ماجدة موريس تكتب :أين بوليس الإعلام؟!

202

ثلاث وقائع تابعناها على الشاشات التليفزيونية التى تكاد تقود الإعلام المرئى الآن فى مصر.. عبرت عن تطور أساليب هذا الإعلام فى التعامل مع الأحداث الجارية إلى الدرجة التى تهدد الإعلام المصرى كله بالانحدار إلى مرحلة أسبق بكثير من إعلام الدولة.. أى تلك التى وصلت إليها الإذاعات الأهلية ذات يوم فى العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي.. حين كانت تتشاتم ويسخر بعضها من بعضها علنا قبل أن يتم إيقافها كلها، وإنشاء الإذاعة المصرية المعبرة عن دولة وشعب وكيان ثقافى يخص الجميع.

فى الواقعة الأولي، تبادل إعلاميان مرموقان الهجوم على بعضهما البعض على الهواء من خلال البرنامجين اللذين أصبحا وسيلتهما فى هذا الهجوم، أحمد موسى فى برنامجه “على مسئوليتي” على شاشة قناة “صدى البلد” ويوسف الحسينى فى برنامجه “السادة المحترمون” على شاشة قناة “أون” والمناسبة هى الحكم ببراءة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وهو الحكم الذى أثار الدنيا ولم يقعدها بعد لأسباب عديدة منها تغطيات القضية الإعلامية وإطلاق اسم “محاكمة القرن” عليها واستمرارها لفترة سنوات، والمساحات الواسعة التى أتيحت لدفاع مبارك ورجال عهده إعلاميا، خاصة حين تولت قنوات “صدى البلد” نقل المحاكمات على الهواء بدلا من التليفزيون المصرى فى واقعة فريدة من نوعها قرر فيها قاضى التحقيقات نزع هذا الحق من تليفزيون الدولة لأنه لم يلتزم بالعرض الكامل للمحاكمة وفقا لتقاليد الإعلام السابقة فى التعامل مع هذا الحدث، وقرر اجتزاء التغطية، فذهبت إلى قنوات “صدى البلد” التى يملكها أحد رجال الأعمال الكبار فى زمن مبارك.. ولتنقل عنها كل القنوات الأخرى جلسات المحاكمة حتى انتهت إلى الحكم فى القضية المعروفة بـ “قتل المتظاهرين” ليصبح هذا الحكم فرصة القناة لفتح أحاديث مستفيضة من خلال البرنامج الأكثر شهرة فيها حول مبارك وزمنه والتأسى عليه، وكان محاميه فريد الديب قد حظى على نفس البرنامج بساعات أخرى طويلة للحديث عن القضية وعنه وهو ما دعا مقدم برنامج “السادة المحترمون” للتعليق على هذا من خلال برنامجه وقناته فرد عليه مقدم “على مسئوليتي” وتبادلا الشتائم فيما يخص هجوم البرنامج الأول على ثورة 25 يناير وغيرها.

نحن نريد.. نحن الأقوي

الواقعة الثانية.. كانت بين مقدمي برنامجين آخران هما تامر بسيونى مقدم برنامج “المشهد المصري” على قناة روتانا مصرية ووائل الإبراشى مقدم برنامج “العاشرة مساء” على قناة دريم الثانية، وكان سببها استضافة الثانى للداعية “محمود شعبان” الذى كان نجما تليفزيونيا فى عهد الإخوان بفتاويه المثيرة للجدل، وهو ما انتقده الأول – أى بسيونى – فى برنامجه وانتقد أسلوب الإبراشى وبالتالى انتقل الاثنان من حالة الزمالة والسابقة إلى حالة من الانتقاد والخلاف العلنى أمام الهواء المفتوح ومشاهدين لا يحصون، أما الواقعة الثالثة فقد كان أبطالها هم مجموعة من رجال الإعلام الخاص، ولكن الورقي، أى رؤساء تحرير صحف خاصة جمعهم برنامج على قناة خاصة أيضا هو “المناظرة” لمقدمه عمرو الكحكى على قناة النهار مساء السبت الماضي، الكحكى هو أحد ملاك “النهار؛ الذى يمارس بنفسه مهنة تقديم البرامج أيضا، وبرنامجه هذا يحمل نفس الاسم لبرنامج آخر تقدمه البى بى سى يحمل اسم “المناظرات العربية” وهو مهم بالفعل لو لم ينحاز مبدئيا إلى أحد طرفى المناظرة ولكنه هنا ينحاز حين يختار خمسة من رؤساء تحرير الصحف الخاصة كضيوف للبرنامج، صحيح أن موضوع الحلقة كان “الصحافة الخاصة والبحث عن كيان لها” لكنه موضوع يستحق مناقشة عامة وليست بين أطراف البيت الواحد، لأنه يخص المجتمع كله، وقد توالى هجوم بعض الضيوف على نقابة الصحفيين المصريين لموقفها من إنشاء “غرفة أصحاب الصحف الخاصة” ولم يكن هذا الطرف حاضرا مما اضطر البرنامج لعقد مكالمة طويلة على الهاتف مع كارم محمود سكرتير عام النقابة أثارت غضب ضيوف البرنامج، خاصة مجدى الجلاد رئيس تحرير الوطن وحازم شريف رئيس تحرير المال، ليصبح السؤال الأهم لديهم لماذا لا ينضم رؤساء تحرير الصحف الخاصة إلى لجان بحث التشريعات الإعلامية الجديدة، باختصار لماذا لم تختارهم النقابة للانضمام للجنة.. مطلب خاص، ربما له أهميته فى إطار انقسام الصحافة والإعلام الآن بين خاص وعام، وإحساس “الخاص” بأنه فى أيام زهوته وأنه يقود العملية الإعلامية على الورق ومن خلال الشاشات.. ولتضيع أمور أخرى كثيرة تخص الإعلام بكل نوعياته من ساحة النقاش، خاصة أن الأمر لا يتعلق فقط بالصحف الخاصة فى مواجهة الصحافة العامة أو القومية، ولكنه لابد وأن يطول أيضا الصحف الحزبية، وأن يدار النقاش حول التشريعات الجديدة للإعلام بشفافية تامة وبأسلوب يتيح لكل من يريد التعرف عليه الإتاحة.. أما عن “الحرب” بين الإعلاميين أنفسهم من خلال نوافذهم التى يتحدثون من خلالها، فهل هى تخص هذا أو ذاك أم تخص أصحاب القنوات أنفسهم؟ وهل أصبح مقدمو البرامج الواجهات المعبرة عن مصالح ملاك القنوات أو رؤاهم السياسية أم أنهم يعبرون عن آرائهم الخاصة من خلال هذه البرامج؟ وهل هناك سياسات واضحة ومعلنة لكل شبكة خاصة ولكل قناة فيما تطرحه علينا من أفكار وبرامج وما تقدمه من توجهات؟ وهل هناك لوائح أو وثائق معتمدة تضع تغطيات هذه القنوات وأساليبها فى إطارها الصحيح؟ وكيف يتوارى التليفزيون العام لهذه الدرجة ولا يعد منافسا فى طرح ما يجب طرحه إعلاميا على المشاهد المصرى فى هذا الوقت الحرج؟ ثم لماذا لا تخصص دائرة قضائية لمشاحنات وقضايا الإعلام التى تتزايد يوميا لدرجة مزعجة وما هى السبل لإيقاف صراع الإعلاميين مع بعضهم البعض على الهواء وانضباط العمل الإعلامي، ولماذا تقام لجان لضبط العمل الإعلامى فى أوقات الانتخابات بينما يترك هذا العمل طوال العام بدون أي قواعد تحكمه فيتصور كل من يقدم برنامجا أنه المرجعية فيما يقدم وأنه صاحب حق على جمهوره وأنه الزعيم وأنه كل شيء.

التعليقات متوقفه