بعد عرضه حذف المادة 219 مقابل تعديل المادة الثانية ..القوي السياسية ترفض مبادرة حزب النور وتصفها بالمناورة والابتزاز السياسي

31

تحقيق:نجوي إبراهيم

أثارت مبادرة حزب النور التي طرحها مؤخرا بسام الزرقا القيادي بالحزب وأحد ممثلي التيار الإسلامي بلجنة تعديل الدستور وتتلخص في ترحيب الحزب بإلغاء المادة 219 مقابل تعديل المادة الثانية من الدستور بإلغاء كلمة مبادئ والنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.. أثارت هذه المبادرة غضب العديد من القوي المدنية والسياسية مؤكدين أنها مناورة جديدة من قبل حزب النور.

وأشاروا إلي أن ما يتعلق بمواد الشريعة يجب أن يكون الأزهر وممثلوه في لجنة الخمسين هما المرجعية الرئيسية فيه فضلا عن اتجاه أغلبية أعضاء اللجنة نحو بقاء المادة الثانية وفقا لصياغتها الحالية دون تعديل مع حذف المادة 219.

مناورة جديدة

وكان حزب النور السلفي قد لجأ إلي هذه المناورة الجديدة بعد موجة الرفض الشديدة للمادة 219 التي تمسك بها الحزب وحاول تصويرها علي أنها مادة الهوية الإسلامية في حين أكد ممثلو الأزهر الشريف داخل لجنة الخمسين ومنهم د. سعدالدين الهلالي رأوا أن المادة 219 لن تعمل علي تطبيق الشريعة الإسلامية مشيرا إلي أن المادة الثانية كافية تماما للتأكيد علي هوية مصر الإسلامية.. ولكن اعتبر «د. ياسر برهامي» – نائب رئيس الدعوة السلفية – أن كلمة مبادئ مصطلح فضفاض وليس له معني محدد في اللغة والشرع الإسلامي.. وتناسي «د. برهامي» أن هناك حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 119 لسنة 21 قضائية عام 2004 يفسر صياغة نص المادة الثانية موضحا أنه لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها وطبقا للحكم فإن المادة الثانية من الدستور يتصرف نصها إلي أحكام الشريعة القطعية ثبوتا ودلالة فحسب ولا تتعلق بالأحكام الظنية أو المختلف عليها.

متاهات التفسير

وهذا ما أكدته الناشطة السياسية د. كريمة الحفناوي قائلة إن مبادئ الشريعة الإسلامية لا يختلف عليها أحد فهي الأحكام قطعية الثبوت والدلالة كما أكدت المحكمة الدستورية إما مناورة حزب النور فهي مرفوضة ولن يوافق عليها أحد.

وأوضحت أن حزب النور يريد تحويل مصر من دولة مدنية إلي دولة دينية مشيرة إلي أن إلغاء كلمة مبادئ يدخلنا في متاهات لا حصر لها.

وطالبت «كريمة الحفناوي» حزب النور أن يكف عما وصفته بأنه «لف ودوران» والتظاهر بأنه حامي الهوية الإسلامية لمصر لأنه لن يستطيع الضحك علي أعضاء لجنة الخمسين، كما فعل خلال لجنة تعديل الدستور السابق وأصر علي وضع المادة 219 في الدستور الإخواني المعطل.

مصطلح مبهم

أما «ثروت الخرباوي» المفكر الإسلامي والقيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين فأكد أن كلمة الشريعة الإسلامية كلمة مبهمة لأسباب عديدة فالشريعة تتضمن النصوص الثابتة والقرآن والسنة وكذلك أحكام الفقهاء المتغيرة علي مدار العصور والأزمنة وإذا ما قلنا الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لن تستطيع تطبيق مفهوم الشريعة الفعلي لأننا سندخل في جدل الشريعة بأي رأي وبأي فقه وبالتالي كلمة «مبادئ» هي الأصح لأنها تتحدث عن مقاصد الشريعة العليا سواء ما يتعلق بالحرية والعدالة والمساواة.

وأضاف «الخرباوي» أن المقاصد معروفة وتطبيقها يرجع إلي المحكمة الدستورية هي التي في يدها تطبيق هذا ولكن التغيير الذي يريده حزب النور هو غل يد المحكمة الدستورية في الاجتهاد ويجعلها مقلدة لاجتهاد الفقهاء الأوائل ونحن نرفض ذلك تماما.

المشروع الوهابي

وأكد «الخرباوي» أن هوية مصر الإسلامية معروفة منذ آلاف السنين سواء وضعت مادة في الدستور أو حذفت مواد الهوية الإسلامية، ولكن المشكلة أن حزب النور يريد طمس الهوية الإسلامية لمصر ووضعنا في إطار المشروع الوهابي.

وحذر من خطورة الانسياق وراء ألاعيب حزب النور مشيرا إلي أن ما يطلبه حزب النور مرفوض تماما وإذا وافقت لجنة الخمسين علي هذا الهراء سأكون أول معارض لها وسوف ألجأ إلي كل الوسائل القانونية الممكنة لمعارضة ذلك لأن الدخول في تفصيلات الشريعة الإسلامية وترك المبادئ الكلية من شأنه أن يجعلنا دولة تابعة للمشروع الوهابي.

دور الوسيط

ومن جانبه أكد الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي – القيادي بحزب الكرامة – أن حزب النور منذ ثورة 30 يونيو وهو يحاول أن يلعب دور الوسيط بين جماعة الإخوان والجماعات المتطرفة وبين النظام، ويريد أن يقوم بدور البديل لجماعة الإخوان وأعتقد أن كل محاولاته في الدستور هي محاولات فاشلة خاصة أن هناك إجماعا داخل اللجنة علي إلغاء المادة 219 والإبقاء علي المادة الثانية كما هي دون تعديل.

وأضاف أن مناورة حزب النور الأخيرة يريد بها أن ينسف ما استقر في القضاء الدستوري في تعريف الشريعة الإسلامية الواردة في الدساتير المصرية بداية من دستور 71 وحتي الآن للعبث بمفهوم الشريعة والدخول بنا في متاهات مشيرا إلي أن المحكمة الدستورية قالت مبادئ الشريعة وحددت المقصود بالمبادئ وهي الأحكام قطعية الثبوت والدلالة وكان الخطاب هنا للمشرع وليس للمواطن وبالتالي فهذه المادة تنعكس علي القوانين التي تصدر من السلطة التشريعية فحسب ولكن حزب النور يريد العبث بهذا النظام فيطرح أولا المادة 219 التي تنقلنا من مفهوم مبادئ الشريعة الإسلامية لتلقي بنا في متاهات الفقه الإسلامي ويختار حزب النور ما يريده من المذاهب الفقهية سواء المذهب الوهابي أو ابن تيمية أو غيرهما.

وأكد «الإسلامبولي» أن هذه المناورة فاشلة وإذا كان النور يريد التغيير بغرض التوضيح فيمكن أن نقول مقاصد الشريعة ولكنه سوف يرفض ليفتح الباب إلي المفاهيم الفقهية.

وأشار إلي أن هذه المناورة سبق وأن طرحها حزب النور أثناء صياغة دستور 2012 ورغم رفضها بشدة وعلي حزب النور أن يعلم أن ما يطلبه مرفوض وأن المادة 219 مرفوضة أيضا وتابع وإذا أراد الاستمرار في العمل السياسي كحزب عليه ألا يخلط بين الدين والسياسة ويترك هذه المناورات والألاعيب التي يستخدمها أما إذا أراد العمل الدعوي فيترك السياسة تماما.

مرحلة حرجة

وذكر «كمال ناظر» – المفكر القبطي والباحث في الشأن الوطني ومنسق التيار العلماني – أن المادة الثانية كانت محل جدل قبل مجيئ الإخوان وقبل وضع دستور 2012 وكان الاتجاه العام في التيار المدني هو إلغاء هذه المادة لأنها تعطي انطباعا بأن الدولة دينية وهذا كان موجودا في ظل العصور الوسطي فحسب ولكن الآن مصر تمر بمرحلة حرجة والبلد تتعرض لحالة من العنف المؤدي إلي تفتيتها ولذلك قبلنا بوجود هذه المادة، والاتفاق علي مبادئ الشريعة الإسلامية لأنها في النهاية مبادئ سوف تتفق مع مبادئ الأديان الأخري حتي الأديان الوضعية.

والحديث عن تعديل المادة الثانية بحذف كلمة مبادئ يجعلنا ندخل في اشتباك يؤدي بنا إلي ما لا يحمد عقباه ولتبقي المادة الثانية كما هي الآن خاصة أنها موجودة منذ دستور 71 وظلت بعد تعديلها بإضافة الألف واللام في دستور 81 وأخيرا في دستور 2012 وعلي مدار هذه الفترة لم تشهد البلاد أي خروج علي الشريعة الإسلامية فما الذي جد علينا؟!

وكيل حصري

وأضاف «زاخر» أن حزب النور في تقديري الوكيل الحصري لجماعة الإخوان وما يقوم به الهدف منه تضييع الوقت وإعاقة خارطة المستقبل ليبقي الوضع علي ما هو عليه.. وأوضح أنه يعترض علي مشاركة حزب النور في لجنة الخمسين خاصة بعد اتجاه لجنة الـ 10 نحو حظر قيام الأحزاب علي أساس ديني أو مرجعية دينية فكيف يمكن أن يتسق هذا مع مشاركة حزب مؤسس علي أساس ديني في صياغة تعديلات الدستور؟ فنحن نناقض أنفسنا.. وأكد «زاخر» أننا أمام دستور مؤقت في مرحلة مؤقتة وقال أتصور أن يتم تغيير الدستور مرة أخري بعد استقرار الأمور ليصبح أكثر مدنية.

ابتزاز سياسي

واعتبر «أحمد بهاء الدين شعبان» – المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير – أن حزب النور يقوم بعملية ابتزاز سياسي منذ السقوط المدوي لجماعة الإخوان مشيرا إلي أن طموحات الحزب تتمثل في أن يصبح بديلا للإخوان ويحتل مكانهم في السلطة الماضية، ويتصور حزب النور أن الحكم الآن في حاجة إلي عباءة إسلامية لكي تعطيه ختم المشروعية ولذلك يظن أنه صاحب القدرة علي التحكم في مسار الأحداث وللأسف يجد من يعطيه الشرعية ويستمع إليه ويحرص علي تواجد في المشهد السياسي وهذا الأمر علي درجة بالغة من الخطورة وتابع قائلا: إن حزب النور يمارس الابتزاز السياسي ويفرض شروطه علي لجنة الخمسين وهذا الأمر ينذر بانهيار العملية الديمقراطية خاصة وأن جوهر الديمقراطية هو القدرة علي صياغة نظام سياسي ديمقراطي مدني لا يخضع لابتزاز أي حزب ولا يقبل بإعادة إنتاج النظام السابق بزج الدين في صلب العملية السياسية.

وأوضح «بهاء شعبان» أن حزب النور يريد إعادة ما فعله أثناء صياغة دستور 2012 وفرضه للمادة 219 علي القوي المدنية واصفا مطلب حزب النور بأنه حيلة جديدة لإعادة إنتاج المادة 219 علي نحو أكثر حدة لأن القول إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع يعني الشريعة بكل تفريعاتها واجتهادات الفقهاء الإيجابية والسلبية المعتدلة والمتشددة.

وينهي حديثه مؤكدا أن المادة الحالية كافية وتتفق مع صحيح الدين وعليها إجماع داخل لجنة الخمسين ومن كل القوي الوطنية والمدنية بالإضافة إلي ممثلي الكنائس وطالب حزب النور أن يتخلي عن هذا الابتزاز.

التعليقات متوقفه