حسين عبد الرازق يكتب : الإرهاب.. مرة أخري
بعد قانون «تقييد» التظاهر الذى وافق عليه مجلس الوزراء، أعدت وزارة الداخلية مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب، مستندة إلى «ما تشهده البلاد من أعمال عنف متنامية، انتشرت فى العديد من المحافظات فى محاولة لإجهاض جهود الدولة الرامية إلى تعزيز قيم الديمقراطية وإرساء بناء اقتصادى قوى يعتمد على زيادة الإنتاج وتنوع التدفقات الاستثمارية».
وأثارت الموافقة على مشروع قانون تنظيم التظاهر ثم الكشف عن مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب، مخاوف منظمات حقوق الإنسان من عودة الدولة البوليسية القمعية التى سقطت بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ومن أن «السير على نهج نظام مبارك بتنحية مبدأ سيادة القانون جانبا، وتغليب المعالجات الأمنية القمعية، واللجوء إلى المزيد من القوانين الاستثنائية التى تعصف بحقوق الإنسان ومرتكزات دولة القانون، سوف يسهم فى اتساع نطاق ظواهر العنف والإرهاب المسلح»، وحذرت 20 منظمة من المنظمات الحقوقية ذات المصداقية، من أن «اللجوء للمعالجات الأمنية القمعية طوال 30 عاما، والتراخى عن تبنى حزمة من السياسات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية التى تعالج أسباب تصاعد النشاط الإرهابي، قد أفضى عمليا إلى عجز نظام مبارك عن وضع نهاية حقيقية لتلك الأنشطة، بل إن السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق حسنى مبارك شهدت تمددا للإرهاب، وتحول شبه جزيرة سيناء بصورة تدريجية إلى بؤرة استيطانية للجماعات الإرهابية المسلحة».
وتركزت الانتقادات لمشروع قانون مكافحة الإرهاب على عدم انضباط التعريفات الخاصة بالعمل الإرهابى والجرائم الإرهابية، والنزوع للتوسع فى الجرائم والأفعال الإرهابية المدرجة باعتبارها جرائم إرهابية، وهو «ما يكشف عن نزعة أصيلة لتطبيق أحكامه فى التنكيل بالمعارضة السياسية السلمية وطيف واسع من المنظمات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان»، والخوف من امتداد الأمر فى مشروع القانون إلى توظيف نصوصه فى محاصرة حرية الرأى والتعبير والإعلام، ومساواة المشروع فى العقوبة على الشروع فى الجريمة بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة، والنص فى سبع مواد من مشروع القانون على عقوبة الإعدام بينما يسعى المجتمع الدولى لإبطال هذه العقوبة أو على الأقل الحد من الجرائم التى تقضى التشريعات الوطنية بتطبيق عقوبة الإعدام فيها. ولكن الحجة الرئيسية التى تم رفعها بحق، هو وجود قانون لمكافحة الإرهاب صدر عام 1992 ومنح سلطات واسعة للشرطة لمكافحة الإرهاب.
لقد أصدر الرئيس السابق حسنى مبارك فى 18 يوليو 1992 القانون رقم 97 لسنة 1992، وتم بموجبه إضافة 12 مادة وتعديل 7 مواد فى قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وقوانين أخرى «لمكافحة الإرهاب» ووصف رئيس نادى القضاة فى ذلك الحين هذا القانون بأنه «يستكمل العصف بكل القواعد الجنائية المسلم بها، واتسم بكل العيوب التى وصمت بها المحكمة الدستورية النصوص الجنائية..
وعاقب على مرحلة سابقة على الشروع، وغلظ العقاب فى حالة الشروع، وساوى فى العقوبة بين الشروع والجريمة التامة، واعتبر التحريض جريمة كاملة وعاقب عليها ولو لم تقع الجريمة محل التحريض، وتوسع القانون فى التجريم فأثم صورا لم يترك معها شاردة ولا واردة، فعاقب على التحبيذ والتشجيع والترويج، وأفرط فى تجريم كل سلوك محتمل لما يتصور أنه جريمة إرهابية وصفها فى عبارة هلامية غير منضبطة بحيث يسهل تأويلها». واستخدم القانون 97 لسنة 1992 ومشروع قانون الداخلية الحالى عبارات غامضة وفضفاضة مثل «التهديد والترويع والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر» وشمل التجريم أفعالاً تدخل فى نطاق حرية الرأى والتعبير والتجمع والتنظيم، كالدعوة للإضراب السلمى عن العمل أو الدراسة أو تنظيم اعتصام سلمى أو وقفة احتجاجية سلمية، كما نقل مشروع القانون فقرات من قانون الطوارئ، فأعطى السلطة إضافة إلى الحكم بالعقوبة المقررة الحكم بتدبير أو أكثر من التدابير الآتية..
«حظر الإقامة فى مكان معين أو منطقة محددة والالتزام بالإقامة فى مكان معين «تحديد الإقامة».. حظر التردد على أماكن أو محال معينة». وأنشأ مشروع قانون وزارة الداخلية نيابة متخصصة «نيابة الجرائم الإرهابية»، وخصص دوائر بعينها لنظر جرائم الإرهاب، ومنح أعضاء النيابة فى جرائم الإرهاب اختصاصات «النيابة العامة وقاضى التحقيق ومحكمة الجنح المستأنفة المنعقدة فى غرفة المشورة»! ولا شك أن مشروع القانون المقترح يحمل الشرطة وحدها مسئولية مواجهة الإرهاب، ويدفعها دفعا للخروج على دولة القانون والتورط فى القمع وسقوط مئات الشهداء وأكثر من ألف ضابط وجندى من الشرطة مصابين بإعاقة تامة، وتتجاهل السلطات أن مواجهة الإرهاب لا تتحقق بالإجراءات الأمنية وحدها، بل من خلال إزالة أسبابه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أى من خلال منظومة كاملة، وهو الأمر الغائب حتى الآن عن حكومة د. حازم الببلاوي.
التعليقات متوقفه