل هذه النصوص وأكثر.

وجاءت الاستقالة الأولي من الجمعية التأسيسية والتي كشفت الكثير مما يجري داخلها من الناشطة السياسية “منال الطيبي ” وتلاها بيان اللجنة الوطنية للدفاع عن حرية التعبير التي يرأسها الكاتب الكبير بهاء طاهر ومنسقها الزميل محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب ليلقي مزيداً من الضوء علي كارثة الدستور الذي تعده ” الجمعية التأسيسية ” ، وأصدر تحالف الوطنية المصرية ومن بين رموزه عمرو موسي ومحمد البرادعي وحمدين صباحي بياناً دعوا فيه لمقاطعة أعمال هذه الجمعية التأسيسية ” . ولكن بعد فوات الأوان ، فقد صاغت الجمعية التأسيسية دستوراً لدولة دينية استبدادية !

ورغم الخطيئة التي ارتكبها المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتحالفه مع جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة وفتحه الباب أمام قيام أحزاب دينية تحت مقولة أحزاب بمرجعية دينية وليست أحزابا دينية حيث حذف في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس من المادة الخاصة بالأحزاب النص علي عدم جواز قيام أحزاب سياسية أو مباشرة أي نشاط سياسي بمرجعية دينية ( المادة 4 ) والذي كان موجوداً في دستور 1971 ( المادة 5 ) .. إلا أنه حاول – متأخراً – تدارك هذا الخطأ باعتبار أن العلاقات بين المجلس والجماعة قامت ” علي اعتبارات المواءمة السياسية التكتيكية وليس علي منطق الصفقة الإستراتيجية ” .

لقد فوجئ المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالجماعة وحزبها الحرية والعدالة يكشفان بسرعة ” عن رغبتهما في الاستحواذ والاستئثار بالسلطة – كل السلطة – علي الرغم من التصريحات التي ملأ بها قيادات الإخوان سماء القاهرة بأن الجماعة تسعي إلي التوافق والمشاركة وليس المغالبة .. لقد بدا أن الإخوان المسلمين أرادوا بسط سيطرتهم علي كل الدولة ، ووضح من خلال تصرفاتها والقرارات التي اتخذتها أنها أرادت تعريف نظام الدولة مرة واحدة دون مراعاة عملية التدرج التي تتطلبها المراحل الانتقالية . ورأي الجناح المحافظ الموجود علي رأس الجماعة أن الوقت ملائم لابتداع دولة جديدة ونقل مصر إلي حالة إسلامية كبيرة ” أو تأسيس دولة المرشد “.

وكانت بداية التحول في موقف الجماعة تجاه المجلس الأعلي للقوات المسلحة مع انعقاد مجلس الشعب في 23 يناير 2012 ، والتعبير بوضوح عن رغبتهم في إزاحة حكومة د.كمال الجنزوري التي تحظي بتأييد المجلس . وقال الإخوان إن الحكومة لا علاقة لها بالأكثرية التي يمثلها حزب الحرية والعدالة ، وعاجزة عن حل المشاكل الأساسية ، واتهموها بافتعال مشاكل تؤدي لوضع البرلمان الذي يتصدره الإخوان في وضع حرج أمام الرأي العام.

ورفض المجلس الأعلي للقوات المسلحة تغيير الحكومة وتمسك بالإعلان الدستوري الذي يخلو من أي نص علي ضرورة حصول الحكومة علي ثقة مجلس الشعب ، وبالتالي استمرارها حتي نهاية الفترة الانتقالية.

وبدا أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يستعيد سيطرته مستفيداً من أخطاء عدة ارتكبتها جماعة الإخوان ويمكن تلخيصها في الآتي :

– التعامل باستعلاء مع الأحزاب والقوي السياسية الأخري ، وتجاهل التوافق والعمل بمنطق المغالبة والاستئثار بالسلطة . لقد تخلي الإخوان عن حلفاء الأمس من الأحزاب الليبرالية والقومية واليسارية ، مما أدي لتلاشي ” التحالف الديمقراطي من أجل مصر ” الذي قدم بوجوده طمأنة كثير من المصريين بشأن توجه جماعة الإخوان ومصير البلاد في ظل وجودها في السلطة وتوسع دورها .

– الدفع في اتجاه التصويت بنعم في استفتاء مارس 2011 بما يعني إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري ورئاسة الجمهورية قبل إصدار الدستور ، بالمخالفة لما أجمعت عليه الأحزاب والقوي السياسية .

– التقدم بمرشحين لحزب الحرية والعدالة في 90% من الدوائر الانتخابية رغم الوعد بعدم المنافسة إلا علي 30 أو 35% من المقاعد .

– الإصرار علي تعديل قانون الانتخابات للجمع بين نظام القائمة الحزبية ونظام المقاعد الفردية بصورة تخل بالمساواة وتميّز الحزبيين علي غير الحزبيين وبالتالي وجد عوار دستوري يجعل الطعن بعدم الدستورية وقبول المحكمة الدستورية للطعن مقطوعا به . وهو ما حدث وأدي لحل أول مجلس شعب بعد الثورة .

– اللجوء للسيطرة علي مكتب مجلس الشعب ولجانه كافة ، والتدخل في أعمال السلطة القضائية ومحاولة عدم تنفيذ أحكام الدستورية العليا والصدام معها .

– خوض انتخابات الرئاسة إخلالا بوعودها بعدم التقدم بمرشح للجماعة لمنصب رئيس الجمهورية والتوصل لمرشح توافقي مع الأحزاب والقوي السياسية

– التباعد عن القوي السياسية والثورية المتحركة في الشارع وعدم المشاركة في مظاهراتها ومليونياتها مثل مظاهرة محمد محمود ومظاهرة مجلس الوزراء في ظل تحالفهم مع المجلس العسكري .

وشاب إدارة المجلس الأعلي للقوات المسلحة خلال إدارته للبلاد سلسلة من الأخطاء والممارسات المعادية للديمقراطية .

فتكرر تدخل “الشرطة العسكرية” لفض اعتصامات وإضرابات عمالية وتعاملت مع المضربين والمعتصمين باستخدام القوة . وبلغت هذه الممارسة القمعية ذروتها ضد أساتذة وطلبة كلية الإعلام بجامعة القاهرة المطالبين برحيل عميد الكلية ” أحد قيادات الحزب الوطني ” ، عندما اقتحمت الشرطة العسكرية الحرم الجامعي واعتدت علي الطلبة والأساتذة المعتصمين .

وأصدر المجلس قانوناً بتجريم التظاهر والاعتصام والتجمهر في ظل حالة الطوارئ أي بمصادرة حقوق التظاهر والإضراب والاحتجاج بالمخالفة للدستور والمواثيق الدولية .

وتورطت القوات المسلحة في ثلاثة أحداث صدام مع المواطنين :

< الأولي المعروفة إعلامياً بأحداث “أو مذبحة” ماسبيرو ، والتي بدأت بقيام مظاهرة من شبرا باتجاه مبني الإذاعة والتلفزيون في “ماسبيرو” تضم حوالي 50ألف مواطن أغلبهم من أقباط مصر ، احتجاجاً علي هدم كنيسة الماريناب وتصريحات استفزازية للأقباط أدلي بها محافظ أسوان . واعتصم آلاف من الأقباط أمام المبني ، ولجأت قوات الشرطة العسكرية بقيادة اللواء حمدي بدين وقوات الشرطة بقيادة اللواء محسن مراد مدير أمن القاهرة لمحاولة فض الاعتصام بالقوة مساء 4 أكتوبر 2011 ، واستمرت الصدامات أمام مبني ماسبيرو وعلي كورنيش النيل وصولاً الي ميدان التحرير حتي 9 أكتوبر ، وبلغ عدد القتلي أمام ماسبيرو 27 قتيلاً وأكثر من 183 مصاباً وتحطيم العديد من السيارات .

< الثانية والمعروفة إعلامياً بأحداث شارع محمد محمود ، والتي وقعت في الفترة من 19 الي 25 نوفمبر 2011 ، وشهدت “حرب شوارع واشتباكات دموية بين المتظاهرين والقوات الحكومية المختلفة ، قامت فيها قوات الشرطة وقوات فض الشغب بتصفية الثوار جسدياً (وليس مجرد تفريقهم ، ووصفها مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف بأنها كانت حرب إبادة جماعية للمتظاهرين باستخدام القوة المفرطة وتصويب الشرطة الاسلحة علي الوجه مباشرة قاصداً إحداث عاهات مستديمة بالمتظاهرين ، واستهداف المستشفيات الميدانية . وأكدت تقارير رسمية أن الجيش قام بجرائم حرب في هذه الاحداث . ووقعت هذه الاحداث في الشوارع المحيطة بميدان التحرير (شارع محمد محمود – قصر العيني – المنصور – البستان – التحرير – طلعت حرب – الفلكي – الشيخ ريحان – باب اللوق – قصر النيل – عبد المنعم رياض – عمر مكرم) وخاصة شارع محمد محمود بدءاً من يوم السبت 19 نوفمبر 2011 وحتي الجمعة 25 نوفمبر 2011 . وقامت فيها الشرطة باستخدام الهراوات والصواعق الكهربائية ورصاص مطاطي وخرطوش ورصاص حي وقنابل مسيلة للدموع أقوي من الغاز القديم وقذائف مولوتوف وبعض الأسلحة الكيماوية الشبيهة بغاز الأعصاب وقنابل الكلور المكثف وغاز الخردل والفسفور الأبيض والغازات السامة .. وذلك مقابل استخدام المتظاهرين الحجارة والألعاب النارية مثل الشمروخ وأحياناً المولوتوف”. وكانت محصلة هذه الحملة الأمنية أكثر من 90 شهيد ا من المتظاهرين ومن مركز النديم وحوالي 8000 جريح بعضهم فقد عينيه بالرصاص المطاطي (60 إصابة مباشرة في العين) و 22 مفقودا واعتقال 383 متظاهراً في القاهرة غير المعتقلين في المحافظات .

< الثالثة هي أحداث مجلس الوزراء والتي بدأت يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011 وحتي الجمعة 23 ديسمبر 2011 أمام مجلس الوزراء وفي ميدان التحرير احتجاجاً علي تعيين د. كمال الجنزوري رئيساً للوزراء ، ومحاولة الشرطة العسكرية وقوات المظلات والقوات الخاصة فض الاعتصام أمام مجلس الوزراء ، وسقط خلال هذه الأحداث 17 قتيلاً من المعتصمين والمتظاهرين و 900 جريح . ووقعت خلال هذه المواجهات عملية سحل إحدي المتظاهرات وتعريتها علي يد جنود القوات المسلحة ، وتعرض مبني المجمع العلمي لاشتعال النار فيه ، واستشهاد الشيخ عماد عفت وتشييع مسلمين ومسيحيين لجثمانه في جنازة مهيبة تحولت الي مظاهرة غاضبة هتف المشيعون خلالها “يسقط يسقط حكم العسكر” و “الشعب يريد اسقاط المشير” ، وخروج آلاف النساء في مسيرات حاشدة في ميدان التحرير عصر يوم 20 ديسمبر 2011 للتنديد باعتداء القوات المسلحة علي المتظاهرات .

خلاف حول دور الجيش

وقبل انتهاء الفترة الانتقالية دار جدل طويل حول دور القوات المسلحة ومجلسها الأعلي بعد الفترة الانتقالية بين اتجاهين :

اتجاه يتبني تحديد دور سياسي للقوات المسلحة في الدستور الجديد ، ويطالب بتبني وثيقة “اعلان مبادئ أساسية” تحكم صياغة الدستور ، وتوضح دور القوات المسلحة في ظل حكومة مدنية وتعطيها الحق في التدخل لحماية الوحدة الوطنية والدولة المدنية ، وحماية المصالح الاقتصادية للقوات المسلحة ، وإبقاء ميزانية القوات المسلحة بعيدة عن رقابة المجلس التشريعي والرقابة الشعبية “كضمان للأمن القومي” .

قالت تهاني الجبالي القاضية في المحكمة الدستورية العليا آنذاك “الجيش المصري يختلف عن جيوش البلاد الأخري التي تنعزل فيها الحياة السياسية . تاريخ الجيش يمنحه مصداقية خاصة ، لذا فمن الطبيعي أن يضطلع بقدر من المسئولية في حماية الشرعية الدستورية والدولة المدنية”.

وقال د. جمال عبد الجواد إن حالة الانقسام السياسي وضعف الثقة بين مكونات المجتمع والفاعلين السياسيين تخلق طلباً مجتمعياً وسياسياً علي وجود ضمانة تحقق التوازن بين الفرقاء الاجتماعيين والسياسيين ، و “الجيش يبدو القوة الوحيدة القادرة علي توفير الضمانة من جانب كل هذه الفئات” . ويضيف أن هناك شكوكاً من جانب الجيش في القوي السياسية المدنية ، وأن الحال الراهن لهذه القوي غير كاف لبث الثقة في قدرتها علي التعامل مع قضايا الدفاع والأمن القومي الأكثر أهمية بالنسبة للقوات المسلحة ، و “هذان العاملان لا يجعلان من الانسحاب الكامل للجيش من السياسة أمراً ممكناً ، وفي الوقت نفسه فإن عودة الجيش لحالة المراقب والضامن عن بعد غير المنظمة دستورياً لم يعد أمراً ممكناً أيضاً”.

وبالمقابل كان هناك اتجاه يرفض وجود دور سياسي للقوات المسلحة فيما بعد الفترة الانتقالية ويعارض بشدة النص علي هذا الدور في “إعلان المبادئ الأساسية للدستور” . وعبر عن هذا الاتجاه عشرات من الكتاب والساسة والمتحدثين باسم الأحزاب السياسية الديمقراطية وعسكريون سابقون .

يقول الفريق مجدي حتاتة ورئيس أركان القوات المسلحة السابق وكان أحد المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية أن الاقتراحات بتضمين المبادئ الأساسية للدستور ومن ثم الدستور نصاً يجعل القوات المسلحة ضامناً لنظام الحكم في البلاد “سيعطي الجيش امتيازات تجعل له اليد العليا واستقلالية كاملة عن الدولة بكامل مؤسساتها ، وهو أمر غير معهود في جميع دساتير مصر السابقة أو دساتير العالم المتقدم التي يمكن الاستعانة بها في وضع دستورنا الجديد ..

وسيحول مصر الي ما يشبه تسلط العسكر في النموذج التركي الذي عاشت به تركيا منذ عهد أتاتورك ، وعانت بسببه من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وتكرار الانقلابات والاعدامات ، وعزل الوزراء وتغيير الأنظمة الحاكمة بالقوة ، طالما لم تكن المؤسسة العسكرية راضية عنها” .

ولجأ المجلس الأعلي للقوات المسلحة لإصدار دستور مكمل في 17 يونيو 2012 ينص علي أن يؤدي رئيس الجمهورية المنتخب (الجديد) اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية قبل توليه لسلطاته، وأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يباشر سلطة التشريع لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد ومباشرته لاختصاصه .

كما نص علي أن يشكل المجلس الأعلي للقوات المسلحة جمعية تأسيسية جديدة لصياغة الدستور إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها . ومنح الإعلان الدستوري المكمل رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة “ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ومجلس القضاء الاعلي أو خُمس أعضاء الجمعية التأسيسية – كل علي حدة – طلب إعادة النظر في اي نص في مشروع الدستور إذا وجده متعارضاً مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية ، وإذا أصرت الجمعية التأسيسية علي إبقاء النص كما هو ، فله الحق في طلب عرض الأمر علي المحكمة الدستورية العليا ويكون قرارها ملزماً للجميع ” .

التعليقات متوقفه