ماجدة موريس تكتب : أم أحمد.. قاهرة الزمان

36

على كل الشاشات رأيتها مثل ملايين غيري.. وعلى كل الشاشات وجدتها تتلقى ضربات هذا البلطجى الإخوانى الشاب على وجهها فترد عليه بكل ما تملك من قوة، وهى المرأة العجوز.. وتحققت أمنيتى أن تتوقف الكاميرا عندها، وأن يجد بعض زملائنا التليفزيونيين فيها شخصية تستحق التوقف، والحوار والاستضافة فى الاستديو.. تماما كما يحدث مع “النخبة” التى لا تتوقف عن حوارات البرامج.. كانت القناة هى “التحرير” والبرنامج “الشعب يريد” لأحمد موسي، والسيدة “أم أحمد” بنفس هيئتها التى رأيناها عليها أمام مقر محاكمة الرئيس المعزول مرسي، نفس الفستان والطرحة ومعها الصورة التى استفزت البلطجى والتى تجمع بين جمال عبدالناصر وعبدالفتاح السيسي، أما حديثها فهذا هو الأهم والذى يكشف عن “حالة” من حالات الشوق المصرى العارم للعدالة والإنصاف، كما يكشف أيضا عن ذكاء فطرى لم يتلوث بمؤثرات سياسية أو تأسلمية أو ألاعيب “حلق حوش” التى مارستها وتمارسها بعض القوى السياسية قبل ثورة يناير وبعدها وصولا إلى اللحظة التى نعيشها الآن.. لقد بدت أم أحمد نموذج للشخصية المصرية المعبرة عن الأغلبية المطحونة، بل الأغلبية “المهروسة” بفعل سياسات فاشلة جعلتها تسكن هى وأسرتها فى غرفة واحدة تضمها مع ابنتيها وابن ثالث وزوجته كما اعترفت ومن ضمن اعترافاتها أيضا أنها لا تأكل اللحم “منين أجيب تمنه؟” وتستعيض عنه بأجنحة الدجاج، كانت ترد على أسئلة أحمد موسى بطلاقة، وبلا خجل أو إحساس بالعار فهذا هو الحال! وحين يسألها عن الثورة تبدى غضبها الشديد من 25 يناير وحتى الآن “فهى لم تحسن أحوالنا” تحكى أنها لبت النداء منذ اليوم الأول ونزلت التحرير، وذهبت للصندوق وانتخبت مرسي، ولم يحدث شيء بل أصبحت الأمور أسوأ، وبعد تجربة مريرة – وفقا لقولها – أدركت أن السياسة عالم واسع ملئ بالخداع، وأن عليها أن تواصل النزول للتعبير عن مطالبها بحياة أفضل، وأن تحمل صورة الرجل الذى أنصفها هى وملايين غيرها زمان مع صورة الرجل الثانى الذى أصبح أملها فى الإنصاف مجددا، أى عبدالناصر والسيسي، كان مقدم البرنامج متفاجئا من حديثها وحماسها بقدر ما فاجأته الخبرات التى عبرت عنها امرأة بهذه البساطة، والآراء التى قالتها والتى بدت فيها شديدة الانتماء واليقظة لبلدها الذى لم ينصفها، أما نحن المشاهدون، والذين لم يتصور كثيرون منا أن يرى بطلة “موقعة الضرب” الشهيرة أخباريا ضيفة لبرنامج مسائي، فقد تراوحت ردود أفعالنا ما بين دهشة الاكتشاف لشخصية رائعة، بل تفوق فى روعتها الكثيرين من أفراد النخب المقررة علينا، وما بين التهليل لكل فكرة تقولها، والآهات إعجابا بما تقول، وما بين تأمل هذه الحالة من النضج الفكرى والإنسانى لمواطنة تسكن القاع، وفقا للتصنيف الاجتماعى والطبقي، ولكنها تملك كبرياء القمة وقدرتها على الصمود والتحدى وإعلان الموقف، أنها تملك الوطن فعلا وليس زيفا بكل ما تمثله من محبة وتفاعل ودفاع عنه، ومع كل هذه القوة التى تمتلكها “أم أحمد” كما بدت من خلال الشاشة الصغيرة، فلم تتمالك نفسها من البكاء وهى تتلقى “رسالة محبة” من مشاهد قرر أن يهديها رحلة عمرة إلى الأراضى المقدسة.. بكاء أبكى من راعه كم الصدق الذى تتمتع به هذه المرأة فى كل لحظة جلست فيها أمامنا على الشاشة فى حلقة من أهم ما قدمته قنوات التليفزيون المصرى على مدار هذا العام.. خاصة أن مقدم البرنامج أدرك أهمية الشخصية والحدث فسعى إلى إتاحة الفرصة لها كاملة بلا مواربة أو غرور.

التعليقات متوقفه