د. رفعت السعيد يكتب : مصر والمرأة في مواجهة التأسلم «10»

56

ونبدأ في متن كتاب «تحرير المرأة» بعد أن طالعنا بعضا من الأفكار العامة التي أوردها قاسم أمين فيما اسماه «التمهيد» وهنا يتعين علينا أن ندرك الفارق بين أن يخوض ليبرالي معركة كمعركة تحرير المرأة بأفكار عامة وأقوال نظرية، فهنا تأتي الأفكار مرتاحة لأنها تخلو من التفاصيل والمواقف العملية.

أما في المتن فالمحاذرة فيما هو تفصيلي وعملي قد تفرض علي الليبرالية بعضا من المحاذرة والبحث عن سد الذرائع وعن ثقب ابرة تنفذ منه الكلمات ولنبدأ معه في الفصل الاول والذي أتي بعنوان «تربية المرأة» وهو ما نري انه عنوان يحمل اكثر من معني وتقرأ «المرأة وما أدراك ما المرأة. انسان مثل الرجل لا تختلف عنه في الاعضاء ووظائفها ولا في الاحساس ولا في الفكر ولا في كل ما تقتضيه حقيقة الانسان من حيث هو انسان اللهم إلا بقدر ما يستدعيه اختلافهما في الصنف ثم «ولا يزال عندنا اناس يعتقدون ان تربية المرأة القراءة والكتابة غير واجبين، بل انهم يتساءلون هل هو مما يجوز شرعا أو هو محرم بمقتضي الشريعة؟ ويمضي قاسم أمين «ففي رأيي ان المرأة لا يمكن أن تدير منزلها الا بعد تحصيل مقدار معلوم من المعارف العقلية والادبية، فيجب أن تتعلم التعليم الابتدائي علي الأقل (تراث قاسم أمين المرجع السابق ص234).

ونواصل القراءة «فلأن النساء في كل بلد يقدرن بنصف سكانه علي الأقل فبقاؤهن في الجهل حرمان من الانتفاع بأعمال نصف عدد الأمة. ولا شيء يمنع المرأة المصرية من ان تشتغل مثل الغربية بالعلوم والآداب والفنون الجميلة والتجارة والصناعة إلا جهلها وإهمال تربيتها و «المرأة محتاجة الي التعليم لتكون انسانا يعقل ويريد» ذلك ان العلم هو الوسيلة الوحيدة التي يرتفع بها شأن الانسان من منازل الصنعة والانحطاط إلي مراقي الكرامة والشرف ثم يتساءل «أي نفس حساسة ترضي بالمعيشة في القفص مقصوصة الجناح مطأطأة الرأس مغمضة العينين وهذا الفضاء الواسع امامها والسماء فوقها والنجوم تلعب ببصرها وارواح الكون تناجيها وتوحي اليها الآمال والرغائب في فتح كنوز اسرارها (ص239)

وكأن قاسم امين يشبه المرأة الجاهلة مقصوصة الجناح بكائن بلا عقل يعي أبسط حقائق الكون.. فتبقي مغمضة العينين لأنها مغمضة العقل ثم يؤكد «ان التكاليف الشرعية تدلنا علي أن المرأة وهبت من العقل مثل ما وهب الرجل أيظن رجل لم يعمه الغرض ان الله قد وهبها من العقل ما وهبها عبثا وانه أتاها من الحواس وآلات الادراك ما أتاها لأجل أن تهملها ولا تستعملها؟

وينعي قاسم أمين علي المسلمين «لانهم يقولون ان النساء ربات الخدور يعمرن المنازل.. وان وظيفتهن تنتهي عند عتبة باب البيت.. ولو تبصر المسلمون لعلموا ان اعفاء المرأة من أول واجب عليها وهو التأهل لكسب ضروريات هذه الحياة بنفسها هو السبب الذي جر ضياع حقوقها، بأن الرجل لما كان مسئولا عن كل شيء استأثر بالحق في التمتع بكل حق ولم للمرأة حظ في نظره الا كما يكون لحيوان لطيف يوفيه صاحبه من يكفيه من لوازمه تفضلا منه علي أن يتسلي به ثم «ولقد مضت اجيال عندنا والمرأة خاضعة لحكم القوة مغلوبة لسلطان الاستبداد من الرجل وهو لم يشأ ان يتخذها إلا شيئا صالحا لخدمته مسيراً بارادته، وأغلق في وجهها باب الكسب بحيث آل أمرها إلي العجز عن تناول وسيلة من وسائل العيش بنفسها ولم يبق أمامها من طرق العيش الا ان تعيش إما زوجة أو مفحشة (ص240)

ولا يلبث قاسم امين بعد ذلك ان ينقلب علي المرأة فيهاجمها قائلا اضلت المرأة عقلها في ظلمات الاجيال الماضية ففقدت رشدها وادركها العجز عن تناول ما تشتهي من الطرق المسنونة واضطرت الي استعمال الحيلة واخذت تعامل الرجل وهو سيدها وولي أمرها كما يعامل المسجون حارس سجنه والحفيظ عليه، ونمت فيها ملكة المكر الي غاية ليس وراءها منزع فاصبحت ممثلة ماهرة، ومشخصة قادرة تظهر في المظاهر المتضادة والألوان المختلفة في كل حال بحسبها وكل ذلك لا عن عقل وحكمة وانما هي حيل الثعالبه (ص241)

وهكذا وكأن قاسم امين يطالب للمرأة بالتعليم ليس لأنه حق اصيل لها يمكنها ان احتاجت من العيش الكريم وانما يكون التعليم اتقاء لشر مكرها ولحيل الثعالب ويمضي قاسم أمين بنا الي ساحة الدين ليلتمس منها عطفا علي المرأة فيقول «جاء في القصص الدينية المسطورة في الكتب السماوية ان الله خلق حواء من ضلع آدم وفيه علي ما أظن رمز لطيف الي أن الرجل والمرأة يكونان مجموعا واحدا لا يتم إلا باتحادهما ثم هو يمضي بالعلاقة بين الزوج والزوجة إلي مجال العلاقة الزوجية مؤكدا انها إلي تلاشي في مذاقها وفي انجذابهما إلي بعضهما البعض فيقول لكن هذا الانجذاب المادي لا يلبث مدة حتي يأخذ في التلاشي ويتناقص شيئا فشيئا فمهما كانت شدة الرغبة عند أول التلاقي فهي صائرة الي الزوال وكذلك ومن البديهي ان تكرار لذه بعينها مهما كانت يفضي في الغالب إلي فقد الرغبة فيها فيأتي زمن لا تنتبه الاعصاب لها لكثرة تعودها عليها ثم هو يلوم المرأة «فأكثر النساء لم يتعودن تسريح شعرهن كل يوم، ولا علي الاستحمام اكثر من مرة في الاسبوع ولا يعرفن استعمال السواك ولا يعرفن كيف تتولد الرغبة عند الزوج وكيف يمكن تنميتها وكيف تكون موافاتها، ومرة أخري فإن الامر يحتاج ان تنال المرأة حق التعليم كي تعرف كيف تكون زوجة مقبولة في زوجها في فراشها وليس لانها انسانة يجب ان تتعلم لكن قاسم أمين يعود ليتحفظ ربما اتقاء للهجوم عليه من غوغاء التخلف فيقول «ولست ممن يطلب المساواة بين المرأة والرجل في التعليم فذلك غير ضروري وانما أطلب الآن ان توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي علي الاقل (ص260)

ثم يقول «يعتقد الرجال ان النساء اعوان ابليس ولا تسمع منهم إلاذما لخصالهن وتنقيصا لعقلهن وتحذيرا من مكرهن وأنا ابريء النساء من ذلك ولكن أري التبعة ليست عليهن بل علي الرجال».

ونواصل مع «تحرير المرأة»

التعليقات متوقفه