قائمة نسبية غير مشروطة ضمانة لتمثيل الجميع

69

كتب المحرر السياسي:

فاجأت «لجنة الخبراء لتعديل دستور 2012» الأحزاب السياسية والرأي العام بإعلان انحيازها لنظام الانتخاب الفردي، والنص في «مشروع تعديل الدستور» – المادة 191 – علي أن تكون انتخابات مجلس الشعب والمجالس المحلية التالية لتاريخ العمل بالدستور بنظام الانتخابات الفردي، وبررت هذا الموقف بأن أغلبية الاقتراحات التي وردت بلجنة طالبت بالانتخابات بالمقاعد الفردية.

ويبدو أن اللجنة ساوت بين الاقتراحات التي تقدمت بها الأحزاب والاقتراحات المقدمة من آحاد الناس أو غير المنتمين للأحزاب السياسية ممن نطلق عليهم «المستقلين»، وهي ظاهرة شاذة خاصة بمصر!

فقد ارتبط نشوء الأحزاب السياسية في العالم بقيام واستقرار النظم الديمقراطية والاعتراف بالتعددية الفكرية والسياسية وإمكانية تداول السلطة عبر صندوق الانتخابات في انتخابات حرة نزيهة، وتتعدد وظائف الأحزاب من التجنيد السياسي إلي الرقابة علي السلطة التنفيذية والتنمية السياسية وتحقيق الاندماج القومي ودعم الشرعية والتعبئة، وصولا إلي ممارسة سلطة الحكم في حال فوزها في انتخابات حرة نزيهة طبقا للمعايير الدولية، فالأحزاب السياسية هي الإطار الطبيعي لممارسة المواطنين للعمل السياسي، ومنها تتشكل المجالس التشريعية والحكومات ورئاسة الدولة، لذلك نجد أن رؤساء الدول وأعضاء البرلمان والحكومة – في البلاد الديمقراطية – هم قيادات وأعضاء في الأحزاب السياسية وتكاد الدول الديمقراطية لا تعرف ظاهرة المستقلين في تشكيل مؤسساتها السياسية.

أما في مصر فالصورة مختلفة، فرغم وجود عشرات الأحزاب السياسية وبعضها له تاريخ طويل، وظهور الأحزاب السياسية في مصر منذ القرن التاسع عشر، فقد سيطرت علي الحياة السياسية في الفترة الأخيرة ظاهرة المستقلين، ففي انتخابات مجلس الشعب عام 1995 وصل عدد المرشحين المستقلين 2950 مقابل 1030 مرشحا للأحزاب وجماعة الإخوان، وفي انتخابات 2000 وصل عدد المستقلين الذين خاضوا الانتخابات إلي 3036 مرشحا مقابل 912 للأحزاب والإخوان، وفي انتخابات عام 2005 ارتفع عدد المستقلين إلي 4279 مقابل 825 مرشحا.. وهكذا.

ومنذ أثيرت قضية الانتخابات بالفردي أم بالقائمة النسبية غير المشروطة انحازت الأحزاب السياسية لنظام الانتخابات بالقائمة النسبية غير المشروطة، سواء قبل الثورة أو بعدها.

في ظل ما سمي بالحوار الوطني (مارس 2005) طالب 11 حزبا من بينها أحزاب المعارضة الرئيسية في ذلك الوقت «التجمع – الوفد – الناصري – العمل – الأحرار» بإجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية، لكن الحزب الوطني «الحاكم» أصر علي نظام المقاعد الفردية.

وبعد ثورة 25 يناير 2011 طالبت الأحزاب القائمة جميعا (34 حزبا) المجتمعة في «التحالف الديمقراطي من أجل مصر» ومن بينها جماعة الإخوان بإجراء الانتخابات النيابية بنظام القائمة النسبية غير المشروطة، وصاغت مشروع قانون لمباشرة الحقوق السياسية ومشروع قانون لانتخابات مجلسي الشعب والشوري بهذا النظام، وتقدمت بالمشروعين للمجلس الأعلي للقوات المسلحة لإصدارهما، ولكن المجلس ومستشاريه المدنيين لم يلتفت إلي مطالب الأحزاب، فأصدر المرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 لتعديل قانون انتخابات مجلس الشعب علي أساس الجمع بين نظام القائمة النسبية (58 دائرة يمثلها 252 نائبا بنسبة 50% من أعضاء المجلس» ونظام الانتخاب الفردي (26 دائرة يمثلها 252 نائبا بنسبة 50%) ورفضت الأحزاب جميعا هذا النظام وتمسك بنظام وحيد هو نظام القائمة النسبية غير المشروطة وحرية تكوين القوائم بين قوائم لحزب واحد أو مجموعة أحزاب أو مستقلين أو أحزاب ومستقلين..

وعاد المجلس الأعلي للقوات المسلحة إزاء ضغط الأحزاب وعدم دستورية مواد هذا المرسوم بقانون ليصدر المرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011 ليعتمد نظام الثلثين للقوائم والثلث للفردي في 25 سبتمبر 2011، ولتجري الانتخابات بالفعل بعد 15 يوما علي أساس هذا النظام الهجين، فبلاد العالم تأخذ بأحد النظامين، باستثناء أربع أو خمس دول جمعت بينها «النظام المختلط» لأسباب منطقية معروفة ومقبولة من مواطنيها وأحزابها السياسية، مثل ألمانيا الاتحادية التي جمعت بين النظامين لكونها دولة فيدرالية بين جمهوريات وولايات مختلفة، وهناك خشية من أن يؤدي نظام القائمة النسبية لعدم تمثيل إحدي الولايات أو الجمهوريات في المجلس التشريعي، ومن ثم لجأت إلي إضافة دوائر انتخابية بالنظام الفردي في كل الولايات والجمهوريات، واشترطت لفوز أي قائمة حصول مرشحيها الفرديين علي ثلاثة مقاعد علي الأقل، متلافية بذلك خطر غياب التمثيل البرلماني لأي جمهورية أو ولاية، وبالتالي تهديد وحدة البلاد، ومصر علي العكس دولة بسيطة مركزية وموحدة، لا توجد بها جمهوريات أو ولايات.

ونظام الانتخاب بالمقاعد الفردية الذي عرفته مصر منذ دستور 1923 وانتخاب مجلس النواب في 1924، هو أقدم نظام عرفه العالم، ورغم تميزه بمعرفة الناخبين لشخص المرشح «النائب» وقربه لهم وقدرتهم علي الاتصال به المباشر به وعرض مشاكلهم المحلية عليه وقدرته علي الإلمام بها، إلا أن عيوبه كثيرة، فهو يعطي السبق للعوامل الشخصية والذاتية للمرشح، وللعوامل التقليدية المتخلفة مثل الانتماء لعائلة أو قبيلة أو عشيرة أو كونه ابن القرية أو المدينة، وكذلك يلعب المال دورا كبيرا في ترجيح فوز المرشح، وقدرته علي تقديم خدمات شخصية ومحلية علي حساب البرامج والمشاكل العامة والقومية والمصالح العامة للمواطنين والمجتمع، ويتحول النائب في النهاية إلي «نائب خدمات» أقرب ما يكون إلي عضو المجلس المحلي.

علي العكس فنظام القائمة النسبية غير المشروطة يعلي من قيمة البرامج والخطط فالنائب ينتخب القائمة علي أساس البرنامج المطروح سواء كان برنامجا لحزب أو تحالفا حزبيا، ويفاضل بين هذه البرامج وتاريخ الحزب أو الأحزاب المكونة للقائمة ومواقفه السابقة والحلول التي يقدمها للمشاكل العامة في الوطن، وتتراجع للخلف العوامل الشخصية ودور المال واستغلال الدين.. إلخ.

والذين يروجون أن نظام القائمة سيؤدي لعودة الإخوان وحلفائهم للحكم يقعون في خطأين..

الأول أن فوز تيار سياسي غير ديمقراطي في الانتخابات مرة لا يعني التخلي عن هذا النظام الانتخابي، ففوز الحزب النازي في الانتخابات الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية وفوز الحزب الفاشي في إيطاليا، لم يؤد إلي التخلي عن النظام الانتخابي في أي من البلدين، فالشعوب تتعلم من أخطائها.

الثاني أن إمكانية فوز مرشحي الإخوان في القوائم أكبر من إمكانية فوزهم في الدوائر الفردية، ففي انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، حصل حزب الحرية والعدالة علي 127 مقعدا من 364 مقعدا خصصت للقوائم بنسبة 89.34%، بينما حصد 105 مقاعد من 182 مقعدا خصصت للدوائر الفردية بنسبة 69.57%، وفي ضوء هذه الحقائق فالمرجح أن تتمسك الأحزاب وكل القوي الديمقراطية في لجنة الخمسين لصياغة الدستور بنظام القائمة النسبية غير المشروطة وبنسبة 100%.

التعليقات متوقفه