أحمد عبد المعطى حجازى لـ”الأهالى”: الكتابة أنقذتني من محن الحياة

138

حرصت أن أكون حرا ولا أفرط فى قلمى

السلفيون أشد خطرا من الإخوان

الثقافة المصرية تراجعت لتهميش دور المثقف

تعرضت لاضطهاد السلطة وقمع الجماعات المتطرفة

أحلم بكتابة مسرحية شعرية

 

“حتما سنرى شمس الحرية، وأنه متفائل بالمستقبل، وان مصر تسير نحو الديمقراطية، والعلمانية والتقدم، ونحو فصل الدين عن الدولة، ولن يستطيع أحد إعادة الماضى، لا الحكم العسكرى ولا الحكم الدينى”.. بهذه الجملة المتفائلة بدأ الشاعر الكبير والكاتب والناقد أحمد عبد المعطى حجازى حواره معنا، وشاعرنا أحد كبار رموز الشعر العربي الحديث، ووجه بارز من وجوه التحرر والتنوير الفكري.. يعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر. اخترقت قصائده كل ما هو قائم فى الحياة،  عالمه الشعرى ملئ بالتدفق الانفعالى والبلاغة اللغوية والحماس والتحريض.. ترجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والأسبانية والإيطالية والألمانية. حصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية، وجائزة الشعر الأفريقى، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة وجائزة النيل وهي أرفع الجوائز الأدبية في مصر.

مؤخرا قدم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي استقالته من مناصب عدة كان يشغلها في وزارة الثقافة، احتجاجاً على قرار وزير الثقافة د.جابر عصفور باسناد منصب رئيس تحرير مجلة «إبداع» إلى آخر.

فى هذا الحوار تحدث حجازى معنا بتدفق وصدق وحميمية حول تجربته الحياتية ورحلته مع الشعر والمرأة والفن، والعديد من القضايا الفكرية والثقافية، ورؤيته للمستقبل.

** هل حقا تجاوزت كل الحدود التى يقف عندها الكاتب؟

– انا فى الأصل شاعر ولغتى الأساسية هى لغة الشعر، وأظن أنى سرت فى طريق الشعر مسافة لابأس بها، لكن مع هذا أنا كاتب مقال، وعملت بالنقد فى مجال الشعر، وقدمت دراسات يمكن أن تدخل ضمن إنتاجى، وتُعامل على أساس انها عنصر أساسى فى هذا الإنتاج، لى مايقرب من سبع مجموعات شعرية بالإضافة إلى 15كتابا فى النقد، وفى المتابعات الثقافية المتنوعة، لأنها تشمل ما عرفته فى فرنسا التى قضيته بها سنوات عديدة، ومن خلالها اتصلت بالثقافة الفرنسية قدر المستطاع.. من هنا أقول أنى شاعر وناثر كذلك، لكن هناك أشكال أدبية لم أقربها مثل الرواية ولا أظن اننى قادر على خوض مثل هذه التجربة، وفى ظنى أنى لدى القدرة على تقديم مسرح شعري، لكنى لم أقدمه رغم أنه يراودنى منذ زمن بعيد.

تجربة حياة

** ما الخطوط الحمراء التى لم تستطع تجاوزها كشاعر؟

– أنا أفكر منذ فترة فى كتابة سيرتى الذاتية، لكنى لم أحسم الأمر بعد، وأتساءل هل أعتبر أن سيرتى الذاتية هى الجانب العام فى نشاطى الشعرى والصحفى، واهتماماتى فى السياسة ومعاركى مع بعض النقاد، وبعض المدارس الفكرية، بالإضافة للمعارك التى خضتها مع السلطة، لأن مثلى مثل كثير من الكتاب الذين تعرضوا لقمع واضطهاد السلطة، وتعرضنا لقمع الجماعات والتيارات المتطرفة، هل اتناول هذا الجانب؟، أم أخوض كذلك فى الجوانب الشخصية التى تتحول إلى نوع من الاعترافات؟ وهل هذه الاعترافات أجرؤ على تقديمها، هذه أسئلة أطرحها على نفسى وسوف أشرع فى الكتابة، لأنىى أستطيع أن أقدم تجربة حياة، حافلة بالتجارب التى يمكن أن تكشف بعض الجوانب فى حياتى وحياة جيل بأكمله.

أظن أن هناك خطوطاً حمراء، تحديدا فيما يتصل بالتابوهات المتعارف عليها، لأنه من الصعب بالنسبة للمثقف المصرى الاقتراب منها باستثناء النادرين الذين اقتربوا من هذا الجانب، وقرأنا سيرا ذاتية بديعة كتبها لطفى السيد- طه حسين- لويس عوض- هيكل- شكرى عياد.. فى حين استطاع طه حسين الاقتراب من مناطق خاصة فى حياته فيما لم يتحدث عن أشياء أخرى، بينما كان لويس عوض شجاعا كشف عن جوانب لا يجرؤ غيره على كشفها، كذلك شكرى عياد، وتناول إسماعيل أدهم علاقته بالدين فى صورة صريحة فى الرسالة التى  قدمها “لماذا أنا ملحد”، نعم هناك من يستطيع اقتحام الخطوط الحمراءـ وهناك من لايستطيع، وأظن أن معظم المصريين لايستطيعون!!

** للمرأة خصوصية فى الشعر العربى.. أين المرأة فى عالمك الشعرى؟

– تجربتى الأولى كانت فى الريف؟ولم يكن ذلك مقبولا، لكنها كانت علاقة عنيفة لم أستطع البوح بها حتى أمام من أحببت!!، تلك التجربة فجرت فى نفسى الشعر، وأعترف أن قصيدة “كان لى قلب” فى ديوانى الأول كانت عن تلك العلاقة.. وكان الشعر هو الرفيق الذى استطيع أن أبوح من خلاله بما أشعر.. وعندما انتقلت للقاهرة فى الخمسينيات، وجدتها مدينة منفتحة مثلها مثل أى مدينة أوروبية، يمكن للعشاق أن يلتقوا، إلى جانب الوسط الثقافى والفنى الذى كنت أتحرك فيه، ثم باريس التى مكثت بها نحو 17 عاما ما جعل نظرتى للمراة تختلف تماما، آمنت بأن المرأة مساوية للرجل مساواة تامة بلا أى تحفظات، على سبيل المثال لا أظن أن العلاقات الحرة السابقة على الجواز تنال رضا المجتمعات الشرقية، لكنها طبيعية فى المجتمعات الغربية، والآن الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند  يعيش مع صديقته فى قصر الرئاسة وتُعتبر سيدة فرنسا الأولى.

القصيدة الخرساء

** يرى البعض أنك تجنيت على قصيدة النثر؟

– لكل فن شروطه، النثر يقال عما هو متفرق لا يجمعه نظام، أما كلمة نظم فلها علاقة بالنظام، وهذا النظام مستمد من الوزن، قصيدة النثر يمكن أن تكون شعرا لكنه شعر ناقص، لأنى أعتقد أن للشعر أدوات تنتج اللغة الشعرية، تحول اللغة من أداه اتصال لتكون أداة إثارة وانفعال وتصوير، نحن نقرأ القصيدة لكى ننفعل بها لا لكى نعرف الساعة كام، أنا لا أقرأ القصيدة لأعرف معلومات بل لكى استمتع  وأشعر بالفرح وأنفعل.. نحن عندما نستخدم المجاز ننقل اللغة من مجال التقرير إلى مجال التصوير، وعندما نكتب كلاما موزونا ننقل اللغة من النثر إلى النظم، وهذا الانتقال هو الذى يمكننا من اقناع القارئ بأن هذه لغة أخرى ليس المقصود بها التقرير بل إثارة الإنفعال.

** إلى أى مدى نجحت قصيدة النثر فى الحفاظ على الإيقاع والموسيقى؟

– تتحقق فى قصيدة النثر بعض شروط اللغة الشعرية، لكنها لاتستفيد بالوزن، وبالتالى تصبح كأنها نصف شعر، لذا سميتها “القصيدة الخرساء”، لأنها تتحدث بالإشارة لا بالصوت.

** عانى الشعراء العرب على مر العصور، ماذا عن تجربتك؟ ورؤيتك لدور الدولة في الشعراء؟

– فى بلادنا لايمكن أن يكون الشعر مصدرا للرزق، ما دفع كبار الشعراء أمثال صلاح جاهين وصلاح عبد الصبور، وبدر شاكر السياب للاشتغال بالكتابة والصحافة..  وأنا حرصت كثيرا على أن أكون حرا ولا أفرط فى قلمى، على الرغم من إتاحة الفرص أمامى للاقتراب من كبار المسئولين بالسلطة والجاه، لكنى ابتعدت كى أبقى مستقلا، وأظن أنى استطعت ذلك، وحول الجانب العملى من الحياة أظن أنى قصرت فى تأمين مستقبل أولادى.

وعن دعم الدولة للشعراء بالذات فهذا فى نظرى  يعنى أنها تريد أن تقدم رشوة للشعراء، لكن هناك بعض الإجراءات التى يمكن ان تقدم مثل “منح التفرغ” التى أفادت العديد من الشعراء.

**   اللغة تعبر عن الأمة، وهى صوت العقل والتواصل الحضارى، كيف ترى حالة الابتذال التى أصابت لُغتنا العربية؟

– حقا لقد اصبت فى وصفك لما آلت إليه اللغة الآن، نعم تمر اللغة بحالة من الانحطاط، وهناك استهانة مطلقة بمقوم أساسى من مقومات الشخصية المصرية، وإذا نظرنا للعامية التى كان يكتب بها بيرم التونسى، وأحمد شوقى فى بعض أغانيه، وفؤاد حداد وصلاح جاهين، سنرى كيف تراجعت اللغة العامية، كما تراجعت الفصحى وانحطت.. والمعروف أن الفصحى تستفيد من العامية عندما تزدهر والعكس، فالذى يستخدم العامية استخداما راقيا لا يمكن أن يستخدم الفصحىى استخداما منحطا..

اعترف أن التراجع لم يقف عند حدود اللغة وحسب، بل شمل المجالات كافة فى الأدب والفكر والشعر والسينما والمسرح والغناء، وإذا نظرنا إلى مكانة مصر فى الغناء من أم كلثوم وعبد الوهاب، وكيف تراجعت وماذا بقى من كبار الفنانين والموسيقيين والمفكرين؟ نستطيع ان نقول أن المشكلة ليست فى اللغة فقط، وإنما هى مشكلة الثقافة المصرية التى انحطت فى العقود السابقة.

** فى تقديرك ما أسباب تراجع الثقافة المصرية ولماذا فقدت مصر دورها الريادى؟

– أول هذه الأسباب هو الاستبداد والحكم الشمولى الذى خضعنا له منذ ثورة يوليو1952، لأن هذا النظام حل الأحزاب، وزيف الانتخابات، وانتهك حرية الصحافة واستولى عليها، وحول وسائل الإعلام إلى ميكروفونات للدعاية له، كما زج بمعظم المثقفين فى السجون.

ساهم النظام الشمولى فى انحطاط التعليم، فقبل الثورة كان من يتخرج في المدرسة الابتدائية يعرف اللغة العربية والانجليزية، مثل العقاد.. ومن يحصل على البكالوريا كان يتقن ثلاث لغات، العربية والانجليزية والفرنسية، وكان يستطيع أن يواصل دراسته فى فرنسا كما فعل محمد مندور وغيره، للأسف هذا النظام الشمولى أفسد التعليم، وأصبحت الدرجات العلمية تشترى، كما أن تلك الجماعات الإرهابية ما هى إلا نبت لهذا النظام.

ضمائر المثقفين

** اتهمت بالعيب فى الذات الإلهية، وتعرضت للهجوم مع أولى قصائدك “بكائية الأبد”؟

– نعم لأن لدى كما لدى الجميع تساؤلات وأحيانا بلا جواب، بدلا من أن أكتمها فى نفسى أصرح بها، أنا اعبر بصدق عما أشعر به بأدب، لا أعتدى على أحد، وهناك متصوفة كبار أساء الظن بهم بعض معاصريهم، أمثال الحلاج، محيى الدين بن عربى، وغيرهم كثر ممن تعرضوا لاتهامات من هذا القبيل، وهناك فرق إسلامية اتهمت بذات التهم كالمعتزلة على سبيل المثال لا الحصر، لكن للأسف هناك الطريقة الموروثة من عصور الظلام وهى التكفير والطعن فى عقائد وضمائر المثقفين والرغبة فى المنع والمصادرة.

مفكر مستنير

** بعد مرور عشرين عاما على رئاسة تحرير مجلة “إبداع” لماذا قدمت استقالتك ؟

– أعترف بأن هناك خلافات حقيقية مع د.جابر عصفور، ربما يكون بها جانب شخصى، وهناك تصرفات وسياسات اتخذها بعد أن أصبح وزيرا، وبدا فيها وكأنه يقرب جماعة بالذات ويمكنهم من عدد لابأس به من المناصب، ويبعد آخرين!!، وتلك الاستقالة ما هى إلا تعبير عن غضبىى من الأسلوب الذى اتبع معى خاصة وأنا ألح منذ سنوات فى طلب الاستقالة..علما بأن د.جابر له مواقف طالما دافعت عنها، لأنه كاتب ومفكر مستنير، لكن كان ينبغى عليه أن يطرح سياسات وأهدافاً للعمل الثقافى، لكنه لم يفعل وأطاح بمن أطاح بهم، وكان من حقى عليه أن يكون تصرفة أفضل وأليق، وهذا وجه اعتراضى.

** المثقف هو ضمير الأمة الإنسانية.. ما الدور الذى يجب أن يلعبه الأن؟

– هناك سلطة الضمير المتمثلة فى الثقافة، ومن هنا فالمثقف هو ضمير الأمة، لذا يجب أن يقود الجماهير، كما أستطاع المثقف طه حسين أن يقود الجماهير، لأنه دافع عن أفكاره وهو فى الجامعة، وكذلك عندما تعرض كتابه “فى الشعر الجاهلى” للمصادرة، وقاد الأمة عندما اصبح وزيرا، قادها بكتاباته، وأعطى المثل بنفسه وهو فقير وضرير، وبعد طرده من الجامعة عرض عليه إسماعيل صدقى أن يترأس تحرير إحدى الصحف ، لكنه رفض وضرب المثل..  المثقف يستطيع أن يكون ضمير أمته وهو مستقل مثلما كان محمد مندور ولويس عوض وعلى عبد الرازق.

المأساة التى تمت، أنه عندما نشأت وزارة الثقافة عام 58، حلت محل الثقافة، لأن قبل إنشائها كان لدينا العقاد، وطه حسين،  وشوقى، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وعبد الوهاب، وأمينة رزق، ويوسف وهبى وغيرهم.. الأن فقدنا كل شيء، باتت لدينا وزارة بدون ثقافة، وكان المفترض أن يكون عمل الوزارة هو تمكين المثقف من أن يكون حرا مستقلا، حتى يكون المثقف ضمير أمته لابد أن يكون مستقلا.

** كيف ترى مسلسل المحاكمات الدائر منذ نحو ثلاث سنوات؟

– للأسف أعمدة النظام حاكموا بتهم يمكن أن يتبرأوا منها، أرى أن المحاكمة السياسية هى التى تدين هؤلاء، ومن المدهش محاكمة مرسى سياسيا ونحن نضع أيدينا فى أيدى السلفيين, وهم ألعن من الإخوان.

حرية الرأى

** هل تعتقد ان هناك محاولات حقيقية لتشويه الوعى المصرى؟ خاصة أن هناك اتهاما للإعلام بأنه يضلل للعقول؟

– من المؤكد أن هناك إعلاميين وصحفيين وأصحاب برامج هم أبواق للسلطة، لكن هناك فرقا بين توجيه التهمه لهؤلاء، وتوجيه التهمة للإعلام، لأن إسكات الكتاب والمثقفين مقصود به منع الإعلام من أن يكون حرا، أى فرض الرقابة على الإعلام.. أما هؤلاء المطبلون فيجب أن يصمتوا، لكن حرية الصحافة والرأى وحرية التعبير حريات لابد أن نرعاها وندافع عنها.

الإسلام الوسطى

** هل تتفق مع من ينادون بإغلاق جامعة الأزهر؟ باعتبار أن الأزهر والإرهاب وجهان لعملة واحدة؟

– يجب ألا يكون علاج المريض بقتله، الأزهر فى حاجة إلى أن يراجع برامجه وسياساته وقراراته وسلوكه، لأن الأزهر يجب أن يكون منبرا للإسلام الوسطى.

ثقافة العقل

** هل يمكن أن يكون السلفيون هم الأداة التى تساهم فى عودة الإخوان مجددا إلى المجتمع؟

– المشكلة أن الدولة تعامل هؤلاء السلفيين باعتبارهم حلفاء وأنصارا للديمقراطية، وفى الحقيقة هم ألد أعداء للديمقراطية، وقضيتهم الرئيسية تنحسر فى تطبيق الشريعة الإسلامية، ويرون الفصل بين الدين والسياسة كفر، والعلمانيين كفار، وفى نظرى هم أشد خبثا من الإخوان وأكثر خطورة على مصر. فإذا كنا جادين فى محاربة الارهاب علينا أن نجفف منابعه، أى أن نخرج من ثقافة الخرافة والطغيان إلى ثقافة العقل والحرية.

** كيف تري المستقبل؟

الرئيس السيسى وقف وقفته البطولية فى 30 يونية، وأرى الآن المصريين واعين بطبيعة المرحلة، ويجب أن ننظم أنفسنا، وعلى الأحزاب أن تقوم بدورها فى قيادة الجماهير، ونشر الوعى بينها، لأننا بالفعل نحيا فى ظروف صعبة، مناخ قاس، نصف المصريين أميون، وفقراء، وسبيلهم الوحيد للثقافة هو ما يتلقونه فى الجوامع..

أؤمن أننا حتما سنرى شمس الحرية، أنا متفائل تفاؤلا كاملا بالمستقبل، نحن نسير نحو الديمقراطية والعلمانية والتقدم وفصل الدين عن الدولة، ولن يستطيع أحد إعادة الماضى.

** وما الحلم المستحيل الذى لم يتحقق بعد؟

– تمنيت أن يكون لى بيت مستقل فى الريف ولم يحدث.. ومازلت أحلم بكتابة مسرحية شعرية.

التعليقات متوقفه