الجيش المصري .. والسياسة والحكم «3-3»

31

رفض شباب الثورة الهروب من حكم الإخوان لحكم العسكردعوة لتحالف واسع بين كل القوي الاجتماعية

والديمقراطية

بقلم : حسين عبدالرازق

وقفنا في الحلقة السابقة من هذه الدراسة عند الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة في 17 يونية 2012 وتداعياته

انقلاب القصر

كان هذا الإعلان الدستوري يعني بوضوح استمرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة في لعب دور أساسي في السياسة والحكم ، وأنه شريك مع رئيس الجمهورية في إدارة شئون البلاد .

ولم يتأخر الرد كثيراً ..

فلم يدرك عديد من الساسة المحللين والمتابعين للشأن العام أن قرار د. محمد مرسي رئيس الجمهورية “ونائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين” ، إقالة كل من اللواء مراد موافي رئيس المخابرات العامة واللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية ومعهما قائد الحرس الجمهوري ومدير أمن القاهرة وقائد قوات الأمن المركزي ، هي خطوة أولي في مخطط غير معلن لفرض سيطرة حزب “الحرية والعدالة” وجماعة “الإخوان المسلمين” علي مفاتيح السلطة والدولة المصرية ، بهدف تفكيك وتصفية الدولة التي ناضل – ولا يزال – الشعب المصري لتأسيسها طوال ما يزيد علي 200 عام منذ عهد محمد علي مروراً بالثورة العرابية وثورة 1919 ودستور 1923 وثورة 1952 وثورة 25 يناير (2011) ، وتأسيس دولة المرشد أو دولة الإخوان بديلاً لها .. فالقرار بدا وكأنه رد فعل لحدثين متتاليين .

الأول : الجريمة الإرهابية ضد موقع عسكري مصري في سيناء والذي ذهب ضحيته 16 جندياً وضابطاً من القوات المسلحة وكشف عن وجود فراغ أمني في سيناء ، والتصريح الخطير الذي أدلي به اللواء موافي رئيس جهاز المخابرات العامة وأكد فيه أن المخابرات العامة كان لديها معلومات حول عملية إرهابية في سيناء ، وقام الجهاز بدوره في وضع هذه المعلومات أمام الجهات المسئولة في القاهرة والتي تملك اتخاذ القرار “فالمخابرات جهاز لجمع المعلومات والتحليل والتوصية وليس جهاز اتخاذ القرار” .

الثاني : تخلف رئيس الجمهورية د. محمد مرسي عن المشاركة في جنازة شهداء مذبحة سيناء ، وما قيل عن أن الأجهزة المسئولة عن توفير أمن الرئيس “الحرس الجمهوري والشرطة العسكرية ومديرية أمن القاهرة بوزارة الداخلية” نصحته بعدم المشاركة لوجود حالة من الغضب بين المشيعين والمتظاهرين ضد الرئيس وحكومته وتحملهم المسئولية عن المذبحة ، وصعوبة توفير أمنه خلال الجنازة ، وهو ما تأكد بعد الاعتداء البدني علي رئيس وزرائه “د. هشام قنديل” وقذفه بالأحذية .

ولكن سرعان ما تبين أن هذه التغييرات كانت مقدمة لقرار متخذ سلفاً استفاد من الحادثين للتمهيد له ، وتم تنفيذه بغتة ظهر يوم الأحد 12 أغسطس والإعلان عنه في الساعة الخامسة عبر التلفزيون الحكومي المصري ، قبل انطلاق مدفع الافطار بساعة و 40 دقيقة .

والقرار في جوهره هو انقلاب قادة د. محمد مرسي رئيس الجمهورية – ومن خلفه مكتب إرشاد جماعة الإخوان- بالاتفاق مع عدد من أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة وقادتها ، ضد الشرعية الدستورية القائمة .

فقد أصدر الرئيس د. محمد مرسي “إعلاناً دستورياً” تضمن إلغاء الإعلان الدستوري “المكمل” الصادر في 17 يونيه 2012 ، وإدخال تعديلات علي الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 والذي يعد بمثابة دستور مؤقت لحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية حتي صدور الدستور الجديد بعد الانتهاء من صياغته ، وتلا ذلك الاعلان إصدار الرئيس مرسي – بناء علي الصلاحيات التي أصبحت له بالاعلان الدستوري الجديد (إعلان 12 أغسطس) -قرارا بإقالة رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة القائد العام وزير الدفاع “المشير محمد حسين طنطاوي” ورئيس أركان حرب القوات المسلحة “الفريق سامي عنان” وعدد آخر من قادة الأسلحة والأفرع الرئيسية الذين يسبقون في الأقدمية اللواء أركان حرب “عبد الفتاح السيسي” مدير المخابرات الحربية الذي رقاه مرسي الي رتبة فريق أول وعينه قائداً عاماً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع والانتاج الحربي ، وكذلك ترقية اللواء أركان حرب ” صدقي صبحي سيد أحمد” الي رتبة فريق وتعيينه رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة .

والقرار هو اغتصاب من جانب رئيس الجمهورية الذي انتخبه الشعب المصري لرئاسة الدولة والسلطة التنفيذية لسلطات ليست له دستورياً .

فالفقه الدستوري يعرف “سلطة رابعة” تعلو السلطات الثلاثة المعروفة في كل الدساتير “التشريعية – التنفيذية – القضائية” وهي “السلطة التأسيسية” ، والذي يملك هذه السلطة التأسيسية هو الشعب بمجموعه وطبقاً لهذه السلطة التأسيسية فالشعب هو الذي يصدر الدستور الذي يحدد اختصاصات السلطات الثلاثة والعلاقات والتوازن بينها .

ونتيجة ثورة 25 يناير 2011 وسقوط دستور 1971 وتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة البلاد حتي انتهاء المرحلة الانتقالية وإصدار الدستور الجديد ، أصبح المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الحائز – استثناء ولفترة محددة – لهذه السلطة التأسيسية وحتي صدور الدستور الجديد باستفتاء الشعب عليه .. وبناء علي ذلك أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة خمسة إعلانات دستورية :

– الإعلان الدستوري “الأول” في 13 فبراير 2011 ويضم 9 بنود .

– الإعلان الدستوري في 30 مارس 2011 (62 مادة غير مادة النشر) .

– الإعلان الدستوري في 25 سبتمبر 2011 بتعديل المادة 38 من إعلان 30 مارس والخاصة بنظام الانتخاب في مجلسي الشعب والشوري .

– الإعلان الدستوري في 19 نوفمبر 2011 بإضافة مادة جديدة برقم 39 مكرر لإعلان 30 مارس خاصة بتصويت المصريين في الخارج .

– الإعلان الدستوري في 17 يونيه 2012 بتعديل المواد 30 فقرة ثانية و 53 مكرر(أ) و 53 مكرر (3) و 53 مكرر (2) و 56 مكرر 60 مكرر(3) .

ولم يحدث أي خلاف أو جدل حول ممارسة المجلس الأعلي للقوات المسلحة لدوره في إصدار وتعديل الإعلانات الدستورية وبصفته يحوز السلطة التأسيسية .

ولكن بعد انتخاب د. محمد مرسي رئيساً للجمهورية أنكر البعض حق المجلس الأعلي في ممارسة السلطة التأسيسية وإصدار أي إعلانات دستورية أو تعديلها ، بمقولة أنه ” بمجرد حلف الرئيس لليمين سقطت كل الاعلانات الدستورية القائمة ، لأن الشرعية الدستورية التي أتي بها الرئيس تحجب الشرعية الواقعية “الثورية” التي جاءت بالمجلس العسكري ، وبناء عليه تتوقف كل الأعمال التي صدرت في عهد العسكري ، ويستطيع الرئيس أن يصدر إعلاناً دستورياً جديداً يكون ناهياً للإعلانات الدستورية السابقة” .

والرد علي ذلك كان واضحاً ، فسلطات الرئيس د. محمد مرسي محددة بدقة في الإعلان الدستوري الذي تم انتخابه علي أساسه وأقسم اليمين علي احترامه ، وليس من بين هذه السلطات “السلطة التأسيسية ” .

كما أن ” هناك مبدأ في الفقه القانوني هو تدرج القواعد القانونية ، ويأتي علي رأسها الدستور ثم التشريع العادي ثم اللوائح ، علي أن تقوم جمعية منتخبة بوضع القواعد الدستورية ، لكن في الفترة الانتقالية ما بين تنحية الرئيس المخلوع ووضع الدستور الجديد حدد حكم المحكمة الإدارية العليا بأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الجهة المنوط بها إدارة شئون البلاد حتي انتهاء المرحلة الانتقالية ، حيث يحوز المجلس السلطة التأسيسية في البلاد وله الحق في وضع القواعد الدستورية المؤقتة ، وبالتالي لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يصدر قواعد دستورية أو يلغي الإعلان الدستوري الحالي ” .

وأكد ذلك د. إبراهيم درويش الفقيه الدستوري الكبير قائلاً إنه ليس من حق رئيس الجمهورية إصدار إعلان دستوري يلغي الإعلان الدستوري المكمل ” لأنه صدر من السلطة التأسيسية ” ويضيف د. شوقي السيد ” الرئيس لا يملك إلغاء الإعلان الدستوري المكمل ولا الإعلان الدستوري الأصلي في 30 مارس .. وقرار الرئيس بإلغاء الإعلان الدستوري خيانة للقسم الذي أقسمه باحترام الإعلانات الدستورية بما فيها الإعلان المكمل ، والذي يلزمه بعدم الاقتراب من المجلس العسكري بتشكيله القائم عند صدور الإعلان الدستوري المكمل ” .

وكان الإعلان الدستوري المكمل محل نقد واعتراض لأسباب ثلاثة ، وهي صدوره دون أي تشاور مع الأحزاب السياسية والقوي السياسية والاجتماعية ، ومده للفترة الانتقالية عملياً لمدة تقرب من خمسة شهور ، وتحويله المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي سلطة فوق السلطات الثلاثة بدلاً من أن تكون إحدي مؤسسات السلطة التنفيذية ، فذلك لا يسقط هذا الإعلان ولا يعني انتهاك الشرعية الدستورية للخلاص منه ، فالطريق الصحيح هو الحوار مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتعديله وممارسة الضغوط بالأساليب الديمقراطية لإلزامه بذلك ، بدءاً بالوقفات الاحتجاجية والتظاهرات والاعتصامات وصولاً إلي الدعوة للإضراب العام .

وقد اعترضت الأحزاب والقوي السياسية علي المادتين 28و60 من إعلان 30 مارس ، ولم يروا في ذلك سبباً لإلغاء الإعلان أو إسقاطه بطرق غير شرعية .

السبب الثاني للاعتراض علي قرار د.محمد مرسي ، هو السلطات المطلقة التي أصبح يحوزها رئيس الجمهورية، حيث جمع بين يديه السلطة التنفيذية والسلطةالتشريعية وسلطة تشكيل الجمعية التأسيسية التي ستتولي صياغة الدستور ، ليولد في مصر ” فرعون جديد ” بسلطات مطلقة وبغطاء ديني زائف ، تتجاوز السلطات المطلقة التي تمتع بها جمال عبد الناصر والسادات ومبارك .

فمرسي طبقاً لانقلابه علي الشرعية الدستورية القائمة في ذلك الحين والإعلان الدستوري ” الباطل ” الذي أصدره يتمتع بالسلطات التي كانت للمجلس الأعلي للقوات المسلحة في إعلان 30 مارس ( المادة 56) بعد الثورة مباشرة ، وتشمل السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية في دستور 1971 الاستبدادي ، مضافاً إليها ” التشريع – إقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها – تعيين الأعضاء المعينين في مجلس الشعب – حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها ” ..!!

خلافات مرسي والسيسي

وكان منطقياً في ظل هذه التطورات وإقالة القائد العام للقوات المسلحة ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وترقية مدير المخابرات الحربية ” اللواء عبد الفتاح السيسي ” إلي رتبة فريق أول وتعيينه قائداً عاماً ووزيراً للدفاع والإنتاج الحربي ، أن يقوم القائد العام الجديد بإعادة تشكيل المجلس الأعلي للقوات المسلحة .

وجاء تشكيل المجلس من 22 من قادة القوات المسلحة ، 17 منهم ينضمون للمجلس لأول مرة ، بينما احتفظ بعضويته خمسة فقط من أعضاء المجلس خلال قيادة المشير محمد حسين طنطاوي للمجلس ، وهم ” اللواء ممدوح شاهين ” مساعد وزير الدفاع للشئون الدستورية والقانونية و” اللواء محسن الفنجري ” مساعد وزير الدفاع رئيس هيئة التنظيم والإدارة و” اللواء محمد العصار ” مساعد وزير الدفاع لشئون التسليح و” اللواء مختار الملا ” مساعد وزير الدفاع و” اللواء عادل عمارة ” مساعد وزير الدفاع .

وبدا وكأن الأمور استقرت لصالح هيمنة وسيطرة د.محمد مرسي – ومن خلفه مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين – وهو ما دفع رئيس الجمهورية لإصدار إعلان دستوري جديد في 22 نوفمبر 2012 نص علي جعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخري منذ تولي د.محمد مرسي لمنصب رئيس الجمهورية حتي انتخاب مجلس شعب جديد ، وإقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود وتعيين نائب عام جديد اختاره رئيس الجمهورية هو المستشار طلعت إبراهيم ، ومنح مجلس الشوري والجمعية التأسيسية لصياغة الدستور حصانة ضد الحل ومد عمل الجمعية التأسيسية لفترة من 4 إلي 6 شهور ، وإعادة محاكمة المتهمين في القضايا المتعلقة بقتل وإصابة وإرهاب المتظاهرين أثناء الثورة .وفي ظل الإعلان الدستوري الباطل انتهت الجمعية التأسيسية من صياغة الدستور فجر 30 نوفمبر 2012 ورفعه لرئيس الجمهورية الذي اصدر قراره بالاستفتاء عليه في 15 ديسمبر 2012 وإقراره .

ولكن تطورات الأحداث في الأسابيع القليلة الماضية طرحت احتمال وجود خلافات وصراعات بين الرئيس وجماعة الإخوان في جهة والمؤسسة العسكرية في جهة أخري ، تتناول محاولة ” أخونة ” القوات المسلحة ” وإغلاق الرئاسة لملف التحقيقات في حادث رفح الحدودي الذي راح ضحيته 16 جندياً ، وهجوم د.محيي الدين الزايط عضو مجلس شوري جماعة الإخوان علي القوات المسلحة وقائدها إلي حد القول أن ضباط الجيش المصري ” .. قد خابوا في كل سبيل ، قد ضلوا في كل قرار ، في السلم تراهم فرساناً ، في الحرب خزايا وفرار ، ما قيمة جيش إن كان يقودهم فأر ” ورد أحد القادة العسكريين علي الزايط قائلاً إن ” ما قاله الزايط يعتبر خيانة عظمي ” واتهم الإخوان بأنهم يريدون الفوضي وهدم جيش مصر لأنهم يعلمون أنه ” رمانة الميزان ” . وقال مصدر عسكري مسئول – كما نشرت صحيفة الوطن – أن الإخوان ينتهجون مخططاً منظماً للهجوم علي الجيش لهز ثقة الشعب فيه وفي قياداته ، في الوقت الذي تتراجع فيه شعبيتهم في الشارع ، وتكثر المطالب بعودة القوات المسلحة للحكم كبديل لحكم الإخوان . وحذر المصدر الإخوان من أنهم إن لم يتخذوا موقفاً جاداً لوقف هذه المهازل فإنهم سيرون الوجه الآخر لغضب الجيش ..” فأبناء المؤسسة العسكرية لا يقبلون التطاول علي قادتهم السابقين والحاليين . صبرنا لن يطول وردنا سيكون قاسياً “.

وتحت عنوان ” مصادر تكشف أسرار شائعات الإخوان ضد السيسي ” قالت صحيفة المصري اليوم أنه ” تمت ممارسة ضغوط علي المؤسسة العسكرية لقبول ابناء الإخوان في الدفعة 109 حربية ” مشيرة إلي أنه تم قبول عدد محدود جداً منهم ، وإذا ظهر علي الطالب بالكليات العسكرية انتماؤه لأي مرجعية سياسية أو دينية أو ممارسته للسياسة سيتم فصله علي الفور.

وعادت الدعوة لتحرك القوات المسلحة وتولي إدارة البلاد للارتفاع مرة أخري . فقال د.علي السلمي أن علي القوي المدنية العمل لدعوة القوات المسلحة لحفظ الاستقرار ونشره علي جميع الأصعدة . وقال د.أسامة الغزالي حرب أن مصر تعاني من حالة تفكك وتدخل الجيش لحفظ أمن مصر واجب وطني علي مؤسسة القوات المسلحة . ودعا الشيخ نبيل نعيم مسئول تنظيم الجهاد في مصر الذراع اليمني لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة لعودة الجيش المصري للسلطة وتولي مقاليد الحكم مباشرة وإدارة شئون البلاد قائلاً ” جميع المتواجدين علي الساحة لا يصلحون .. والأفضل أن يتولي الجيش إدارة البلاد لمدة سنتين ، يكتب دستوراً ثم يتم إجراء انتخابات رئاسية “.

وكتب الصحفي طارق حسن ” أصبح الشعب الذي عايش فترات حكم مبارك ومن بعده إدارة المجلس الأعلي للقوات المسلحة ثم جماعة مرسي يري الآن بوضوح أن فترة ” حكم العسكري ” كانت أكثر عدلاً وأمناً وحكمة من هؤلاء ” الهواة ” لأن الجيش الذي حمي مصر في ثورة يوليو وثورة يناير كان يعبر بالبلاد وهو يحميها ويتلقي الطعنة تلو الطعنة من كل القوي السياسية بلا استثناء ، من ” حثالة ” تربصت به لخدمة أعداء الخارج . واكتشف أبناء مصر الشرفاء – الآن فقط – أن ليس لديهم بعد المولي عز وجل إلا اللجوء إلي جيشهم ليحميهم مما يحيط بالبلاد من مخاطر داخلية وخارجية نعيشها ونراقبها ونراها ” .

ولم يكن هناك اتفاق حول هذه الدعوة ، فأحزاب وقوي سياسية وحركات وائتلافات عارضتها بقوة .

قال نبيل عبد الفتاح ( مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ) .. ” كان الأجدر بتلك النخب السياسية والليبرالية منها تحديداً أن يحاربوا من أجل الحفاظ علي مدنية الدولة وقيمها ، ويخوضوا صراعاً حقيقياً دفاعاً عما يؤمنون به ، لا بالقضاء عليها من خلال الهروب من المعركة واستدعاء دور المؤسسة العسكرية من جديد بالسياسة المصرية لتحارب معركتهم السياسية .. استدعاء وصل إلي حد التحريض السياسي والدعوة للانقلاب علي شرعية أول رئيس منتخب شرعياً في التاريخ المصري الحديث ، إذا ما تم استثناء تجربة تولي محمد علي باشا حكم مصر برغبة شعبية ” .

وقال خالد المصري منسق حركة شباب 6 أبريل أن موقف شباب الحركة كان ومازال ضد تدخل الجيش بأي شكل في المعترك السياسي للحفاظ عليه وعلي الوطن ، وندعمه في مهمته الوطنية بحماية مصر .. وشعارنا .. حافظوا علي الجيش المصري فالجيش يحمي ولا يحكم ” .

وقال حمادة الكاشف منسق اتحاد شباب الثورة .. ” إننا كشباب ثوري نرفض فكرة الهرب من حكم الإخوان لحكم العسكر “.

ووصف أحمد راغب أحد قيادات الحركة الحقوقية المصرية دعوة استدعاء الجيش مرة أخري لحكم البلاد بأنها ” عار وخيانة ” لثورة 25 يناير ” فمن يتصور أن الجيش المصري سيكون له دور من أجل تحقيق أهداف الثورة فهو لم يكن من الأصل منتمياً لثورة 25 يناير ، ولم يذق مرارة حكم العسكر سواء قبل الثورة أو بعدها أثناء فترات حكم المجلس العسكري “.

بينما يري محمد زارع مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي أن الجيش له دور كبير في الحياة السياسية ، وهو أن يحافظ علي مؤسسته من استحواذ أو هيمنة أي فصيل سياسي عليه .. فالجيش حكم البلاد لمدة 60 سنة لديه بعض الايجابيات والسلبيات ، لكن في النهاية كانت ظاهرة سلبية ، وعلينا أن نسعي أن تكون مصر دولة مدنية حديثة وليست عسكرية أو دينية . بينما توقع باحثون وخبراء وساسة أن لا تتحرك القوات المسلحة إلا في حالة انهيار الدولة ، دون أن تتولي الحكم .

فدكتور عماد جاد ( مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ) يقول ” أخذ الجيش بالتأكيد درساً من تجربة المرحلة الانتقالية . واليوم هناك عجز من السلطة والمعارضة في إدارة البلاد ، وهذا كله أدي استدعاء الشعب للجيش مرة أخري ، خاصة بعد موقفه المشرف من أهل مدن القناة خلال حظر التجول وإعلان حالة الطوارئ . من هنا بدأ الجيش يستعيد صورته الايجابية في عيون المواطنين البسطاء ، ويمارس دوره في حماية الأمن القومي ويغلق الأنفاق مع غزة ، وبدت الصورة أن الجيش أقرب للناس من الشرطة ، وبدأ الشعب يوقع توكيلات ليدير الجيش البلاد . والجيش سيتحرك في حال تأزم المشهد واستمرار الصراع بين القوي السياسية مما يؤدي إلي انهيار الدولة “.

ويضيف د. أحمد دراج عضو جبهة الانقاذ الوطني .. ” لم يكن علينا في السابق أن نقول يسقط حكم العسكر ، ولا يجب الآن أن نستدعي الجيش للمشهد السياسي ، فهو استدعاء يدل علي فشل كل الأطراف في الدولة ، فجميعنا فاشلون إذا كان خلاص الثورة باستدعاء الجيش.

وقال د.علي السمان رئيس الاتحاد العالمي للثقافات والحوار بين الأديان .. ” استبعد تدخل الجيش إلا إذا بلغت المخاطر درجة كبيرة من الانفجار ، وجاء طلب التدخل صريحا واضحاً كمطلب شعبي ورسمي ، وفي ذلك الوقت لن ينسي الجيش حينئذ أن يقيم التوازن بين ما يمكن أن يطلب منه وواجبه الأساسي في حماية حدود مصر المهددة “.

وطبقاً لما نشر حول لقاء الفريق عبد الفتاح السيسي مع جون كيري وزير الخارجية الأمريكية خلال زيارته لمصر، فقد أكد السيسي أن القوات المسلحة المصرية ملك لجميع طوائف الشعب المصري ، ولن نتدخل في المشهد السياسي إلا إذا رأت أن هناك مخاطر تهدد الأمن القومي المصري ، لكن خلاف ذلك فهي بعيدة عن المعترك السياسي ومنحازة فقط للشعب دائماً وفقاً لعقيدة القوات المسلحة التي لا تتجزأ . وأضاف السيسي ” ليس معني أن القوات المسلحة أكدت أنها لن تتدخل في السياسة أنها سوف تجلس في مقاعد المتفرجين لأن ذلك غير صحيح ، لأنه إذا ساءت الأمور فدور القوات المسلحة هو حماية الوطن وحماية المنشآت الحيوية وحماية المواطنين “.

الخلاصة أن تدخل القوات المسلحة في المشهد السياسي وتوليها أو مشاركتها في إدارة وحكم البلاد وارد في حالة انهيار الدولة المصرية وتهديد الأمن القومي . والمشكلة أن تفكيك الدولة المصرية وانهيارها أحد أهداف سلطة جماعة الإخوان لتقيم بدلاً منها دولة المرشد أو دولة الإخوان أو الدولة الدينية . والسياسة التي يطبقها د.محمد مرسي والجماعة منذ صعودهم للسلطة تمثل تهديداً متصاعداً للأمن القومي المصري.. وليس هناك طريق لوقف خطر الدولة الدينية وخطر استبدالها بالدولة العسكرية إلا بعمل مشترك بين الأحزاب والقوي السياسية والحركات الاحتجاجية والاجتماعية والنقابات من أجل حماية الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة وإسقاط دولة المرشد .

وهذا هو التحدي الذي تواجهه جبهة الإنقاذ وكل القوي الديمقراطية .

التعليقات متوقفه