فريدة النقاش تكتب :ذهنية الإرهابيين

42

تعرف المصريون بشكل مكثف خلال عام ونصف العام من حكم الجماعة الإرهابية ثم خروج ملايين المصريين عليها والإطاحة بها على التكوين الذهنى والثقافى المميز للإرهابيين، وهو تكوين له ملامح واضحة تتجلى فى أفكار وممارسات كل الجماعات الإرهابية عبر العالم، وهى أفكار وممارسات ملطخة بدماء الأبرياء، ومحمولة على العنف المادى والمعنوي.

يستفيد الإرهابيون عبر العالم وفى بلادنا من قوة اليمين العالمى وزهوه بنفسه بعد سقوط المنظومة الاشتراكية التى طالما اهتدت الملايين المسحوقة بهديها وهى تسعى لانتزاع حقوقها.

وبعد هذا السقوط المدوى تراكمت بسرعة، وعبر الدعاية السوداء منظومة من أفكار وممارسات للثورة المضادة عبر العالم، وهى منظومة عابرة للطبقات، ذكورية تمجد دور الرجل الأب والأم المنجبة، وتوحيدية نمطية لا نقاش فيها لأنها قادمة غالبا من الغيب، ويجرى تقديم مفرداتها كما لو كانت حقائق لا جدال فيها، وهى لا تخاطب عقل الأفراد بل عواطفهم وأحلامهم وإحباطاتهم، ومستواها الفكرى متدن للغاية فى الغالب الأعم وتشكل مبادئ السمع والطاعة والتقية التى تبرر الكذب وإظهار ما لا يبطنون ويبررون ذلك بأنه خدمة للدين، تشكل هذه المبادئ ركائز أساسية تحول الأعضاء خاصة من الشباب العاطل الفقير إلى أدوات طيعة أقرب إلى الآلات التى تتحرك بالريموت كونترول.

ولأنهم – فى حالة الإرهابيين الذين يلبسون قناع الدين الإسلامى – هم وحدهم المسلمون، وكل الآخرين كافرون هم مكلفون بهدايتهم فإن قتل هؤلاء الآخرين فى عرفهم حلال ومبرر، ويمتلئ تاريخ جماعة الإخوان الإرهابية بعمليات الاغتيال والقتل والتفجير، وهناك شكوك كثيرة حول ضلوعهم فى حريق القاهرة فى يناير 1952.

ولاتزال التحقيقات جارية حول الدور الذى لعبوه فى الأحداث الدامية التى وقعت أثناء ثورة 25 يناير وممارسات القناصة واستهداف عيون النشطاء، وتبين لنا الوقائع الثابتة التى تأكد ضلوعهم فيها من الإسكندرية إلى المقطم وكرداسة أن العنف الوحشى وصولا إلى التمثيل بجثث الضحايا هو جزء من المنظومة النفسية والذهنية لهؤلاء الإرهابيين.

وينطلق هؤلاء الإرهابيون من اليقين المطلق أنهم على حق وكل الآخرين على ضلال “قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار” ولذا هم لا يأبهون بردود أفعال الجماهير على ممارساتهم، ولا يعنيهم أنهم غرباء عن القوى الحية للأمة إذ يلهمهم ذلك اليقين الثابت بأنهم على حق.

فشل الإخوان الإرهابيون فى أن يقيموا لأنفسهم قواعد اجتماعية ثابتة فى أوساط الطبقة العاملة أو الفلاحين أو المثقفين، ولكنهم نجحوا بأموالهم الطائلة فى التغلغل داخل الجموع الغفيرة غير المؤهلة كقوة عمل، مثل العمال غير المؤهلين، والنساء الأرامل والمطلقات وأصحاب الاحتياجات الخاصة الذين همشتهم الرأسمالية المتوحشة، والأطفال والمرضى والمراهقين الضائعين، أى ذلك الجزء من قوة العمل الذى أصبح يعيش على الصدقات بسبب فقده لشروط وجوده أى بيعه لقوته.

ويجادل البعض حول طبيعة القوة الاجتماعية التى يستندون إليها قائلين إنهم استطاعوا لفترة طويلة أن يسيطروا على عدد من النقابات المهنية التى تضم المهنيين المتعلمين من أطباء ومهندسين ومعلمين، وهذا صحيح بطبيعة الحال، وهو ناتج المهارة فى بناء الخطاب الدينى العابر للطبقات، وقد بدأت بعض هذه الفئات تسترد وعيها من قبضة هؤلاء لتبقى لهم قاعدتهم الاجتماعية الأصلية من المهمشين والضائعين، وتبرز هيمنتهم على هؤلاء نتيجة لعملية توسطات معقدة من الاقتصاد والسياسة وعلم النفس، ولأسباب منها تدهور التعليم وحجب روح النقد ومحاصرة القراءة المستنيرة للنصوص الدينية وتنتمى هذه الذهنية وخطابها البائس إلى تراث الفاشية والنازية والممارسات الوحشية فى العصور الوسطى الأوروبية وتقاليد الخوارج الهمجية فى تراثنا وتجمعها كلها الآن الثورة المضادة العالمية التى ترعاها الإمبريالية، وسيكون الخلاص منها عملية نضالية صراعية طويلة المدى سيخوضها الشعب المصرى مع جيشه وشرطته وسينتصر.

التعليقات متوقفه