جدل حول قضية التطبيع النقابى

18

تحقيق: سهام العقاد

«اللي يسافر إسرائيل يبقى خاين يبقى عميل»، هتاف ظل عدد من السياسيين على مدى العقود الثلاثة المنصرمة يرددونه بكل صلابة وتحد، كما ترسخ فى الوجدان والعقول أن اختراق قرار التطبيع يمثل جريمة كبرى، ووصمة عار، وخيانة وطنية، لا يمحوها إلا العزل والنبذ والتجاهل، وهو ما حدث مع رئيس حزب الأحرار الراحل مصطفى كامل مراد، والكاتب المسرحي على سالم، بالإضافة للهجوم الحاد الذي طال كلا من المخرجة السينمائية نادية كامل، والزميلة الصحفية أمل سرور وغيرهما من الفنانين والكتاب والصحفيين.

الجديد فى الأمر هو سفر الزملاء هشام يونس وحنان فكرى وأسامة داود إلى رام الله للمشاركة فى الاحتفال بعيد الاستقلال الوطني، ودخولهم مدينة «القدس».

أن النقابة اشتعلت واتهم زملاؤنا بالتطبيع مع العدو الصهيوني، وبناء علي ذلك دشنت حركة باسم «صحفيون ضد التطبيع» ورفعت اللافتات على مبنى النقابة «لا للتطبيع مع العدو الصهيوني وانتهاك قرارات الجمعية العمومية».

الأمر الذي دفعنا لتأمل المشهد، بعيدا عن التشنج والعصبية والانفعال، ومحاولة الاقتراب من جوهر تلك القضية المثيرة للجدل والتخوين معا.  فلا مانع من الاقتراب من هذا اللغم رغم مخاطره التي قد تصيبنا، بالأحرى مناقشته مع القوى الوطنية، لمعرفة أين نحن واقفون؟ وهل جرت فى الحياة متغيرات تستحق إعادة النظر فيما هو مستقر وثابت؟.

هناك العديد من الأسئلة المشروعة التي تفرض نفسها بقوة الآن، لعل أبرزها: هل كسر حاجز التطبيع يعنى كسر حاجز العداء مع الكيان الصهيوني؟ هل ساهم قرار حظر السفر إلى الأرض المحتلة فى التصدي للكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال؟ وهل من يزور أصدقاءه وأهله فى القدس يعتبر مطبعا؟

تحاول «الأهالي» من خلال نخبة من المفكرين والمثقفين المصريين والفلسطينيين الوصول لجوهر وماهية التطبيع.. وإلى أي مدى بات قرار التطبيع الذي اتخذته القوى الوطنية عقب اتفاقية كامب ديفيد صائبا ويصب فى صالح القضية الفلسطينية؟.

الشك والريبة

الدكتور جمال الرفاعى -أستاذ اللغة العبرية الحديثة فى كلية الألسن جامعة عين شمس- يقول: لا يمكن التعامل مع أي مفردة دون النظر إلى تاريخها ، فالمفردات لا تنبت ولا تنشأ فى فراغ وإنما تنشأ تلبية لاحتياج الجماعة إلى مفردة للتعبير عن واقع معين . ويعود تاريخ مفردة التطبيع فى الأدبيات العربية إلى عقد السبعينيات وتحديدا إلى عام 1979 الذي أبرمت فيه اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. ونصت هذه المعاهدة على تطبيع العلاقات بين الجانبين المصري والإسرائيلي . وقد تم التعامل مع هذه المفردة فى حينها بقدر كبير من الريبة والشك .

وبالرغم من مضى ما يربو على نحو ثلاثين عاما على هذه المعاهدة فإن مفردة التطبيع ظلت هي الكلمة الأكثر شيوعا فى الأدبيات العربية المعنية بإشكاليات التسوية، ومن هنا فقد ارتبطت هذه المفردة بمفردة أخرى وهى المقاطعة التي تعني عدم التعامل مع أي منتج إسرائيلي على أي صعيد من الأصعدة .

ومع وقوع الكثير من التحولات فى المنطقة وفي مقدمتها مؤتمر مدريد للسلام، الذي عقد عام 1991 وبحضور الأطراف العربية وإسرائيل، فقد بات من الواضح أن  تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية أصبح مطروحا بقوة على أجندة المفاوضات .

أؤكد أن الشارع الفلسطيني يتعامل مع قضية التطبيع على نحو شديد الاختلاف عن نظرة الشارع المصري ، وكثيرا ما يدعو الطرف الفلسطيني الطرف المصري للمشاركة فى الفعاليات الفلسطينية التي تقام فى الأراضي العربية المحتلة تضامنا مع القضية الفلسطينية. والمؤسف أن البعض ما زال أسيراً لتصورات مفادها أن زيارة السجين تنطوي على اعتراف ما بالسجان !!. ويجب أن نتذكر أيضاً أشقاءنا الفلسطينيين المقيمين فى داخل إسرائيل، والذين يعرفون باسم فلسطينيي 1948 ، فهؤلاء الفلسطينيون يتعرضون إلى محاولات ممنهجة لتغييب هويتهم العربية بل والعمل على عبرنة وعيهم. ومن هنا فإن التواصل المعرفي مع فلسطينيي 1948 لا يمكن أن يصنف فى إطار التطبيع .

أشار الرفاعى إلى أن فلسطينيي 1948 يحملون جواز سفر إسرائيلياً، ولكنهم مكرهون على حمله، ولنتذكر رموز المقاومة الفلسطينية فى الداخل أمثال الشاعر سميح القاسم واحمد الطيبي وجمال زحابلقة وغيرهم من النشطاء الفلسطينيين . ومن أسف نحن لا نعرف شيئا عن الإنتاج الأدبي العربي لفلسطينيي الداخل، ومن ثم فإن مقاطعتهم تزيد من عزلتهم، بل إن المقاطعة تخدم السجان الذي لا يكف عن تكبيل ذاكرتهم التي تأبى النسيان.

ادعاءات سياسية

 ﻗﺎل اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺼﺤﻔﻲ ﻣﻜﺮم ﻣﺤﻤﺪ أﺣﻤﺪ ﻧﻘﯿﺐ اﻟﺼﺤﻔﯿﯿﻦ الأﺴﺑﻖ لا أرى أن هناك أي مشكلة فى أن يزور صحفي مصري الضفة، أو أن يلبى دعوة أشقائه الفلسطينيين لزيارة القدس، لأنه يجب على المصريين شد أزر العرب، وأن يدعمهم ولو بشراء هدية تذكارية.

وأرفض تلك الحملة التي شنها البعض على الوفد المصري خاصة أن كل الإجراءات قامت بها السلطة الفلسطينية، ما يجعلني أتساءل هل السلطة الفلسطينية خائنة فى نظرهم؟ لذلك لا استطيع أن أفهم ما هو هدفهم من وراء تلك الحملة وما هي رسالتهم؟  وأؤكد أن هؤلاء بعيدون كل البعد عن الواقع والتاريخ!!  وما يحدث فى نظري ما هو إلا إدعاءات سياسية لا معنى لها.

لقد أفاد قرار المقاطعة فى أنه جعل الصحافة المصرية تقاطع الصحافة الإسرائيلية، ومنعنا التعامل مع اتحاد الصحفيين الإسرائيليين، وأؤكد أن هذا القرار لم يفد الشعب الفلسطيني فى شيء، وأنا مع مقاطعة السفر إلى إسرائيل، لكن لا ينبغي مقاطعة الأرض المحتلة.

التطبيع فى نظري هو أن يقيم الشخص علاقة مباشرة، أو يبرم اتفاقات مع الإسرائيليين، أو يرتبط بمصالح إسرائيلية، أو يتبادل المصالح معهم، لكن الذهاب لزيارة شعب محتل لا يعد هذا تطبيعا بحال من الأحوال.

القرار يحتاج إلى تفسير عقلاني، لأن المقصود منه هو عدم التعامل مع إسرائيل وليس الشعب الفلسطيني.

التواصل الإنساني

المناضلة الفلسطينية نائلة توفيق زياد قالت لـ»الأهالى»: فى ظل الوضع الحالي والمتغيرات السياسية الراهنة، لا أستطيع أن أفهم سببا للمقاطعة، ولحصار الفلسطينيين، أعتقد أن التواصل الفكري والإنساني يقوي الشعور بالانتماء لنا كشعبين، ومن شأنه أن يعزز موقفنا السياسي، خاصة عند تبادل الحوار، وأؤكد أن مواقفنا المبدئية لا ولن تتغير ولن نحيد عنها يوما، ولا أعتقد أن قرار حظر السفر إلى الأرض المحتلة ساهم فى التصدي للكيان الصهيوني أو حد من عدوانيته أو بطشه.

نحن فى أمس الحاجة للتضامن ولزيارة المفكرين والأدباء والشعراء المصريين لنا فى الناصرة وفى كل البقاع الفلسطينية، خاصة فى ظل ما يدور فى العالم من عبث وانتهاكات صهيوأمريكية تمارس ضد شعوبنا العربية.

مقاطعة إسرائيل

الأديب الفلسطيني يحيى يخلف يقول فى تصريحات خاصة للأهالي : أصبح مفهوم التطبيع ملتبسا، فالكل يفسره حسب مزاجه، وهناك تباين بين تفسير وآخر، ولقد أدهشني مثلا تفسير بعض أعضاء نقابة الصحفيين المصريين للتطبيع، واتهامهم الوفد الصحفي المصري الذي حل ضيفا على نقابة الصحفيين الفلسطينيين بالتطبيع بسبب زيارته للقدس، كأن القدس ارض إسرائيلية!!، وهي كما يعلم الجميع وكما ينص القانون الدولي و قرارات الأمم المتحدة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، بل إن البعض يتحفظ أصلا على زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة.

أنا ضد التطبيع ، ومع مقاومته ولكن دعيني هنا أن احدد المصطلح الأصح لمقاومة التطبيع، وهو مصطلح المقاطعة لإسرائيل سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا.. مقاطعة الكيان الصهيوني هو الهدف من مقاومة التطبيع، وبالطبع فان مقاومة التطبيع لا تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يعني إضافة حصار جديد للشعب الفلسطيني المحاصر، فإسرائيل لا ترحب بزيارات عربية لمناطق السلطة الفلسطينية حتى لو كان الزائر يحمل جوازا أو تصريح زيارة، إن إسرائيل تشدد حصارها العسكري على المدن والقرى وتضع العراقيل أمام كل أوجه الحياة، وتحرص اشد الحرص على فرض العزلة علينا، وعدم تواصلنا مع المثقفين والإعلاميين العرب، بل إنها تمنع عنا المعرفة ولا تسمح بدخول الكتب الأدبية والفكرية التي تصدر فى العالم العربي إلى فلسطين بهدف صنع فجوة معرفة.

أوضح يخلف  أن مقاطعة المثقفين المصريين  بعد اتفاقية كامب ديفيد للكيان الصهيوني ثقافيا كانت سندا ودعما لكفاح الشعب الفلسطيني، وأن تمسكهم الآن بمقاطعة إسرائيل التي تواصل الاستيطان وجرائم القتل والتدمير والمصادرة  والتنكر للحقوق يخدم ويدعم ويسند نضالنا الوطني، ولكن مقاطعة إسرائيل لا مقاطعة الشعب الفلسطيني. أن زيارة أي مثقف عربي إلى مناطق السلطة الفلسطينية بدعوة زيارة من السلطة وليس بتأشيرة دخول عن طريق سفارة إسرائيلية، إنما هي زيارة تضامنية للأراضي الفلسطينية، شريطة ألا تشمل زيارات أو لقاءات مع أي شخص أو أي مؤسسة إسرائيلية.

لقد اتسع نطاق المقاطعة السياسية والاقتصادية والثقافية والأكاديمية للكيان الإسرائيلي على الصعيد الدولي فى أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية واليابان من قبل مؤسسات ومنظمات وأخلاقيات ثقافية عالمية. فالإتحاد الأوروبي قاطع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية اقتصاديا وأكاديميا، وهي خطوة لتعميم المقاطعة الشاملة على إسرائيل التي تعيش عزلة دولية ولا تجد الدعم على احتلالها إلا من قبل الولايات المتحدة وكندا ومايكرونيزيا، غير أنّ الأخلاقيات الثقافية فى أمريكا ممثلة فى المجلس الأكاديمي الأعلى للجامعات فى عموم الولايات المتحدة اتخذ موقفا وقرر مقاطعة الجامعات الإسرائيلية التي تمارس التمييز العنصري.، وكذلك فعلت أخلاقيات ثقافية فى أمريكا اللاتينية. فى ختام حديثه أكد يخلف أن أفضل وأروع ما يفعله المثقفون والأكاديميون والصحفيون العرب، وكذلك مؤسساتهم ونقاباتهم هو تكريس الجهد لحشد عالمي لتعميق وتضييق الخناق  من اجل مقاطعة إسرائيل ومؤسساتها الثقافية والأكاديمية والاقتصادية، وصولا إلى تعميق عزلتها الدولية.

التعليقات متوقفه