جماهير البسطاء يلتفون حول المبدعين فى “ الفن ميدان”

14

تحقيق: عيد عبدالحليم

“الفن ميدان” تجربة ثقافية متميزة ظهرت بعد ثورة يناير فى مصر، هدفها الأساسى تجسير الهوة بين المثقف والجمهور، من خلال تقديم الأشكال الفنية المختلفة فى الميادين المصرية، وإن كان النشاط الرئيسى والذى يعقد فى السبت الأول من كل شهر يقام فى “ميدان عابدين” بوسط القاهرة.

ويقوم على النشاط فى هذه التجربة ذات الطابع الثورى مجموعة من المثقفين منهم الشاعر زين العابدين فؤاد ومحمد عبلة وعادل السيوى وبسمة الحسينى والفنان التشكيلى أحمد عزالعرب، والذى يؤكد أن تطور الفكرة جاء من خلال أحداث ثورة 25 يناير، ففى “ميدان التحرير” كان هناك مجال لأن يعبر كل فنان عن الثورة بطريقته، ثم انضم إلى الفنانين الناس البسطاء من مختلف الأعمال من الشباب والنساء والأطفال، كل افترش أرصفة الميدان ليعبر عما يحس من خلال هذه “اللمة” التى جمعت بين شيئين الأول: حب الفن والثاني التطلع لتغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية، رغم أنه لا يجمعهم إطار فكرى أيديولوجى واحد، فالكل قبل النزول إلى الميدان قد ترك التحزبات والكيانات السياسية والانتماءات الفكرية.

وعن اختيار الفنانين لميدان عابدين يقول عزالعرب اختيار المكان جاء لعدة اعتبارات أولها إنه فى وسط البلد وفى مكان شعبى عريق مما يجعل هناك حماية اجتماعية للفنانين المشاركين كذلك هو مكان للتفاعل مع الجمهور، وهو بالإضافة لذلك قريب من ميدان التحرير، وحين طرحنا الفكرة وجدنا كل فرق الهواة فى المسرح والغناء وأفلام الموبايل تريد أن تشارك.

تجربة ثورية

ويشير الشاعر زين العابدين فؤاد، إلى أن التجربة ثورية بامتياز وهى نوع من التطور الثقافى الذى تتطلبه المرحلة، فنحن الآن بحاجة إلى التلاحم والتآزر والتكامل، وهناك نوع من التنسيق بين معظم المثقفين المشاركين فهناك حالة من التبلور التنظيمى فالتصوير والفن التشكيلى مسئول عنه عزالعرب، وعادل السيوي، والمسرح الغنائى مسئول عنه أحمد إسماعيل وسامية جاهين، وأنا مسئول عن الشعر، والمسائل الإدارية مسئول عنها بسمة الحسيني، وهكذا.

ضرورة المشاركة

يقول الناقد د. ياسر علام – المحاضر فى أكاديمية الفنون – الفكرة مستلهمة من الثورة، فواحدة من أكثر المشكلات التى كانت تواجه الفنان قبل الثورة أنه كان منعزلا عن الشاعر، بمعنى آخر كان هناك مفهوم نخبوى أكثر من إنتاج الفن، ونتج عنه تناقض ما بين رسالة أنت تستهدف بها طرف آخر، ومن أجل أن تكون هذه الرسالة صادقة لابد وأن يكون بها شيء من النقد والحرية، لكنها فى الوقت نفسه تريد أن تنال إعجاب هذا الجمهور.

عندما قامت الثورة الفنان اكتشف الجمهور، وبالتالى أعاد اكتشاف نفسه فى ضوء علاقة مباشرة أكثر وحقيقية أكثر وحميمية أكثر.

هذا المكتسب المهم تولدت منه فكرة “الفن ميدان”، ألا نعود إلى الأبراج العاجية، وألا تنحسر عن جماهيرنا مرة أخري.

ولكن كيف تحولت الفكرة إلى واقع، هناك تكوين اسمه “ائتلاف الثقافة المستقلة” لا ينتمى لأى كيان مؤسسى رسمى ليس جمعية ولا شركة، هذا الكيان عبارة عن تجمع من المثقفين والناشطين من الفنانين، والفرق المسرحية المستقلة، هو مشكل من أفراد وكيانات لكن هو – فى حد ذاته – ليس كيانا رسميا.

هذا اللقاء بين مجموعة من المثقفين نتج عنه إعادة تجربة “الميدان” فى إطار فنى ثورى دون تحزب أو دون توجه أيديولوجي، ولكنه كان فضاء يشبه خصائص فضاء ميدان التحرير وميادين التحرير فى مصر كلها، وجوهرها قائم على التعددية الفكرية والمذهبية والجندرية والطبقية، حاولنا على قدر الاستطاعة أن نخلق ذلك. فلا نعدم وجود دار نشر لها توجهات يسارية أو دينية أو غيرها. وستجد جمهورا من طبقات مختلفة.

قمنا بدراسة سريعة على محرك البحث الإلكترونى على الفضاءات التى من الممكن أن تستوعب أنشطتنا، فوجدنا أولاً: أن “ميدان عابدين” أكثر اتساعا من ميدان التحرير بتفرعاته، ثانيا: أردنا أن نترك لميدان التحرير خصوصيته السياسية فى التعبير عن الحريات، تصورنا أن إقامة فعالية ثقافية هناك أنها تحمل رسالة أننا ضد الاعتصام، بالعكس نحن مع كل حقوق المواطنين.

يضاف لذلك القيمة التاريخية لميدان عابدين، حيث وقف هنا أحمد عرابى وقال للخديوي: “لن نستعبد بعد اليوم فقد خلقنا الله أحرارا” فوجدنا أن هذا المكان تتلاقى عنده أشياء كثيرة.

ويرى الفنان د. عادل السيوى أن أكثر مشكلات الثقافة المصرية هى “المركزية” ويضيف نتصور أن الثقافة هى القاهرة والإسكندرية، هناك بعض الأماكن فى القاهرة محرومة، مكافحة “المركزية” أحد أساسيات فكرة “الفن ميدان”، فورا بحثنا عن فنانين الأقاليم الذين بادروا بالمشاركة فى الفعاليات فذهبنا إليهم فى مواقعهم.

فذهبنا إلى المنصورة والسويس وأسوان والإسكندرية وبنى سويف والأقصر وأسيوط.

أردنا تطعيم تجربة الأقاليم بتجارب أدباء وفنانى القاهرة، وجدنا هناك طفرة أكثر تطورا خاصة فنون الأداء الحركي، فى حالة من الشغف والتوهج، والتى نتمنى أن تكون عندها هيئات ثقافة لتنظر إلى هؤلاء.

للأسف وزارة الثقافة تتصور أن المنوط بها العاملين بوزارة الثقافة فقط، بل المفروض عليها أن تنظر للشعب الذى يريد أن يمارس ثقافة وفناً، عليها أن تكون حجرا فى المياه الراكدة، مفهومها للثقافة شديد الرجعية.

ما يحدث أسلوب حياة، أطفال ترسم وأصبح الفن جزءاً من الممارسة الحياتية.

ويضيف الفنان عزالعرب إحساسه بالتجربة قائلا: هى حالة جديدة على وفريدة، فأحيانا ما كنت أرسم الكاريكاتير فى الجريدة ولا أعرف رد الفعل، أما هنا فالأمر يختلف فأنت ترسم وترى الجمهور يناقشك فيما ترسم، مما يجعلك فى حوار دائم معه، وكذلك يجعلك تغير من أفكارك كمثقف تجاه التيارات التى ربما تخالفك فى الفكر.

فالفن هو نوع من سد الهوة وجسر للمودة وأعتقد أن هذه هى أهم فكرة فى “الفن ميدان”.

يضاف إليها كسر النمطية والصورة الذهنية لدى المثقف والجمهور أيضا.

التعليقات متوقفه