ضحايا مدارس الموت يتساقطون بفعل فاعل

109

وزير التعليم يتجاهل المسئولية السياسية ويبحث دائماً عن كبش فداء

عمليات الصيانة تجرى علي الأوراق فقط تحت شعار “كله تمام”!!

كمال مغيث : ما يحدث يؤكد اكتمال منظومة فشل المؤسسة التعليمية

 

 

العام الدراسي الحالي عام حزين لطلاب المدارس،فحكايات موت التلاميذ لا تنتهى بعد، سواء داخل المدارس أو خارجها، بسبب الإهمال، ورغم تعدد حكايات موت التلاميذ داخل مدارسهم، لكنها جميعا تحوّلت للتحقيقات، وجميع تلك التحقيقات لا تغنى ولا تسمن من جوع، فالجميع يحال للتحقيق ولكنهم فى النهاية يحصلون على البراءة.

 

عقاب رادع

الصغار يذهبون من أجل التعلم فيبادرهم الإهمال بقتل آمالهم، عشرات الحوادث تتكرر كل عام ولا ينتفض أحد لحفظ أرواح التلاميذ، وهناك عدد من الحوادث التي وقعت داخل أسوار المدارس، وأودت بحياة تلاميذ أبرياء، لا ذنب لهم سوى رغبتهم في التعليم، وسقوطهم فريسة للجهل والإهمال المتفشي.

البداية من حادث تلميذين أنهى حياتهما الإهمال ذاته في أسبوع واحد، الأول “يوسف” لم يعرف أن ذهابه لتلقي دروسه قد لا يحتمل العودة للمنزل مرة أخرى، فقد بادره سقوط لوح زجاجي داخل الفصل بمدرسة “عمار بن ياسر” بالمطرية، أصابه بجرح قطعي بالرقبة أودى بحياته، وسط محاولات فاشلة لإسعافه، أما الثاني “يوسف” أيضا فكان يلعب خلال حصة التربية الرياضية بفناء مدرسة “الزغيرات” بمطروح، لكن بوابة حديدية متهالكة سقطت فوقه لتنهي حياته، ومحاولات إنقاذه لم تجد نفعا، نظرا لكون أقرب مستشفى تبعد 15 كيلومترا عن المدرسة، وبمجرد وصول إليها لفظ أنفاسه الأخيرة.

حلقات مسلسل الموت طويلة ومتكررة ففي مارس الماضي، تعثر الطالب هشام فتحي في غطاء متهالك لـ”بيارة صرف صحي” بمدرسة “بني خلف” الإعدادية بمركز مغاغة بمحافظة المنيا، ليختل توازنه ويسقط داخلها، ولم يتمكن أحد من إنقاذه، لكون عمق “البيارة” يبلغ 25 مترا، ورغم ذلك لم يهتم أحد من مجلس المدينة أو مديرو المدرسة بتغطية بالوعة الصرف بفناء المدرسة.

كما لقي التلميذ محمد صلاح مصرعه غرقًا في إحدى بالوعات الصرف الصحي بمدرسة “السلام” الابتدائية بأسيوط، ولفظ التلميذ البالغ من العمر 11 سنة أنفاسه الأخيرة خلال نقله لمستشفى أسيوط الجامعي. أيضا ومع قرب نهاية الحصة الأولى، شعر فارس البالغ من العمر 13 سنة، والطالب داخل مدرسته الإعدادية بقرية “بلنصورة” بمحافظة المنيا، بشىءٍ يلدغه داخل الفصل، وخشي الطالب أن يصرخ حتى لا تغضب المعلمة، لكن لمّا زاد عليه الألم بكى وقال “حاجة قرصتني”، ثم شاهد العقرب يسقط من طرف البنطلون، ومع بكائه قالت له المعلمة اذهب للمدير ليتصرف، وظل يبحث عنه حتى لفظ انفاسه الاخيرة.

 

الوزير يتألم!!

مصرع ثمانية طلاب خلال شهرين فقط منذ بداية العام الدراسى “عام الموت”، عقد د. محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم اجتماعًا لمديرى الإدارات التعليمية ومديرى المديريات لتحديد المسئوليات والاختصاصات لمحاسبة المتسببين فى مصرع الأطفال والإهمال الذى ظهر فى أعمال الصيانة البسيطة والشاملة فى المدارس!!!

وأصدرت الوزارة مجموعة من البيانات التى تحدد اختصاصات مديرى المدارس والمديريات والإدارات التعليمية، على رأسها تحميل مديرى المدارس المسئولية الكاملة نحو سلامة وأمن الطلاب داخل المدارس ومتابعة الغياب كاملا بين الطلاب، لافتة إلى أن هذه المسئولية تأتى فى إطار ما تضمنته بطاقة الوصف الوظيفى والقرارات الوزارية المنظمة لعملهم للالتزام بها والعمل بمقتضاه.

وذكر أبو النصر أن حالات الوفاة في هذه الفترة القصيرة، سواء كانت نتيجة إهمال أو تقصير أو قضاء وقدرا، أمر مؤلم للغاية!! وانه قد تم اتخاذ الإجراءات الواجبة في كل حالة، وهي إجراءات حسابية للمسئول المباشر ومسئول الصيانة ومسئول هيئة الأبنية التعليمية، الى أن وصل الأمر الى إقالة مدير مديرية التربية والتعليم باى محافظة لعدم متابعته لمدارس محافظته، وإقراره بأن كل شيء على ما يرام، وهو ما كان مخالفا للحقيقة بكل أسف.

يرى خبراء تربويون أن وزارة التربية والتعليم “مسئولة سياسياً”عن كوارث المدارس وموت التلاميذ، خاصة بعد تكرار حوادث وفاة الطلاب بسبب تدهور الأوضاع والتقصير من قبَل المسئولين بالإدارات التعليمية، قال د. ” رضا الخولى” ، أستاذ أصول التربية والسياسة التعليمية بكلية التربية جامعة الازهر، إن ما تشهده بعض المدارس من كوارث تصل إلى حد موت التلاميذ نتيجة سقوط باب مدرسة أو نافذة على أحدهم،هو مسئولية سياسية تتحملها وزارة التربية والتعليم، التى هى وزارة ردود فعل فقط، موضحا ان هناك ضرورة ملحة الآن فى تفعيل عمل جهاز المتابعة فى الوزارة بضمير بدلاً من الاكتفاء بإمضاء الأوراق، وكذلك محاسبة هيئة الأبنية التعليمية ومتابعتها أولاً بأول، خاصة أن الوزارة فى حاجة إلى تنظيم واضح وإلى مراجعة أعمالها جيداً لمعرفة محاسبة المقصرين فى مسئولياتهم، علماً بأن الوزير فى أى دولة يستشعر الحرج فى حالة وجود تقصير ما، وما يحدث يومياً بالمدارس هو مسلسل مرفوض.

اعتبر د. كمال مغيث، الخبير التربوى، أن ما يحدث فى المدارس دليل على اكتمال انهيار وفشل المنظومة التعليمية، التى لا تقوم بدورها المنوط بها بناء على مقاييس جودة التعليم، فضلاً عن معاناة عدد من المدارس من جميع أشكال العنف والتحرش.

ويرى مغيث أن حل مأساة موت التلاميذ داخل المدارس هو إعداد تقرير مع بداية كل عام دراسى، على أن تتولى هيئة الأبنية التعليمية إصداره فى الإجازة الصيفية كل عام، من خلال زيارة المدارس ومعرفة مدى جاهزيتها لاستقبال التلاميذ من خلال متابعة المبانى والأسقف، والبوابات، والكهرباء، والأسوار، بحيث تكون الهيئة هى المسئولة عن تقاريرها .

فيما يرى “مصطفى حسين” ،موجه بوزارة التربية والتعليم، إن المشكلة الحقيقية تتمثل فى ضعف المتابعة والرقابة، علاوة على التهاون فى محاسبة المقصرين والمهملين وتشكيل لجان دورية لمتابعة أعمال الصيانة الدورية المطلوبة فى المؤسسات التعليمية، مع توفير الاعتمادات المالية الخاصة بالصيانة والأبنية، ومعالجة القصور فى المدارس.

واعتبر ان الوزارة وهيئة الأبنية التعليمية هما المسئولان الرئيسيان عما يحدث وعما تشهده المدارس من إهمال ،، مشددا على ضرورة إعداد تقارير دورية عن سلامة المدرسة بضمير، وأن تكون هذه التقارير واقعية، وفى حال وجود مخالفة تتم محاسبة مسئولى هيئة الأبنية التعليمية وفق القانون.

 

المسئولية السياسية

اما اولياء امور الطلاب فقد ظهر شبه اجماع منهم حول أن المسئولية الجنائية يجب ان تقع على المقصرين فى أداء أدوارهم، أما المسئولية الأدبية والسياسية فتقع على عاتق كل من وزير التربية والتعليم والمحافظين، فإن كان هناك تقصير من مشرف دور أو مدرس فصل أو حتى مدير مدرسة فهؤلاء يجب مساءلتهم فوراً وعزلهم من مناصبهم ومحاكمتهم إذا لزم الأمر، أما الوزير أو المحافظون فعليهم التقدم باستقالاتهم فور.

تساءل ” مصطفى عبد المنعم” ولى امر عن الدور الحقيقى للوزير فيما يجرى داخل أروقة هيئة الأبنية التعليمية واطلاعه على عمليات الصيانة الدورية التى من المفترض أن تتم فى المدارس، وهى فى أكثر الأوقات تتم على الأوراق فقط، وإن تمت تكون مخالفة للمواصفات؟ وأين دور المحافظ فى المتابعة والمرور المفاجئ وتوجيه التعليمات لمجالس المحليات ولرؤساء الأحياء بالمتابعة اليومية، واشار الى وجود بعض المدارس بها العديد من مصادر الخطر مما يهدد أرواح اطفالنا ومنها على سبيل المثال وليس الحصر مدرسة ” عمر بن عبد العزيز الابتدائية المشتركة” حيث تمت اقامة سلم حديدى لاحد المبانى فيها دون ان يكون مطابقا لمواصفات الامان ووقعت بسببه عدة حوداث لتلاميذ بالصفين الاول والثالث الابتدائيين وكان اخطرها لطفل فى مرحلة الروضة بنفس المدرسة ورغم مطالبة اولياء الامور بتعديله او هدمه لكن المدير اكد عدم قدرته على اتخاذ القرار خاصة أن هيئة الابنيه التعليمية قامت بتسليمه وقام بالتوقيع على اقرار بانه مطابق للمواصفات ، اما مدير عام الادارة فاكد مشكورا عدم امكانية هدمه” لانه اتصرف عليه من فلوس الحكومة!!.

بينما تعجب ” فريد ابراهيم” محام وولى امر من موقف وزارة التربية والتعليم التى تركت اوجاع الناس وكيفية اصلاح ما فسد من رعاياها وتفرغت فقط للتأمين على الطلاب ضد الحوادث لمنح تعويضات مالية لتلاميذ المدارس الذين يموتون فى حوادث الطرق وغيرها، وتصل التعويضات إلى 10 آلاف جنيه يحصل أهل الضحية على 5 آلاف فور وقوع الوفاة والخمسة الأخرى بعد اسخراج إعلام الوراثة، وفى حالة الإصابة تصرف الوزارة ألفي جنيه للمصاب بإصابة خطيرة.

اما قانون التأمين على الطلبة فيتيح صرف مبلغ مالى يصل إلى 6 آلاف جنيه للطالب الذى يصاب أثناء اليوم الدراسى أو أثناء ذهابه وإيابه من المدرسة، أما من أصيب فى غير تلك الأوقات، فإن الصندوق يصرف له إعانة علاج لا تتجاوز 3 آلاف جنيه.

وفى حالة الإصابات الخطيرة يعرض الأمر على وزير التربية والتعليم وهو يقرر صرف ما يطلق عليه في القانون الإعانة الاجتماعية وتقدر بـ 5 آلاف جنيه وتصل إلى 10 آلاف وتصرف حسب الحالة، معتبرا ذلك استهزاء بارواح اطفالنا وتهويناً من شأنه كارثة علينا التصدى لها بطرق اصلاحية وليست مالية فى المقام الاول.

 

التعليقات متوقفه