موقف الدستور من أصحاب الديانات غير السماوية بين مؤيد ومعارض

177

كتبت : رانيا نبيل

طالب الأزهر الشريف، بالإبقاء علي المادة الثانية من الدستور الجديد، كما هي بنصها في دستور 1971 “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.” وطالب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ممثلي الأزهر بالجمعية بأن يتم إلغاء الفقرة الخاصة “بمرجعية الأزهر” في المادة الثانية المقترحة بالدستور الجديد. وقال الدكتور محمد عبد السلام، مستشار شيخ الأزهر عضو الجمعية التأسيسية للدستور، إن الأزهر يريد إرساء مبدأ يتعلق بعدم التعديل بالإضافة أو الحذف للمواد الأساسية لأنها من المبادئ الدستورية المستقر عليها وتواترت عليها الدساتير وتوافقت عليها مختلف القوي الوطنية في وثيقة الأزهر. وكشف عبد السلام في تصريحات مؤخرة له، عن أن الأزهر يفضل أن يكون وضع المسيحيين الخاص بهم في مادة منفصلة لتظل المادة الثانية كما هي. اما الصياغة الحالية للمادة الثانية من الدستور ومازالت مقترح حتي الان، كالتالي: “الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع والأزهر الشريف هو المرجعية النهائية في تفسيرها ولأتباع المسيحية واليهودية الحق في الاحتكام لشرائعهما الخاصة في أحوالهما الشخصية وممارسة شئونهما الدينية واختيار قياداتهما الروحية”. وبهذا النص إعتراف رسمي من الدولة بالأديان السماوية الثلاثة فقط “الإسلامية – المسيحية – اليهودية”. وعن اليهودية فلم يعد في مصر سوي طائفتين فقط منهم، احداهما في القاهرة والثانية في الإسكندرية، الأولي لا تضم سوي 50 يهودياً تقريباً جميعهم متقدمون في السن، بينما يقل عدد أبناء الطائفة اليهودية في الإسكندرية عن ذلك، غير أن الطائفة الأخيرة تضم عدداً كبيراً من الرجال وهو علي العكس تماماً بالنسبة ليهود القاهرة حسب تصريحات رئيسة الطائفة اليهودية في القاهرة كارمن واينشتاين في 2010. وهو مايعني ان عدد اليهود في مصر لا يتجاوز المائة مواطن فقط، إلا ان الدستور نص صراحة علي الاعتراف بهم، في الوقت الذي تجاهل فيه أتباع البهائية.

ديانات أرضية

بالنسبة للديانة البهائية والبالغ عدد أتباعها 2000 مواطن، فقد دخلت مصر عام 1864، عن طريق مجموعة من التجار الإيرانيين المشهورين بتجارة السجاد العجمي وكان معهم أربعة بهائيين استقروا في مصر، وبدأت معهم البهائية، وكان هناك اعتراف رسمي من الدولة بالمحفل المركزي سنة 1934 عندما سجل في المحاكم المختلطة. وفي عام 1943 اشتري بهائيو مصر قطعة أرض وأقاموا عليها المحفل المركزي والمدافن الخاصة بهم، ولايزال المبني قائماً بجوار بالعباسية، بدأت مشكلات البهائيين في البطاقات الشخصية منذ 1960، وفي العام نفسه تم إغلاق المحفل البهائي، وكان يكتب للبهائيين في الأوراق الثبوتية “بهائي” أو (ــ) ولم يتضرر أحد إنذاك. وظل هذا النظام معمولاً به حتي عام 1998. وعندما بدأ العمل ببطاقات الرقم القومي، وُضعت أربع خانات للديانة هي: “مسلم – مسيحي – يهودي – أخري” ونقلوا كل بيانات البهائيين علي بند “أخري”، وعدد قليل هم الذين استخرجوا شهادات ميلاد أو بطاقة رقم قومي مكتوباً فيها “أخري”. وفي 2004 صدر قرار إداري بأن يتم اختصار الديانات إلي ثلاث فقط “مسلم – مسيحي -يهودي” لتتفاقم الأزمة.. وقد تعرض البهائيين لعنف طائفي كما حدث في 2009 عندما تجمع أهالي قرية الشورانية بمحافظة سوهاج وقاموا بحرق أربعة منازل لبهائيين بالقرية.

البوذية

في سبتمبر 2010، رفضت محكمة الأسرة زواج مصري من “بوذية” لأنها “ليست من أهل الكتاب”، حيث قالت المحكمة في حيثيات حكمها إن رفض إثبات الزواج يستند إلي الشريعة الإسلامية، التي تقضي بعدم جواز زواج المسلم من غير أهل الكتاب وفقاً لنص المادة 3 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض الأوضاع. وقد أكد علماء الأزهر اتفاق الحكم مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

تضييق علي الحريات

.. وبالتالي هناك في مصر تابعين لديانات غير سماوية، ديانات لها طقوسها ولها مؤيديها ولها مقراتها، وبما ان اصحاب هذه الديانات مواطنين يعيشون في مصر فلهم نفس حقوق وواجبات كاملة كما لأصحاب الديانات السماوية، وهناك ايضا اللا دينيين، أي لا يدينون بأي دين سماوي او أرضي، إلا أنهم في نهاية الأمر مصريين!.. الدكتور محمد منير مجاهد، المنسق العام لمجموعة مصريون ضد التمييز الديني، قال ان المادة الثانية طبقا لتعديل اللجنة التأسيسية، فإن اصحاب الديانات الغير سماوية غابت حقوقهم بالفعل بسبب عدم إعتراف نص المادة سوي بالثلاثة أديان السماوية فقط. وأشار مجاهد: كنا نأمل بعد الثورة ان يتم توسيع قضية حرية العقيدة بشكل أفضل عما قبل، لكن ما يحدث الأن هو “تضييق” لحرياتهم وحرمانهم من حقوق اساسية تنص المواثيق العالمية لحقوق الانسان. ورفض مجاهد ان تكون الدولة منحازة لدين بعينه، ولا من حقها تحديد ما هو الدين الحق او صحيحه او خلاف ذلك، وفي كل الاحوال لا يجب ان يكون ذلك مبرر لحرمان مواطنين من حقوقهم، بالاضافة الي ان هناك معاناة شديدة لكل من القرآنيين والشيعة ومسلمين اخرين بسبب إختلافهم مع الخط الرسمي لدين الدولة. ضف الي ذلك الرفض الشديد من قبل التيار السلفي لقانون دور العبادة الموحد بسبب مساواته بين المسلمين واصحاب الديانات الاخري.

طقوس سرية!!

وقد صرح مؤخراً د. نصر فريد واصل، مفتي الجمهورية الأسبق، وعضو بالجمعية التأسيسة لوضع الدستور، إنه لا مانع من أن يمارس أصحاب الديانات الوضعية مثل البهائية أو البوذية في مصر شرائعهم وحرياتهم، لكن لا يمكن أن يقيموا الطقوس علي الملأ، لافتاً إلي أن الدستور الجديد سيراعي ذلك، وهذا مستقر في كل الدساتير المصرية السابقة. واعترض واصل علي اقامة حسينيات للمسلمين الشيعة في مصر لأنها تؤدي إلي فتنة وتفرق، ومجتمع مصر ليس فيه هذه الفرق. وهو ما رفضه د. عبدالله النجار عضو مجمع البحوث الاسلامية، قائلاً: لا دخل لفضيلته بالحديث في الاحكام المتعلقة بالديانات الاخري، وهذا رأي خاص به وحده، وغير ملزم به احد، وليس من حقه التدخل في صلاتهم، مستنكراً دعوته للبهائيين للصلاة سراً او علناً في دولة لا تعترف بهم اصلا!!.

تحذير ومقاطعة

واشار منير مجاهد الي ان دور المنظمات الحقوقية في هذه القضية نشر الدعوة والتنوير والضغط بكل الوسائل لجعل كل المصريين علي قدم المساواة معا دون تمييز بينهم علي أسس دينية او عرقية او غير ذلك.

اما الناشطة البهائية د.بسمة جمال موسي أستاذ طب الأسنان بجامعة القاهرة، قالت أن علي الدولة تحديد حقوق للبهائيين، وحل هذه المشكلة بوجود دستور لكل المصريين لا يميز بينهم، ومعه وضع مادة لحل ازمة المواطنة، وان يكون “دستورا يري فيه كل مصري نفسه “. واشارت موسي إلي ان ازمة الاحوال الشخصية التي يعاني منها البهائيون ستظل مشكلة الدولة بالدرجة الاولي ولن يستطيع البهائيون حلها وحدهم.

أمراض بشرية

الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، قالت بالنسبة لغير الاديان السماوية فإن الدولة غير ملتزمة بتحمل مسئولياتهم من حيث بناء معابدهم او مطالبهم الدينية وبالتالي عدم الإلتزام لايضيف ضغطا للدولة، ولذلك هم اقتصروا علي الاديان الثلاثة السماوية فقط، لافتة الي ان الدولة لا تمنع مواطنين بعينهم من ممارسة ما يؤمنون به. ووصفت نصير انا كل ما يحدث الان حول تحديد دين بعينه للدولة بنوع من السيطرة ومحاولة فرض كل شخص سيطرته وقوته في قضية الدستور، لكن دعونا نري ما سيحدث علي ارض الواقع. ووصفت نصير إبتداع الاختلافات والطوائف حول الدين الاسلامي بالامراض البشرية، وان الامور لن تحل عندما نقف بمبدأ التبرص لبعضنا البعض، وان المشاكل المندرجة تحت هذه القضية لن تحل بوجود بضعة بنود في الدستور.

غياب النية

نبيل عبد الفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجي، يري ان الموقف الراهن لدي الأزهر ولدي كل المؤسسات الدينية المصرية لا تشير الي الاعتراف ببقية الاديان الاخري، وانهم يقصرون فهمهم لحرية التدين والاعتقاد بأنها علي الاديان السماوية الثلاثة، وهو ما يتناقض مع الاتجاهات الرئيسية في الفقه والقضاء الدستوري المصري، منذ بدايات الدولة الحديثة وهناك توجه رئيس الدولة في الثقافة القانونية والدستورية المصرية الي قبول حرية التدين والاعتقاد وعدم قصرها علي ماهو شائع لدي بعض الاديان الاسلاميين والمسيحيين، وبالتالي كان النص الاساسي في دستور 1923 ان “حرية الإعتقاد مطلقة” طبقا لنص المادة 12 منه، ثم تم استبعاد هذا النص لصالح حرية التدين والاعتقاد وممارسة الشرائع الدينية، وهو نص موجود في كافة الدساتير المصرية، سواء في العصر الملكي او دساتير الجمهورية كلها. وشدد عبد الفتاح علي أهمية توقيع مصر ومصادقاتها علي الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان ومنها النصوص التي “تحترم حرية التدين والاعتقاد كافة” والامور المتعقلة بالنظام العام والاداب العامة فهو أمر يخضع للرقابة القضائية، اي انه اذا كانت هناك بعض المجموعات التي تقم ببعض الممارسات التي قد تشكل خروجا علي الاداب العامة فالأمر يتعلق بالاحكام المدنية القضائية، التي تحدد النظام العام الذي يعتبر نسبي من مرحلة الي اخري. وأشار عبد الفتاح ان المحكمة الغدارية العليا بدأت تتجه مؤخراً بقبول البهائيين، وكذلك بقية المجموعات الدينية الاخري خارج دائرة الاديان السماوية وهو ما يتسق مع الاتفاقيات الحقوقية الدولية.ويتعين مستقبلاً ان يتم وضع حلول لمشاكلهم الخاصة بالقوانين الشخصية يتفق مع التوجه العالمي في هذا الإطار.

حل قضائي

د. عبدالله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، قال إن بعض الاديان غير السماوية حتي لو تم حلها بالقضاء، فالقضاء لا يخلق ديناً، وانما الدين يخلق من عند الله. وطالب النجار، أتباع الديانات غير السماوية بتنظيم امورهم الشخصية وحدهم، خاصة تلك غير المعترف بيه مثل البهائية، حتي وان حكم لها القضاء فلينفذوا الحكم. وشدد النجار علي ضرورة ابقاء المادة الثانية كما هي، إلا ان الجماعة السلفية والإخوان يتخيلون انهم سيضعون مادة لم يستطع ان يضعها غيرهم، وكأنهم هم احرص علي الاسلام من غيرهم، ويريدون ان يثبتوا وجودهم بحسب وجهة نظرهم. واكد النجار ان المصريين جميعا يريدون تطبيق الشريعة الاسلامية، بسبب العدالة التي تحويها ويحتفي بها العالم كله يحتكم بها.

التعليقات متوقفه