الشاعر والناقد عبدالعزيز موافي: صراع الأجيال أفقد الثقافة تأثيرها فى الواقع

197

 يرى الشاعر والناقد عبدالعزيز موافى – وهو أحد شعراء جيل التسعينيات فى مصر – وأحد أكثر المنظرين لقصيدة النثر المصرية، أن التواصل بين الأجيال عملية ضرورية، فالإبداع هو نتيجة لحركة مستمرة بين القديم والحديث، إلا أنه يرى أن جيل التسعينيات فقد ارتباطه بالأجيال السابقة عليه مما يجعله يقول “إنه لا توجد حركة شعرية فى مصر الآن”.

* كيف ترى التواصل بين الأجيال الإبداعية؟

** الحياة بطبيعتها مثل الزمن تيار متصل وممتد بدون انقطاع لأنه إذا حدث انقطاع زمنى توقفت الحياة تماما، لذلك فإن كل الظواهر الإنسانية هى أيضا نتاج حركة مستمرة وفى اتجاه واحد، وبدون انقطاع.

وفى داخل هذه الحركة يحدث العديد مما يمكن أن نسميه بالمجالات المتعاكسة أو المتصادمة التى قد تقوى بعضها بعضا أو تضعف بعضها بعضا طبقا لطبيعة كلا منها، هذه هى قوانين الطبيعة والتى هى فى نفس الوقت قوانين الحركة البشرية فى مختلف المجالات.

وينطبق هذا الكلام بالضرورة على المجال الثقافى حيث إنه لا يمكن تحديد فكرة الجيل الواحد بشكل قاطع، المجايلة التى تعتمد على “نظام الحقبة”.. “الستينيات – السبعينيات – الثمانينيات.. إلخ” هى فكرة غير دقيقة على اعتبار أن التحولات الكبرى لا يمكن أن تستغرق عشر سنوات فقط وبالتالى تصبح فكرة “المجايلة” قابلة للنقد طبقا لهذا الشرط الزمني، وهذه بدعة لا أعتقد أنها موجودة إلا فى الثقافة العربية وحدها.

* هل ترى العلاقة بين الأجيال علاقة تصادم أم علاقة تكامل؟

** هذا يتوقف على طبيعة الأجيال ذاتها، فمثلا نجد أن هناك تصادما ما بين جيل السبعينيات والجيل السابق عليه بينما نجد أن جيل الثمانينيات هو امتداد طبيعى لجيل السبعينيات، وفى نفس الوقت نجد أن التسعينيين هم نتاج قطيعة كاملة مع الأجيال السابقة عليهم وعلى هذا فليس هناك توصيف قاطع لحالة الجدل بين الأجيال هى بالسلب أو بالإيجاب.

جيل السبعينيات

* ولكن البعض يرى أن جيل السبعينيات تحديدا متهم بأنه أحدث قطيعة بين الأجيال السابقة عليه واللاحقة له؟

** هذا الاتهام مردود عليه لأن أحمد طه مثلا هو الذى تزعم حركة شعراء التسعينيات، وأسس معهم ما يسمى بـ “جماعة الجراد”، وكان لعبدالمنعم رمضان أيضا تأثير واضح على بعض شعراء جيل الثمانينيات، بينما كان حلمى سالم متواصلا مع كل الأجيال، وهكذا.

وبالتالى فإن الأمر لا يرتبط بالجيل بقدر ما يرتبط بطبيعة شخصية الشعراء داخل هذا الجيل، أما عن مفهوم التكاملية فهو مفهوم مغلوط فى مجال الثقافة – بشكل عام – حيث إنه ما من فكرة تكمل فكرة أخرى وإلا كانت صورة شائهة منها ولكن الأفكار بشكل عام تتصارع طبقا لقوانين “الجدل الهجيلي” لينتج عن الصراع بين فكرتين متناقضتين فكرة ثالثة ليست هى الأولى وليست هى الثانية لكنها نتاج الجدل بين الفكرتين إذن فلنقل إن “الجدل” هو التعبير الأدق عن العلاقة بين الأجيال أكثر من مفهوم التكامل.

تأثير متبادل

* ما مدى تأثرك بالجانب الإبداعى بالجيل السابق لك والجيل الحالى من الشعراء؟

** بالنسبة لى أستطيع أن أقرر أننى قد دخلت فى علاقة جدل مع النماذج الشعرية السابقة على لا لكى أجترها ولكن لكى أخرج عليها فى محاولة لتأسيس مبدأ الأصالة أو التفرد.

وهذا طموح مشروع لكل شاعر، وبالتالى فإن تأثرى بالأجيال السابقة على هو تأثر الخروج عليها وليس الخروج منها.

أما الأجيال اللاحقة فهم وحدهم الذين يستطيعون الإجابة هل تأثروا بنموذجى أم لا؟

* أنت أحد الذين نظروا لقصيدة النثر بداية من “تحولات النظرة” إلى كتاب “قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية”، وفى هذا الكتاب تحديدا هناك رؤية خاصة بك تؤكد أن قصيدة النثر ليست وليدة اليوم ولا للجيل السابق فقط، فهل ترى أن قصيدة النثر لها جذور تراثية مما يدلل على فكرة التواصل بين الأجيال؟

** هناك فصل كامل داخل الكتاب بعنوان “الجذور التاريخية لقصيدة النثر العربية” أشرت فيه إلى أن عبدالقاهر الجرجانى فى “دلائل الإعجاز” رفض أن يربط ما بين الشعر والعروض باعتبار أن العروض مجرد أداة يمكن للشاعر الاستغناء عنها، كما أن “الجرجاني” أشار إلى أنه قد يكون هناك كلام غير موزون لكنه ملئ بالطاقة الشعرية، وضرب مثالا على ذلك حينما قال: “سئل أعرابي: لم تحب حبيبتك؟، قال: لأننى أرى القمر على جدار بيتها أحلى منه على جدران الناس”، وافترض أن هذه الكلمات تعبر عن حالة شعرية فائقة من وجهة نظره.

وقبل الجرجانى أشار الفلاسفة المسلمون بدءا من الكندى والفارابى وابن سينا وابن رشد، إلى رفضهم لتعريف قدامى ابن جعفر وتبنيهم لتعريف أرسطو باعتبار أن الشعر هو الكلام المخيل الذى يعتمد على المحاكاة، وأضافوا وهو عند العرب موزون، وقد جاء جازم القرطاجنى ليتبنى مفهوم الفلاسفة فى النقد البلاغي، كما تبنى رؤياتهم للشعر غير العروضى والذى أطلقوا عليه القول الشعرى لكن للأسف لم يقدر لقصيدة النثر أن تتصاعد حتى تصل إلى ذروة اكتمالها بسبب وجود القرآن واتهام المشركين للرسول بأنه شاعر فإذا كان يمكن أن نطلق على الخطاب النثرى أنه شعرى لكان القران الذى رأى المشركون أنه من صياغة النبى هو شعر أيضا وبالتالى يصبح هذا التصور ضد طبيعة النبوة والوحي.

الأجيال الجديدة

* أعرف أنك متواصل مع الجيل الجديد من المبدعين كيف ترى إبداع هذا الجيال؟

** أنا أتصور أن مصر تزخر بالعديد من الشعراء بشكل مبهر ورغم ذلك لا توجد حركة شعرية فى مصر، لأن الحركة الشعرية تشتمل على العديد من العناصر أهمها وجود حركة نقدية موضوعية، وأيضا وجود منابر ثقافية قوية تستطيع أن تلقى الضوء على طبيعة الحركة أمام المتلقي.

للأسف ليس هناك سوى عنصر واحد هو المتواجد وهو الإبداع نفسه أما النقد فمتخلف بينما المنابر هى مجرد “خيالات مآتة” ليست مؤثرة.

* كيف ترى الخروج من هذه الأزمة؟

** ادعاء الخروج من الأزمة سهل نظريا لكنه صعب على الحقيقة باعتبار أن الظروف الموضوعية هى التى تخلق المجال الحيوى لظهور حركة أدبية قوية كما كان الحال فى حقبة الستينيات، فوجود ما لا يقل عن عشرة منابر ثقافية ذات ثقل بالإضافة إلى حركة نقدية قوية هو سبيلنا للخروج من الأزمة، والواقع الموضوعى فى اللحظة الراهنة لا أعتقد أن معطياته تسمح بذلك.

التعليقات متوقفه