حسين عبدالرازق يكتب : حلول عاجلة وأخري آجلة

34

هناك شبه اتفاق بين كل القوي والاتجاهات علي أن هناك قضيتين أساسيتين يحتلان الأولوية في برنامج حكومة د. حازم الببلاوي، وهما قضية تحقيق الأمن والاستقرار وقضية الأزمة الاقتصادية والمالية، وكما يبدو فتحقيق الأمن هو القضية الأسهل، ففي الفترة الماضية تحققت خطوات معقولة علي هذا الطريق وأهمها حالة الثقة والسلام بين المواطنين وجهاز الشرطة الذي تحول خلال عامين وخمسة أشهر من أداة قمع وبطش وإرهاب للمواطنين والثوار في 25 يناير، إلي حليف ومشارك ومساند للشعب وللثوار في جميع مدن وميادين مصر في 30 يونيو، أما الأزمة الاقتصادية فهي القضية الأصعب والتي تم اختيار «د. حازم» باعتباره يملك رؤية وخبرة اقتصادية رئيسا لمجلس الوزراء، وكذلك اختيار د. زياد بهاء الدين الذي كان رئيسا للهيئة القومية للاستثمار نائبا لرئيس مجلس الوزراء ليكون جهدها الأساسي منصبا علي حلول ناجزة لهذه الأزمة.

وأبعاد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تبدو واضحة للعيان من ازدياد عجز الموازنة العامة للدولة، وزيادة أقساط وفوائد القروض، وزيادة حجم الدين العام المحلي أو الدولي، وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، والتضخم وارتفاع الأسعار، وارتفاع نسب البطالة، وانضمام قطاعات جديدة إلي الفقراء، وانخفاض مستوي معيشة الطبقات الشعبية والوسطي، وتخفيض التصنيف الائتماني لمصر.

ويقول د. عبدالمنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية «الأهرام 11 يوليو 2013» إن مؤشر البطالة ارتفع إلي 5.13% من قوة العمل في مصر بعد أن كان في حدود 5.11% عام 2012 وانضم لسوق البطالة 1.1 مليون شاب عاطل في سن العمل خلال عام واحد، ويضيف أن معدل الفقر ارتفع في مصر إلي 5.25% من جملة السكان في عام 2013 بعد أن كانت المؤشرات الرسمية تقدره بـ 5.23% خلال عام 2012، وكذلك معدل التضخم وارتفاع الأسعار ليصل لأكثر من 5.17% خلال عام واحد، وانخفضت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخري ليسجل الدولار 70.7 جنيه في 30 يونيو 2013 في السوق السوداء و05.7 جنيه في البنوك بعد أن كان في حدود 95.5 جنيه في 30 يونيو 2012، كما زاد حجم الدين الداخلي والخارجي ليصلا معا في 30 يونيو 2013 إلي 45 مليار دولار أمريكي بعد أن استدانت مصر من قطر وتركيا والسعودية وليبيا وغيرها من الدول، وبلغ العجز في الموازنة العامة للدولة خلال العام 2012/2013 حوالي 187 مليار جنيه ويتوقع أن يرتفع إلي 200 مليار جنيه في 30 يونيو 2014 أي حوالي 90% من إجمالي الناتج المحلي، أي أننا دخلنا في مرحلة الخطر واحتمال عدم قدرة الدولة علي سداد التزاماتها وديونها.

وحكومة د. حازم الببلاوي مطالبة بمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية علي مستويين.. مستوي عاجل خلال 6 أشهر أو عام، ومستوي طويل المدي يتناول تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة خلال العقود الماضية والتي أنتجت هذه الأزمة.

وتشمل الحلول العاجلة إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2013/2014 لخفض العجز وتصحيح التوجه الاجتماعي لتحميل الأغنياء لا الفقراء أبعاد الأزمة وأن تصدر الموازنة الجديدة خلال ثلاثة أشهر من الآن، ورفع الحد الأدني للأجور إلي حوالي 1500 جنيه وخفض الحد الأقصي إلي حدود 15 ضعفا فقط، وتعديل النظام الضريبي بتخفيض الضرائب غير المباشرة ووضع نظام حقيقي للضرائب التصاعدية، والعمل علي تشغيل المصانع المتوقفة عن العمل والبالغ عددها 4200 مصنع ويعمل بها 2 مليون عامل، والتفاوض مع البنوك الدائنة للحكومة لتسوية هذه الديون وتخفيض قيمة الفوائد المحتسبة عليها والبالغ نسبتها 17%(!)، وطرح برنامج عاجل لمحاربة الفساد المالي والإداري.. إلخ.

أما علي المستوي طويل الأجل فلابد من تبني سياسة جديدة بديلة للسياسات التي تم اعتمادها منذ عام 1974 والقائمة علي انسحاب الدولة من الاستثمار والتنمية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين والرهان علي القطاع الخاص المحلي والأجنبي وحده وعلي آليات السوق الرأسمالي في تحقيق التنمية والتوازن في الأسعار، فقد ثبت فشل هذه السياسات التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية تحت اسم «التثبيت والتكيف الهيكلي».

وللأسف فلا أظن حكومة د. حازم الببلاوي قادرة بانحيازها الفكري والعملي للسياسات المفروضة من المؤسسات الدولية والولايات المتحدة، علي الخروج من أسر هذه السياسات وتبني سياسات جديدة في نطاق النظام الرأسمالي القائم، ولكن مع رؤية اجتماعية ناضجة تخفف من الآثار السلبية للرأسمالية المنفلتة والمتوحشة التي سادت وتسود في مصر منذ الرئيس الأسبق السادات ومن بعده مبارك والمجلس الأعلي للقوات المسلحة ثم د. محمد مرسي وجماعة الإخوان وحتي اليوم.

التعليقات متوقفه