إسرائيل وأمريكا تعيدان حساباتهما.. الثورة المصرية الجديدة تحدث زلزالاً إقليمياً

31

أحمد سيد حسن

الثورة المصرية الجديدة لا تستهدف إسقاط حكم الإخوان فقط، وإنما تغيير الأوضاع الاستراتيجية في الشرق الأوسط، التي شهدت تغيرا كبيرا لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، والأنظمة العربية التي تحكمها أنظمة «متأسلمة» وتلك التي تدعم هذه الأنظمة وتعمل علي تغيير الصراع في المنطقة من صراع عربي – إسرائيل إلي صراع مذهبي سني – شيعي.

كانت كل المعطيات في المنطقة تشير إلي استمرار عدم التوارث الاستراتيجي في المنطقة، فالجيوش العربية خرجت من الساحة تماما عدا الجيش المصري الذي حافظ علي قوته وقدراته القتالية وجاهزيته العسكرية بعد ثورة 25 يناير، فسقط الجيش السوري في ساحة حرب أهلية مذهبية مدمرة، نجحت خلالها منظمات تكفيرية مثل القاعدة وحليفاتها في استنزاف الجيش السوري في معركة مدمرة لقدرات سوريا، والنتيجة إخراج الجيش السوري لعدة عقود قادمة من ساحة إصلاح الخلل في التوازن العسكري مع إسرائيل.

وحتي «حزب الله» الفصيل المقاوم في لبنان ضد العدوان الإسرائيلي دخل في حرب الاستنزاف المذهبية في سوريا، مدافعا عن شقيقه الأكبر النظام العلوي، بدعم من إيران القوة الإقليمية «الشيعية» الكبري في المنطقة، والتي حاولت تصدير الأزمات والصراعات بعيدا عن حدودها وبالقرب من إسرائيل، فانفجرت الصراعات لدي أكبر حليفاتها في المنطقة سوريا وحزب الله.

وحتي المقاومة الفلسطينية التي كانت موحدة في إطار مواجهة إسرائيل تمزقت، وسبقت حركة حماس الجماعات الدينية الأخري في المنطقة في شن حرب داخلية سيطرت من خلالها علي غزة لتقيم إمارة إسلامية هناك.

إلا أن أسوأ أخطاء حركة حماس هي تورطها المباشر في أحداث الثورة المصرية الأولي في يناير 2011، عبر المساهمة والمساعدة في اقتحام السجون وأعمال العنف في القاهرة وسيناء بهدف مساعدة الإخوان «التنظيم الأم» علي الاستيلاء علي الحكم، في خطة أشبه بخطة الاستيلاء علي غزة، وإسقاط السلطة الفلسطينية وطردها من القطاع.

ومن بعيد لا تبدو أحوال بقية الجيوش العربية التي حاربت إسرائيل في وضع أفضل فالجيش العراقي جري تفكيكه بعد احتلال العراق، وتمت إعادة بنائه علي أساس طائفي مذهبي، وبعد خروج هذا الجيش لاحتلال الكويت عام 1990، لن يخرج أبدا من حدود العراق لعدة عقود قادمة علي وجه التأكيد، خاصة بعد تغير عقيدته القتالية وأهدافه الاستراتيجية وتقوقع العراق داخل حدوده، في محاولة لاستمرار هذا البلد موحدا لأطول فترة ممكنة.

والجيش الأردني منشغل بحماية النظام الملكي الذي بات مهددا من التظاهرات الاحتجاجية والمطالبات بانفتاح ديمقراطي حقيقي، ولكن السيطرة العشائرية والقبائلية علي هذا الجيش وتغلغل المخابرات داخله لا ترشحه أبدا للتحرك ضد نظام الحكم، حيث لم يقم الجيش بأي حركة تمرد كبيرة في تاريخه ضد الأسرة الهاشمية وذلك من أيام الملك عبدالله ثم الملك حسين وأخيرا الملك عبدالله الثاني.

والجيش اللبناني بدوره يعيش في إطار الصراعات الداخلية محاولا أن يبقي إطارا للتعايش المشترك، بينما الجيش الليبي قد تمزق إلي ميليشيات متصارعة، والجيش التونسي أضعف من أن يقوم بدور سياسي في بلاده، والجيش الجزائري أنهك في «العشرية الحمراء» أيام الحرب علي جبهة الإنقاذ الإسلامي والتنظيمات الجهادية المسلحة التي قتل فيها أكثر من مائة ألف جزائري، ولا يريد هذا الجيش صاحب الامتيازات الكبيرة العودة إلي أي صراعات، ويري تقليديا أن ميزان التوازن مع إسرائيل بعيدا عنه، ويركز معظم اهتماماته علي مواجهة المغرب جارته اللدود مع استمرار الخلافات حول إقليم الصحراء الذي تحكم جزء منه جبهة البوليساريو، كما يركز بقية اهتماماته علي مواجهة من الجماعات الجهادية التكفيرية التي هاجمت أحد حقول النفط، وقتل فيها عدد من الخبراء والعمال الأجانب لدي محاولة تحريرهم.

والجيش السوداني خسر الحرب مع الجيش الشعبي لتحرير الجنوب، ويخوض عدة حروب خاسرة في كردفان ودارفور وتحول إلي جبهة أساسية وهي حماية نظام البشير في الخرطوم، بعد أن نجحت قوات الجيش الشعبي في الشمال في اقتحام الخرطوم منذ عامين في عملية عسكرية خاطفة انتهت بالفشل.

وحدة الجيش المصري الذي خرج من ثورة يناير قويا، وعلي الرغم من تعرضه للإنهاك جراء الانغماس في إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية، التي انتهت بشكل مأساوي بإبعاد مهين لقائده العام المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان، إلا أنه سرعان ما استعاد وضعه الطبيعي في معادلة وحسابات القوة في مصر، وعاد مرة أخري بناء علي تفويض شعبي عارم لتصحيح خطأه بتسليم الحكم للإخوان، لاستعادة الحكم منهم مرة أخري وإعادة القرار للشعب ليختار من جديد، علي ضوء فشل الإخوان الذريع ولإيقاف مخطط أخونة البلاد بالكامل، في ظل انهيار ضرب جميع المجالات وإغلاق طرق الحياة السياسية الديمقراطية لأخونة النظام والدولة والمجتمع ومن شأن العودة القوية للجيش المصري لتعديل توازنات القوي في الداخل وتصحيح الخلل الكبير في هذه التوازنات، إعادة الدور الوطني لمصر في المنطقة العربية، والمساعدة علي دفع القوي الوطنية والديمقراطية علي الطريق نفسه، بعد أن كادت تفقد الأمل في تعديل الموقف مع جماعات الإسلام السياسي.

ولا شك أن الثورة المصرية الجديدة ستشكل ضربة للجماعات التكفيرية الطائفية في سوريا، وستقدم نموذجا للجيش الوطني السوري «الجيش الأول» من «الجيشين الثاني والثالث» في مصر، لكي يقدم حلا للصراع الدائر في سوريا وإيقاف شلالات الدم، والتوجه نحو بناء نظام ديمقراطي تعددي.

ولعل الاستقبال العربي الهائل خاصة في لبنان وسوريا وليبيا وتونسي للثورة المصرية الجديدة، يشكل رسالة بأن ما يحدث في مصر سيكون ملهما لتلك البلدان التي تتخبط وتعيش فترات انتقالية عصيبة.

ولابد أن إسرائيل والولايات المتحدة اللتان استراحتا من تدمير الجيوش العربية في حروب داخلية، تشعران الآن بالقلق الشديد فالرهان علي أنظمة التأسلم السياسي كسبيل لضمان مصالحهما توشك علي الانهيار، وسقوط نظام مرسي سيؤثر علي مسقبل إمارة حماس الهشة، وسيكون البديل توحيد الشعب الفلسطيني تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من جديد.

الجيش المصري سيعود إلي سيناء لتطهيرها من الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي وجدت في نظام مرسي مناخا مواتيا مشجعا للعمل، وستكون الأسابيع التي تلي انتصار الثورة في مصر هي نقطة الصفر لإعادة سيناء إلي الوطن الأم بتنمية حقيقية بعد عملية التطهير الشاملة، وما كانت تراهن عليه إسرائيل من فوضي شاملة في سيناء تؤدي إلي إعادة احتلالها لن يتحقق، وستصبح سيناء من جديد خط الدفاع الأقوي في مواجهة إسرائيل التي تخسر للمرة الثانية حليفا استراتيجيا هذه المرة محمد مرسي الذي التزم حتي بعدم ذكر اسمها علنا في أي مناسبة، مؤكدا أنه يتجاهل وجودها ويتجاهل أنها تشكل خطرا استراتيجيا علي مصر وحتميا باتفاقيات كامب ديفيد التي لم يجرؤ علي الاقتراب منها حتي لا يغضبها ولا يغضب الولايات المتحدة التي فقدت أيضا رئيسا ساهمت في صنعه.

الثورة المصرية الجديدة ستغير الكثير من الأوضاع والتوازنات الإقليمية في المنطقة، والفضل للشعب المصري الذي أعاد الجيش المصري من جديد إلي صدارة المشهد الوطني والاستراتيجي في المنطقة.

التعليقات متوقفه