المجلس القومي للتعليم هل ينقذ المناهج الدراسية من تقلبات السياسة وتغيير الوزراء !!

207

تحقيق : لبيبة النجار

تصاعد الجدل والنقاش في الأسابيع الأخيرة حول مستقبل التعليم ، والمخاطر التي يمكن أن تواجهه ، خاصة بعد ظهور أصوات تطالب بتحريم وإلغاء تدريس اللغات الأجنبية في المدارس والجامعات ، وبعد تنامي طموحات بعض التيارات الإخوانية والسلفية في السيطرة علي وزارات التربية والتعليم والبحث العلمي بهدف إنقاذها – كما يتصورون – من ضلال المناهج الغربية وفساد الدروس العلمية والمواد الفنية واللغات الأجنبية ، وإنقاذ المدارس والجامعات من مخاطر الاختلاط بين الصبيان والبنات ، ومخاطر جلوس المدرسين والمدرسات في الحجرات المشتركة للمدرسين ،

وبرز في هذا السياق خطر العدوان علي المناهج الدراسية وإخراجها من إطار الموضوعية العلمية ، وإغراقها في بحار أخري تأخذ التعليم بعيداً عن أهدافه الأساسية الوطنية والتربوية والإنسانية والأخلاقية والعلمية ، كعملية لبناء المواطنين القادرين علي بناء الأوطان علي قواعد العلم والمعرفة والعدل والمساواة وعدم التمييز، وتزداد المخاطر بسبب عدم وجود سياسة عامة دائمة للتعليم ، لا تتغير بتغير الوزراء أو الحكومات ، فظهرت فكرة وجود مجلس قومي للتعليم كأداة لعلاج هذه الاختلالات ومواجهة هذه المخاطر ، وأن يتضمن دستور مصر الجديد النص علي هذه الفكرة ، فما هو هذا المجلس ؟ وما هي أهدافه وآليات تكوينه ؟ ولماذا يجب النص علي وجوده في الدستور ؟ حول هذه الأسئلة وغيرها كان هذا التحقيق .

المناهج الدراسية بين النسبي والمطلق

يري الدكتور إبراهيم عيد الأستاذ بجامعة عين شمس أن هذا الطرح موفق تماما وخطوة ايجابية ، من أجل أن يتولي هذا المجلس المقترح كمجلس قومي للتعليم كل ما يتصل بالمناهج التعليمية ، لأن المناهج الدراسية نسبية وغير مطلقة وقابلة للتجديد والتغير المستمر ، أما أن يأتي من يحاول أن يهيمن علي التعليم ويضفي عليه طابعا مطلقا يعني أن نرتد إلي الخلف سنوات وسنوات ، وهذا شيء غير منطقي ، لأن التعليم له توجهات مستقبلية ، وما دون ذلك هو عودة إلي الوراء ، والتعليم يجب أن يكون حركة حياة وتطور مستمر، لذلك لابد أن يتجه جزء من مناهجه للحفاظ علي الهوية الثقافية ، والحفاظ علي صور التسامح في الفكر والسلوك، وتأكيد معاني النسيج الواحد الذي يجمع بين جميع طوائف الأمة ، لكي ينتج مواطنا مؤسسا علي وحدة معرفية وثقافية ، ولخلق لغة مشتركة بين جميع أبناء الوطن الواحد ، وأن يعمل التعليم علي تحقيق التجانس الفكري لجميع أبناء الوطن بكل فئاته وطوائفه ، وهذا مطلب أساسي في هذه الحقبة ، ويؤكد عيد علي ضرورة الاهتمام بالرؤي المستقبلية ضمن معايير تعتمد علي فهم واضح لمعني منهجية وفلسفة التعليم وتطوره لكي يواكب التطور العالمي.

ويشير إبراهيم عيد إلي أن وزير التعليم لابد أن يكون بعيدا عن أي إيديولوجيات معينة ، وألا يحاول فرض أجندة معينة علي منهج التعليم وطرق التدريس ، بعيدا عن أي فكر حزبي أو أي جماعة أخري ، لأن التعليم مؤسسة قومية .

فكرة يجب أن يتضمنها الدستور 

وتشير الدكتورة ليلي سويف الأستاذ بجامعة القاهرة إلي أن فكرة مجلس قومي للتعليم تم طرحها بهدف وضع سياسات طويلة الأمد من أجل تطوير التعليم ، ومن أجل الاستمرارية في التطوير بحيث لا تخضع عمليات التطوير إلي الأهواء أو علي حسب هوي كل وزير جديد ، وحتي تتلافي عمليات التطوير العشوائية والمتقلبة والتي تتغير مع تغير الوزراء ، لأن كل وزير يضع خطة مغايرة لمن قبله، وهذا لا يؤدي إلي البناء بل يؤدي إلي تدهور التعليم وتخريبه .

وتضيف سويف أن مشروع مجلس قومي لتطوير التعليم يضم مجموعة من المتخصصين في كل التخصصات العلمية والتربوية ، علي أن يكون عمل المجلس دائما ومستمرا سواء بقي الوزير في الوزارة أم غادرها ، علي أن يضع هذا المجلس السياسات والرؤي والأهداف المستقبلية التي تراعي تطورات العصر وتلاحقه ، علي أن يكون علي رأس أعمال هذا المجلس وضع الخطوط العامة للمناهج والإشراف علي عمليات التطوير والجودة ، وعلي حسب ليلي سويف فإن هذه الفكرة طرحت من أجل أن يتضمنها دستور مصر الجديد ، من أجل إنقاذ التعليم لأن الموضوع لم يعد يحتمل المزايدة ، وأن يكون هذا المجلس معبرا عن كل مكونات المجتمع بعيدا عن أي أيدلوجيات تفرض علي مناهج التعليم .

قومية مؤسسات التعليم أهم

أما الدكتور كمال مغيث الأستاذ بمركز البحوث التربوية فيقول إنه لا يري ضرورة لإنشاء هذا المجلس ، ويتساءل مغيث عمن سيختار هذا المجلس ومن يمكنه أن يميز بين أفكار وأيدلوجيات أعضاء المجلس ، فأي إنسان له أفكار وأيدلوجيات ومن الممكن أن يكون بين أعضاء هذا المجلس من لهم أفكار سلفية وإخوانية ، وهذا لا يجعلنا واثقين في اختيار أعضائه إلا إذا كان هذا المجلس فنيا وليس له أي توجهات وهذا مستحيل ، ولذا فإنني أطالب بأن توضع مادة في الدستور تحافظ علي قومية مؤسسات التعليم ومناهجه ، وألا تكون هناك مناهج ذات طبيعة أيديولوجية ، لكي نحافظ علي هذه المؤسسة من تغول أي أيدلوجية سياسية في التعليم ، بحيث يكون الاختيار الأيدلوجي للطلاب أنفسهم ، ولهذا أطالب بمادة واضحة في الدستور الجديد تحافظ وتصون مؤسسات التعليم من عبث الأيادي العابثة ، لأن تلوين التعليم بأي أيدلوجية خيانة للوطن ، وأنا أتخوف من وجود هذا المجلس لأنه سيكون مجلسا للاختلاف لا الاتفاق ، فنحن نعاني من الاختلاف حول صياغة الدستور حتي الآن ، ولذلك أدعوا الجميع إلي الضغط وبقوة لكي يتم وضع مادة في الدستور تحافظ علي قومية مؤسسات التعليم بعيدا عن أي عبث أيا كان ، وترسيخ مبدأ المواطنة والمساواة والحرية والاستنارة ، لكي يعمل التعليم علي تحقيق التجانس الفكري والثقافي بين جميع أبناء الوطن.

الحد من السيطرة

ويضيف الدكتور كمال نجيب الأستاذ بجامعة الإسكندرية أنه طرح فكرة وجود مجلس قومي للتعليم منذ فترة ، وكان طرح هذه الفكرة بهدف الحد من سيطرة السلطة الحاكمة في النظام السابق علي التعليم ومناهجه ، ولمواجهة أي تدخل سياسي في التعليم ، لأن التعليم يجب أن يكون مؤسسة محايدة قدر الإمكان ، وليس معني هذا منع الطلاب والمعلمين من ممارسة السياسة ، لكن الهدف الأساسي من وجود مجلس قومي للتعليم هو منع تدخل المؤسسة السياسية الرسمية سواء كانت ليبرالية أو يمينية أو ناصرية أو يسارية في مناهج وسياسات التعليم لأن هذا يؤدي إلي تخلف وانهيار المؤسسة التعليمية.

ويري كمال نجيب أن تحصين المؤسسة التعليمية من أي تيارات سياسية أو أيدلوجية قد تتدخل في مسار التعليم لأن التدخل السياسي في التعليم يفسده ، وبالطبع هذا ينطبق الآن إذا حاول التيار الإسلامي الإخواني أو السلفي أو أي فئة التدخل لفرض سياسة تعليمية أو مناهج بعينها ، ولذلك لابد أن يكون هناك مجلس قومي للتعليم من كل الاتجاهات المختلفة لإقرار السياسة التعليمية ، بمعني أن تكون كل طوائف المجتمع داخل هذا المجلس لإقرار السياسة التعليمية لكل المواطنين ضد أي تمييز أو تحيز لطائفة ضد أخري ، من أجل تعليم يحافظ علي تماسك الأمة ووحدتها وحداثتها في إطار من قيم العدل والمواطنة والاستنارة ، والعمل علي تطهير المناهج من أي تلوث يصيبها من أي تيار سياسي أيا كان ، ويري نجيب أن وزير التعليم يجب أن يكون بعيدا عن أي أيدلوجيات سياسية.

التعليقات متوقفه