حسين عبد الرازق يكتب : خطورة الانتخابات «الفردية»

38

عبر كثيرون ممن شاركوا فى اللقاءات التى عقدها رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور مع ممثلين لأطياف وجماعات مختلفة من المصريين، ضمت الشباب والأحزاب والقوى السياسية والفنانين والأدباء والرياضيين وشخصيات عامة والفلاحين.. عبروا عن تفضيلهم للنظام الفردى فى انتخابات مجلس النواب الذى سيلى الاستفتاء على الدستور مباشرة، وهو أمر متوقع، فالناس أسرى لما اعتادوا عليه.

فقد عرفت مصر نظام الانتخابات بالمقاعد الفردية منذ دستور 1923 وانتخاب مجلس النواب عام 1924، وهو أقدم نظام عرفه العالم، ورغم تميزه بمعرفة الناخبين لشخص المرشح «النائب» وقربه لهم وقدرتهم على الاتصال المباشر به وعرض مشاكلهم المحلية وقدرته على الإلمام بها وحلها، فإن عيوبه كثيرة، فهو يعطى السبق للعوامل الشخصية والذاتية للمرشح، وللعوامل التقليدية المختلفة مثل الانتماء لعائلة أو قبيلة أو عشيرة، أو كونه ابن القرية أو المدينة، وكذلك يلعب المال وشراء الأصوات دورا كبيرا فى ترجيح فوز المرشح، وقدرته على تقديم خدمات شخصية ومحلية على حساب البرامج وحل المشاكل العامة والقومية والمصالح العامة للمواطنين والمجتمع، وتحول النائب فى النهاية إلى «نائب الخدمات» أقرب ما يكون إلى عضو المجلس المحلي، لا علاقة له بدوره الأصلي، أى لا علاقة له بالتشريع ومراقبة أداء السلطة التنفيذية.

الأخطر من ذلك كله أن اعتماد نظام المقاعد الفردية فى انتخاب مجلس النواب القادم ينذر بعدم الاستقرار السياسى سواء فى رئاسة الجمهورية أو الحكومة، فالدستور الجديد يعطى لمجلس النواب صلاحيات مهمة وضرورية فى نظام الحكم ويعتمد على وجود أغلبية لحزب أو تحالف أحزاب فى البرلمان يمنح الثقة للحكومة ويملك سحبها منها، بل ويملك فى ظروف معينة سحب الثقة من رئيس الجمهورية واللجوء للاستفتاء الشعبى لعزل الرئيس، وقد عانت مصر فى ظل الانتخابات الفردية من ظاهرة المستقلين غير المنتمين.

فقد بلغ عدد المرشحين المستقلين عام 1990 بعد العودة للنظام الفردى 2134 من أصل 2676 مرشحا، وفى انتخابات 1995 زاد عددهم إلى 2950 من أصل 3980، ووصل العدد عام 2000 إلى 3280 من أصل 4156، بما يعنى أن المستقلين مثلوا نسبة تتراوح بين 75% و80% من إجمالى المرشحين.

وفى انتخابات 1995 نجح 113 نائبا مستقلا، وارتفع العدد إلى 244 مستقلا فى انتخابات 2000 بنسبة حوالى 56%، وفى انتخابات 2005 فاز 187 مرشحا مستقلا.

وقلل من خطورة هذه الظاهرة فى السابق هيمنة الحزب الوطنى «حزب رئيس الجمهورية» على الحياة السياسية والدولة والسلطتين التنفيذية والتشريعية حيث كان المستقلون ينضم أغلبهم بعد فوزهم للهيئة البرلمانية للحزب الحاكم!

وفى انتخابات مجلس النواب القادم لا يوجد حزب حاكم بعد انتهاء نظام «الحزب الواحد فى قالب تعددي» الذى عرفته مصر منذ عودة التعددية الحزبية المقيدة عام 1976، وكذلك انتهاء ظاهرة التزوير لصالح «حزب الرئيس» الذى ساد فى الفترة من 1976 وحتى انتخابات 2010.

من هنا فالدعوة لانتخابات تقوم على نظام القائمة النسبية غير المشروطة والمنقوصة مع حرية تكوين القوائم سواء كانت قوائم حزبية أو ائتلافات حزبية أو مستقلين أو خليطا من حزبيين ومستقلين، هى دعوة للاستقرار تتفق مع الدستور الديمقراطى الجديد المتوقع إقراره فى الاستفتاء يومى 14 و15 يناير الحالي، فقد حان الوقت أن لا تتحكم فينا «العادة» وإنما مصلحة الوطن.

التعليقات متوقفه