فريدة النقاش تكتب: زيارة سعيدة جدا

151

“زيارة سعيدة جدا” عرض مسرحي جديد من تأليف وإخراج “مراد منير” الذي قدمه علي مسرح الهناجر، وتحولت الأغنيات فيه إلي مكون أساسي قدمته الفنانة “عزة بلبع” من كلمات “أحمد فؤاد نجم” وألحان الشيخ “إمام عيسي” ، ومحبوهما كثر.

ينفتح العرض علي أسرة تعيش حالة انتظار لعودة ابنها المجند، وفي رسالة منه يطلب “يوسف” من أسرته أن تحسن استقبال قائده الذي سيحل ضيفا عليهم لمدة أسبوعين. ويأتي فعلا القائد الأمريكي القبيح المتعالي الوقح، والذي يحول الزيارة إلي تعاسة غامرة في مفارقة مع عنوان العرض.

تنقلب الحياة في ظل حضوره رأسا علي عقب. وإضافة إلي تفاهة سلوكه وأفكاره يفرض سطوته وصولا لحد إذلال الزوج وإدمان صفعه وإهانته.

ونعرف نحن المشاهدين عن طريق الرسالة التي أخفاها رجل البريد عن الأسرة أن الابن قد قتل،  ويبقي هذا السر مخيما علي المشاهدة حتي النهاية التي يقرر فيها الأب “فتحي سعد” أن يقتل الأمريكي “محمد محمود” بعد أن فاض به الكيل، وأدي “سعد” أداء لافتا  يستحق الدرس.

وفي كل انتقال من حالة إلي حالة تطل علينا الفنانة “عزة بلبع” مع عود “أشرف نجاتي” لتبلغنا رسالة جديدة بحضورها السخي، وصوتها الذي فتح لنفسه أفقا جديدا بعد أن كانت قد تمرست علي الغناء دون ميكروفون لتسعد رفاقها ورفيقاتها حين سجنها نظام السادات، أو في ميدان التحرير في أيام الموجة الأولي من الثورة في 25 يناير، بل وفي المناسبات الجماهيرية المختلفة.

يقول “مراد منير” في تقديمه للعرض إنه وجهة نظر كما يهديه إلي زوجته الراحلة الفنانة “فايزة كمال” وتدور وجهة النظر حول رسالة بسيطة يعرف أبجدياتها المصريون، وتقول الرسالة لابد من الاقتصاص من القتلة وهو ما فعله الأب المعتدي عليه، والذي مات ابنه في الحرب دون أن يعرف. والقتل هو الواقعة الأساسية في العصر، وهو ما يقود إلي أحد الأسئلة الرئيسية لكل عمل درامي كبير من يقود من؟ وعلام تتأسس العلاقات بين القوي والضعيف؟ وهل هناك قانون أخلاقي ملزم؟ ومن يلتزم؟ تتصارع كل هذه الأسئلة في أجواء العرض الذي يزاوج بين الدراما والكوميديا وصولا إلي “الفارس” أحيانا عبر حوار أشبه بما يدور في الحياة اليومية، ولكن حين نتعمق الرؤية فيه نكتشف أعماقا جديدة ربما تقود إلي دهاليز النفس الإنسانية وخباياها، حيث تظل الشخصية المسرحية مكانا للتعبير وهل تلج إلي المسكوت عنه وحتي اللامرئي في أداء متقن وراق لكل فريق العمل.

قال الفنان المسرحي السينمائي “جودار”: علينا تقديم المسرح بشكل سياسي وليس تقديم مسرح سياسي متتبعا خطي الشاعر والمسرحي الفذ “برتولد بريخت”، وهو ما فعله بالضبط مراد منير منذ قدم مسرحية “سعدالله ونوس” الملك هو الملك” مبتعدا عن الشاعرية والخطابة التي سبق أن ارتبطت بالمسرح السياسي في بعض تجاربه.

وينطوي الفرق بين المنظورين علي عملية بالغة التعقيد لأن المخرج – المؤلف وفريقه يتعاملون الآن مع جمهور وصل إلي ذروة انشغاله بالسياسة، ومعرفته بتطوراتها وهو يشكل خبرة ووعيا جديدين، ولذلك بدا الطابع التعليمي في العرض كأنه ينتمي إلي الماضي، وخاصة فيما يتعلق بمشهد المخابرات الأمريكية التي لعبت دورها “العاهرة” سابقا بما يحمل  من استخفاف بقوة العدو.

وللأسف  فإن العرض انتهي، وأتمني أن يحظي بفرصة جديدة علي غرار المسرح المتجول الذي أسسه الفنان الراحل عبد الغفار عودة وبجمهور أوسع حتي نوفر له متعة فنية حقيقية بأداء كل من “انتصار” و”يوسف مراد” و”فتحي سعد” و”هنادي صابر” و”هاني إبراهيم” و”جاد الشهاوي”، وكل فريق العمل الذي منحنا شحنة محبة سرت في جنبات القاعة، وساعدتنا علي طرح الاسئلة بحثا عن اجابات.

فريدة النقاش

التعليقات متوقفه