الاقتصاد المصـري وآفاق التنميـة: مصــر تسـتطيع أن تسـتغنى عـن المعونة الأمريكيـة إن أرادت
عرض : محمد فرج
يمثل صدور تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية لعام 2013 الحدث الفكري الاقتصادي الأهم هذه الأيام ، فهذا التقرير السنوي الذي يصدر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ويرأس تحريره أحمد السيد النجار، يعالج الاوضاع الاقتصادية المصرية والعربية والدولية ، حيث يعالج في الأوضاع المصرية آثار عام من حكم الإخوان علي الاقتصاد المصري، وينظر إلي المستقبل ليضع مجموعة من الاستراتيجيات الاقتصادية بعد الموجة الثورية في 30 يونيو 2013، حيث يقدم التقرير 14 دراسة اقتصادية متنوعة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية في مصر، وسوف نعرض هنا لأبرز ما جاء في هذا التقريرمركزين علي دراسات الواقع المصري وخاصة المقترحات المستقبلية التي يقدمها التقرير.
التحرر من المعونة الأمريكية
في دراسة الاقتصاد المصري يتوقف التقرير عند أوضاع التضخم وزيادة الديون الخارجية في عصر مرسي، مركزا في نهاية الدراسة علي المشكلات الناجمة عن التهديد بوقف المعونة، طارحا السؤال المصيري : لماذا لا تتحرر مصر من المعونات الأمريكية والأوربية المسمومة؟ ويرصد التقرير أن المساعدات العسكرية الأمريكية عبارة عن 1.3مليار دولار، وأن المساعدات المدنية لا تزيد علي 250 مليون دولار، أي أن مجموع هذه المعونة لا يزيد علي 1.55مليار دولار، أي نحو0.5% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، بما يعني أن مصر تستطيع ببساطة أن تستغني عن هذه المعونات دفعة واحدة انتصارا لاستقلالها الوطني.
أما المعونات الأوروبية فتبلغ نحو 500 مليون يورو أي نحو 670 مليون دولار، أي بما لا يزيد علي 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، أي أنها لا تساوي شيئا يبرر أي ابتزاز أوروبي لمصر، ويري التقرير أن مصر من زاوية مصالحها الوطنية ووضعيتها كدولة قائدة في اقليمها العربي وفي إفريقيا والدول النامية عليها أن تبادر إلي إيقاف تلقي هذه المعونة الأوروبية والأمريكية المسمومة، خاصة بعد أن انتفضت مصر في موجة ثورية عظيمة لم يشهد لها العالم نظيرا في 30 يونيو 2013 .
الثروة المعدنية والمحجرية
وفي دراسة الثروة المعدنية والمحجرية يرصد التقرير خريطة هذة الثروة في مصر مقدما تفاصيل مهمة في هذا الشأن، ويرصد الوضع القانوني لمشروعات المحاجر بالمحافظات والمعوقات التي تؤثر علي معدلات أداء قطاع الثروة المعدنية، ومعوقات الاستثمار في هذا القطاع.
وتقدم الدراسة مقترحاتها بكيفية تعظيم الاستفادة من هذه الثروة وإعادة الروح لهذا القطاع، عن طريق ضرورة إصدار قانون جديد للمناجم والمحاجر والملاحات، وتوحيد جهة الإشراف علي هذة الثروة في جهة واحدة ولتكن هيئة المساحة الجولوجية، وإعادة النظر في الترخيص لاستغلال المحاجر اللازمة للصناعات الكبري ( الأسمنت – الحديد والصلب – مواد البناء )، ليكون الترخيص بقانون خاص في هذا الشأن.
ومن الجدير بالذكر أن أهم معوقات الاستثمار في هذا القطاع أن القانون الذي ينظم شئون الثروة المعدنية حتي الآن هو القانون رقم (68 ) لعام 1956، والذي يحدد الفئه الإيجارية والرسوم بنسبة ضئيلة جدا، إلي الحد الذي يؤدي إلي إهمالها وتجاوزها من قبل المحليات خاصة بالنسبة لاستغلال المحاجر، فعلي سبيل المثال يدفع المستثمر عن ترخيص بحث: إيجار سنوي قدره 25 جنيها فقط عن 2 كم2 من مساحة منطقة البحث، أما في حالة عقد الاستغلال فإنه يدفع 5 جنيهات سنويا عن كل هكتار أي عن 10000 متر مربع، وهي أمور لابد من إعادة النظر فيها عن طريق إصدار قانون جديد في هذا الشأن.
إعادة توزيع الموازنة والدعم
وفي الدراسة الخاصة بالموازنة العامة للدولة 2013 / 2014 يرصد التقرير أهم التشوهات الموروثة من عصور ما قبل 25 يناير وما قبل 30 يونيو، ويعطي أمثلة لتشوهت الموازنة في كل من مخصصات الاجور والاستثمارات الحكومية واستمرار تدني مستوي الإنفاق علي كل من الصحة والتعليم، ويركز التقرير علي الدعم كنموذج لاستمرار التشوهات في الموازنة وفي مخصصات الدعم ، حيث بلغت هذه المخصصات في الموازنة العامة للدولة في العام المالي 2013 / 2014 نحو 205.5 مليار جنيه، منها 160.1 مليار جنيه للدعم والباقي عبارة عن منح (56 مليار جنيه)، ومعاشات الضمان الاجتماعي (3.2مليار جنيه) واسهامات الدولة كرب عمل في صناديق المعاشات (29.2مليار جنيه)، وتحويلات أخري ومتطلبات إضافية واحتياطات.
وضمن مخصصات الدعم تم تخصيص 99.6 مليار جنيه كدعم للطاقة ، إضافة إلي 13.3 مليار جنيه كدعم للكهرباء، وهذا الدعم الذي رفعته حكومة الدكتور حازم الببلاوي بعد عزل مرسي إلي 128.5 مليار جنيه، بالإضافة إلي دعم الكهرباء، يذهب الجانب الأكبر منه إلي شركات تبيع إنتاجها بأعلي من الأسعار العالمية وتحقق أرباحا احتكارية مثل شركات الأسمنت والأسمدة والسيراميك والألومنيوم وغيرها من الشركات، فضلا عن أن قطاع الأسمنت الضخم في مصر أصبح مملوكا بالأساس للأجانب، مما يعني أن وزارة المالية مستمرة في تقديم الدعم من أموال الشعب إلي شركات أجنبية، فتكلفة طن الأسمنت في مصر تدور في الوقت الراهن حول مستوي 240 جنيها، ومن المفترض أن يكون أقصي سعر له 300 جنيه بينما تبيعه شركات الأسمنت بأكثر من 650 جنيها محققة أرباحا احتكارية أستغلالية، فلماذا تحصل هذه الشركات علي مواد الطاقة والكهرباء بأسعار مدعومة بأموال الشعب المصري؟ وهذا مجرد مثال لاختلال توزيع مخصصات الدعم، الذي لم يحدث فيه تغيير يذكر، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في توزيع مخصصات الدعم في الموزانة العامة كلها حتي تشهد توزيعا عادلا للإنفاق والأستثمارات وتوزيع مخصصات الدعم.
المشروعات الصغيرة والتعاونية
وفي دراسة حول المشروعات الصغيرة والتعاونية وفرص ومجالات التنمية في محافظات مصر؛ يقدم التقرير دراسة مهمة تتناول رؤية جديدة حول هذه المشروعات بإعتبارها ضرورة لتطور الاقتصاد المصري. فبعد رصد دقيق لواقع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في مصر ومحافظاتها وتناول التحديات التي تواجه هذه المشروعات وبحث سبل تخطيها، يقدم التقرير عدة آليات مقترحة لدعم هذه المشروعات في إطار حل مشكلات البطالة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا السياق يركز التقرير علي تعريف ما هو المشروع الصغير؟ وما هو المشروع متناهي الصغر؟ حيث يختلف هذا التعريف من دولة لأخري من حيث عدد المشتغلين ورأس المال، فعلي سبيل المثال يعتبر المشروع صغيرا في كوريا إذا كان به 50 مشتغلا أو أقل، في المقابل يعتبر المشروع صغيراً في الهند بعدد مشتغلين لا يتجاوز عشرين فردا وأصولا لا تزيد علي 65 ألف دولار، ويختلف هذا التعريف من بلد لآخر. وتشير الاحصائيات المصرية إلي وجود ما يقرب من 2.5 مليون مشروع خاص غير زراعي في مصر يعمل بها 7.3 مليون فرد، و99% من هذه المشروعات أي ما يقرب من2.44 مليون مشروع صغير ومتناهية الصغر، يعمل بها ما يقرب من 5.8 مليون فرد، وتحظي المشروعات متناهية الصغر بالأغلبية البارزة بعدد هذه المشروعات، فمن بين 2.44 مليون مشروع تمثل المشروعات متناهية الصغر 92.2% من هذة المشروعات ويعمل بها 5.8 مليون فرد، وأغلب هذه المشروعت الصغيرة والمتناهية الصغر في مصر تتخصص في مجال الصناعات التحويلية وتجارة التجزئة والجملة ثم الأنشطة السياحية والبناء والتشيد.
أزمة التمويل
وتأتي أزمة التمويل كأكبر التحديات التي تواجه هذه المشروعات الصغيرة، حيث تقتصر مصادر التمويل بين مصادر مصرفية هي البنوك التجارية وبنك التنمية الصناعية والبنك الوطني للتنمية، وأخري غير مصرفية وهي وزارة التضامن الاجتماعي وصندوق التنمية المحلية بجوار الصندوق الاجتماعي للتنمية، ويبين الواقع أن الجهات غير المصرفية لم تمول إلا أقل من ربع المشتغلين في هذه المشروعات، يضاف إلي ذلك ضآلة حجم التمويل المقدم من المصادر المصرفية، وبالإضافة لهذه الأزمة المتمثلة في التمويل تعاني المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر في المناطق الأكثر فقرا والأكثر احتياجا لتلك المشروعات من ضعف شديد في البنية التحتية ونقص مصادر الطاقة وضعف إمدادات المياه وتردي مستوي الطرق، بالإضافة لذلك مشكلات نقص التدريب وغياب دراسات الجدوي وضعف التسويق وغيرها من المشكلات.
التعليقات متوقفه