عندما تغيب الدولة عن الصف وأطفيح «1»

43

تحقيق : خالد عبدالراضي – تصوير : خالد سلامة

أدرنا ظهورنا للعاصمة متجهين نحو مركز الصف، الواقع علي بعد 30 كيلو مترا جنوب حلوان، لتتلاشي الدولة ومؤسساتها مع كل خطوة نخطوها في طريقنا الي بقعة جديدة من أرض مصر، يمتزج فيها الفقر والجهل بالتهميش والإهمال الحكومي، لتسير الحياة هناك بدماغ الفهلوي وذراع البلطجي في غياب تام للدولة، التي تظهر كل حين بعد وقوع الكوارث لاطلاق الوعود ولطم الخدود، قبل أن تغيب مجددا وتتركها فريسة البلطجة والإهمال.

لم يحتفل أهالي عزبة الجمال التابعة لمركز الصف، بعيد الأضحي مثل باقي المصريين، حيث تسببت مياه الصرف الصحي في إغراق القرية وعشرات الافدنة الزراعية والمنازل، خلال أول وثاني أيام العيد، بعد انهيار الجسر الترابي بترعة الصف نتيجة ارتفاع منسوب المياه بها عن المعدلات الطبيعية، وفوجئ أهالي القرية بفيضان مياه الصرف الذي أطاح بزراعتهم والماشية والطيور، وسط تجاهل المسئولين لهذه المشكلة منذ زمن بعيد، رغم خطورتها علي حياة المواطنين والعديد من المطالبات بإنشاء جسور خرسانية.

بات علي رأس أحلام الأهالي هناك أن تصل شبكات الصرف الصحي الي مركز الصف وأطفيح، فالجميع هناك يعتمد علي بيارات تخزين مياه الصرف الخاصة بكل منزل، والتي تقوم سيارات مخصصة بتفريغها مرتين شهريا مقابل 15 جنيها للمرة، وفي أغلب الأحيان تأتي هذه السيارات متأخرة بعد أن تغرق المنازل والشوارع بمياه الصرف الصحي، وقال الأهالي إن هذة السيارات تقوم بالتفريغ في ترعة الصف، وهو ما ادي الي ارتفاع منسوب المياه بالترعة وعلي أثر ذلك انهار الجسر الذي أغرق عزبة الجمال، محذرين من تكرار الحادثة في العديد من المناطق القريبة من الترعة.

تجارة السلاح

اتجهنا الي مجمع الشرطة والاسعاف بالصف، لنجد أمام أعيننا مبني محطما يظهر عليه اثار الحريق والرصاص بفعل الهجوم الاخواني عليه بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، حيث استمرت الاشتباكات بين قوات أمن شرطة الصف والمسلحين 6 ساعات متواصلة، الي أن نفدت ذخيرة الشرطة وقام المسلحون باقتحام القسم وإحراقه ومركز الاسعاف، قبل التوجه الي كنيسة العذراء والاعتداء عليها بالرصاص والمولوتوف والطوب وإصابة حارسها وتدمير مدخلها وواجهتها، ليشهد مركز الصف منذ ذلك اليوم غيابا أمنيا تاما، ما أدي الي انتشار البلطجة والسرقة وتجارة السلاح.

أشتهر مركز الصف في الآونه الأخيرة بتجارة السلاح وحسب قول الكثير من أهل المركز: “من الممكن ان تجد بيتا بلا تليفزيون لكن من المستحيل ان يخلوا من السلاح” وأرجع هؤلاء انتشار السلاح الي غياب الأمن وانتشار البلطجة والسرقة علي نطاق واسع بالمركز والقري التابعة له، حيث انتشرت خلال الفترة الاخيرة وبصورة لافتة سرقة السيارات بالاكراه علي الطريق الصحراوي، بالاضافة الي ظاهرة التثبيت واختطاف النساء لطلب الفدية، والعديد من أشكال البلطجة وفرض الاتاوات في غياب تام للشرطة والجيش، ودون معين أومجيب لاستغاثات المواطنين، وهو ما اضطرهم الي حمل السلاح لحماية انفسهم وعائلاتهم وممتلكاتهم من البلطجية وقطاع الطرق.

ويكشف محمد عبد التواب، 27سنة، عامل في مقهي وأحد أهالي مركز الصف، عن أشهر معاقل البلطجة وسرقة السيارات وبيع السلاح هناك، حيث تشتهر بها “جبال عرب الحصار” التي أصبحت مركزا للسيارات المسروقة وبيع السلاح، ويفر اليها البلطجية والمطلوبون أمنيا هربا من قوات الامن ولاخفاء المسروقات، مؤكدا انهم يمتلكون مختلف أنواع الأسلحة الآلية الحديثة والأر بي جي، وهي ماتم استخدامها في مهاجمة قسم الشرطة ومركز الاسعاف، ليصبح مركز شرطة الصف هو الوحيد علي مستوي الجمهورية الذي استخدم البلطجية في الهجوم عليه قذائف ار بي جي، وأسلحة ألية تفوق قدرة الأسلحة التي تحملها قوات الأمن.

غياب الأمن

ويروي لنا عدلي جرجس، صاحب محل مشغولات ذهبية، وشقيق أحد ضحايا السرقة والبلطجة في الصف، تفاصيل الاعتداء علي شقيقة وقتله بعد سرقة كل متعلقاته قائلا : “ اخي له محل مجوهرات في اطفيح، وهو راجع يوم 30/9 الساعه 8:30 بعد أن أغلق محله كان عصابه مسلحة تتربص به، حيث ركب الي جواره في السيارة المتجهة الي الصف شاب صغير السن، وفور تحرك السيارة من الموقف، أخرج الشاب هاتفه المحمول وقال اتحركنا، وعند قرية “القبابات” أوقفت السيارة مجموعة مسلحة، وأنزلوه منها وأخذوا كل متعلقاته وضربوه 3 طلقات”، وأضاف جرجس، أنه دفع ضريبة الانفلات الأمني التي سيدفعها الكثير من أهالي الصف حال استمرار الاوضاع من سيئ الي أسوأ، وانتشار السلاح الي أن أصبح في متناول أيدي الأطفال.

وأضاف جرجس، أن الصف وأطفيح يشهدان يوميا حوادث سرقة سيارات علي الطريق الزراعي والصحراوي، وأصبح السارقون والمسلحون أغني من في المركز، وكل من يمتلك سلاحا يمتلك ثروة، حيث يخرج بالسلاح ويجني آلاف الجنيهات من وراء السرقة وتثبيت المواطنين أو حتي قتلهم، وعند طلب الشرطة لحمايتنا يكون الرد “وانتوا ما حميتوناش ليه لما البلطجية هجموا علي القسم” وتساءل جرجس: “هو مين المفروض يحمي الثاني؟!”.

مستشفيات الموت

قمنا بزيارة مستشفيات الصف وأطفيح التي مر عليها رضا شقيق عدلي جرجس قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفي القوات المسلحة بالقاهرة، لنجد أمامنا مباني قديمة متهالكه تخلوا من أي امكانات وتجهيزات طبية تسمح لها باستقبال حالات الطوارئ، وتقوم هذه المستشفيات في أغلب الأوقات بتحويل المصابين والمرضي الي مستشفيات القاهرة والجيزة، ويعاني أهالي الصف وأطفيح من سوء معاملة الأطباء لهم، وعدم وجود أغلب التخصصات بالمستشفيات وهو ما يجعلهم امام خيارين أحلاهما مر، وهو الذهاب الي القاهرة أو الكشف في العيادات الخاصة وانفاق الكثير من الأموال. كما أكد لنا عدد من المرضي الذين التقيناهم أمام بوابة مستشفي الصف أن الفئران والحشرات تنتشر في جميع أرجاء المستشفي، وجميع الحجرات والأسرة والأدوات والأجهزة الطبية متهالكة وتعاني الاهمال، مضيفين : “عشان نتعالج لازم نزعق ونتخانق مع الاطباء، وسمعنا الكثير من الوعود حول تطوير المستشفي، ومنذ بناء المبني الخلفي التابع لها، لا نعلم عنه شيئا ولم يتم الانتهاء منه وافتتاحه منذ سنوات”، مؤكدين ان الاهمال وسوء المعاملة هما العنوان المناسب لمستشفيات الصف وأطفيح. فيما قالت الدكتوره رانده محمد، الطبيبة بالمستشفي، أن الاطباء يرفضون المجيئ الي الصف ويعتبرونها منطقة نائبة، وهو ما يتسبب في غياب بعض التخصصات عن المستشفي مثل المخ والأعصاب، بالاضافة الي عدم توافر الامكانات الطبية اللازمة للكثير من الحالات، وهو ما يجلعنا نقوم بتحويل حالات كثيرة الي مستشفيات القاهرة وغيرها وذلك لمصلحة المريض، مؤكدة انهم يعملون قدر استطاعتهم والامكانيات المتاحة لهم، وأن الأطباء أيضا يعانون من الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل المواطنين وعدم توفير الحماية اللازمة لهم للقيام بأعمالهم.

..ونستكمل رحلتنا العدد المقبل

مركز الصف: هو أحد مراكز محافظة الجيزة ويقع جنوب حلوان بحوالي 30 كيلو مترا علي الشاطئ الشرقي لنهر النيل مقابل مركز العياط, ويشتمل علي أكثر من 30 قرية وعزبة وكفر، ويحد المركز من جهة الشمال منطقة ومدينة التبين، ومن الجنوب مركز أطفيح، ومن الغرب نهر النيل ومن الشرق صحراء البحر الأحمر، ومما يشتهر به مركز الصف مصانع الطوب الطفلي التي تنتشر  بصورة كبيرة فوق منطقة الصف وقرية أسكر والودي وعرب أبو ساعد وكذلك يشتهر المركز بمناطقه الزراعية ومصانعه المتعددة .

 يضم المركز ست وحدات محلية هي: 1. مدينة الصف 2. الأقواز 3. غمازة الصغري 4. الإخصاص 5. الشوبك 6. الودي ومعظم القري ومناطق المركز تقع علي شرق وغرب الطريق الصحراوي للصعيد والذي يربط المركز بالصعيد والقاهرة وحلوان. وقام الجيش بإنشاء طريق فوق المركز بحوالي 15 كيلو مترا يربط المركز بالقاهرة والطريق الدائري والأوتوستراد. ومشهور في التاريخ أن موسي ولد بقرية أسكر ،وأن قرية مسجد موسي بها مسجد كان يتعبد فيه، ومما هو مشهور أن الصف ومناطقها كانت متنزها للملوك والأمراء علي مر العصور والأزمان .

التعليقات متوقفه