ماجدة موريس تكتب: بعد افتتاح نقلته الشاشات.. المسرح القومى وبداية جديدة

181

 فى احتفال محترم.. نقلت إلينا الفضائية المصرية إعادة افتتاح المسرح القومى مساء السبت الماضي.. كان “المسرح المصري” قد رفع من قوائم الاهتمام بالنسبة لنا بعد أحداث مأساوية متعددة أكثرها قسوة هو حريق مسرح بنى سويف وبداخله عدد من أنبغ المسرحيين، ثم حريق مبنى المسرح القومى نفسه الكائن فى منطقة العتبة بقلب القاهرة، لم يفرق الحريق بين بنى سويف البعيدة والقاهرة العاصمة فالإهمال واحد.. ولكن الأمر مع المسرح.. “أبوالفنون” لم يتوقف عند هذا وإنما تطور إلى تجاهل تام للنشاط المسرحى المدرسى والجامعي، وحصار مسارح “الطليعة” و”العرائس” الواقعة فى نفس منطقة القومي، بفعل الفوضى وتمدد بائعى الشارع لدرجة تمنع ارتياد أى مسرح عمليا بل تمنع أصلا الإحساس بأهمية الثقافة وبهجة تلقيها، أما النجدة المطلوبة من الإعلام فلم تأت، بل على العكس، فقد توقفت برامج المسرح على شاشات التليفزيون المصرى العام، وتوقفت عروض المسرحيات فى الأمسيات فى فترة ألغيت فيها كل برامج الفن من جهاز التليفزيون الأكبر فى مصر سواء مسرحاً أو سينما أو موسيقى أو أدباً، وجاءت الشبكات والقنوات الخاصة لتأخذ المكانة الأولى فى اهتمام المشاهد المصرى فى الفترة التى بدأت بثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن فكان من الواضح أيضا أن المسرح ليس على جدول اهتمامات هذه القنوات، ولا كل الفنون أيضا، وأن التركيز كان على برامج اكتشاف الأصوات الجديدة ذات الفورمات الأجنبية، ثم المسلسلات التركية، إلى أن حدث اختلاف فى منتصف هذا العام بدأ مع إنتاج قناة “إم بى سى مصر” اسكتشات مسرحية ومسرحيات من فصل واحد وعرضها على الشاشة المذكورة، ثم جاء المشروع المسرحى التليفزيونى الأكثر نضجا من خلال الفنان “أشرف عبدالباقي” الذى كون فرقة مسرحية تقدم أعمالها خصيصا على شاشة تليفزيون قناة “الحياة” الأولى فى إجازة نهاية الأسبوع، وبالطبع فإن هذا المسرح يحقق شروط العرض المسرحى وأهمها أن يعرض على مسرح، أى قاعة وجمهور باسم “تياترو مصر” وقد استطاعت هذه السهرة المسرحية بالفعل أن تبدأ فى جذب جمهور محب للمسرح من جديد، خاصة، مع الاستعانة بمسرحيين معروفين فى الإخراج وفى فنيات العرض، أما فريق التمثيل فالأغلبية منه من النجوم الجدد، والحرص شديد على الإفيهات وعلى تقديم أعمال كوميدية وساخرة، وبالطبع فإن قنوات “الحياة” تستحق التحية على هذا المشروع الذى قد يأتى فى إطار حرصها على أن تكون أكثر القنوات المصرية الخاصة اهتماما بمجالات الترفيه فى عالم المشاهدة، سواء من خلال برامج المنوعات أو المسابقات أو الحوارات الفنية بجانب الأفلام والمسلسلات، أو لإدراك القائمين عليها أهمية وجود فن المسرح على شاشاتها كجزء من تنويع مساحات الترفيه، وبالتالى أصبح وجود برنامجها المسرحى – بعد توقف برنامج إم بى سى مصر – هو الوحيد المنتمى لهذا الفن، ولهذا تصبح استعادة المسرح القومى بما تتضمنه من توابع تخص عودة المسرح إلى التواجد والتفاعل مع جمهور عريض متوقع أمر شديد الأهمية والحيوية.

والسينما تحتفى بالمسرح

الملفت فى هذا الافتتاح مساء السبت 20 من ديسمبر الحالى أن وزير الثقافة د. جابر عصفور أعلن أن الافتتاح المسرحى موعده 28 ديسمبر، أى مساء الأحد القادم، وأنه فى هذه الأمسية القادمة سيتم تقديم مسرحية للكاتب الكبير “نعمان عاشور” وهو ما يعنى أمرا من اثنين، فإما أن العمل فى ترميم وتجديد المسرح لم ينته فى موعده بالنسبة للشركة المنفذة أو أن تجهيز المسرحية المعدة للافتتاح لم يكتمل، فى الحالتين فإن هذا الافتتاح التذكارى كان مهما ومطلوبا بشدة لكى يستعيد المجتمع – من خلال الإعلام الأكثر انتشارا – صور هذا المبنى العريق وقاعاته وتاريخه من خلال الفيلم التسجيلى الذى عرض فى بداية الاحتفال وقدمه المركز القومى للسينما “لم يكتب اسم مخرجه” وأن نرى رئيس الوزراء وأغلب وزرائه يشاركون فى إعادة افتتاح المسرح العريق الذى أنشئ فى عهد الخديو إسماعيل هو والأوبرا المصرية “لم يذكر هذا مسلسل سرايا عابدين قط” وأن نستعيد كجمهور سابق للمسرح، وجمهور حالى للتليفزيون صور وشخصيات فنية أضاءت هذا المسرح وأثرت فى قلوبنا وعقولنا بفنها العالى مثل سميحة أيوب وعايدة عبدالعزيز ورجاء حسين وعبدالرحمن أبوزهرة وأشرف عبدالغفور ورشوان توفيق وغيرهم من كبار فنانى المسرح المصري، غير أن هذا التكريم “التذكاري” شيء مع أهميته البالغة، وإقامة نهضة مسرحية شيء آخر يعتمد على صعود أجيال جديدة من المسرحيين وإتاحة الفرصة لإبداعاتهم بدون سطوة الرقابة الفنية أو الدينية التى تحدث عنها الوزير فى كلمته، ثم إتاحة مناخ ملائم للمسرح القومى للعمل وللجمهور للوصول إليه وتجميل المنطقة المحيطة وفك الاشتباك ما بين “الحياتي” و”الإبداعي” فلا توجد معركة بين لقمة العيش والإبداع وإنما بين التطرف والإبداع، ومن هنا فإن استرداد “المسرح القومي” الجديد لموقعه القديم فى حياتنا الثقافية لن يكتمل دون خطط تمس نوعيات الفكر والعروض والجمهور، وتخص عودة المسرح نفسه إلى حياتنا، بداية من المدارس للجامعات، ولقصور الثقافة وأيضا للمولات التى يحرص أصحابها على إنشاء دور عرض سينمائى بها ولا يفكرون فى إنشاء مسارح صغيرة.. أخيرا فإن استعادة المسرح القومى بكل ما يمثله من تاريخ وقيمة وإبداع هو جزء مهم من استعادة ذاتية ثقافية مصرية كبيرة تحتاج لجهد جبار ومستمر.. ولكنه ضرورى فى إطار طموح هذا الشعب لحياة أفضل.. وفن وإبداع يلائمان تاريخه العريض.. ويتناغمان مع تعداده الكبير وتعدد مستوياته الثقافية والحياتية.

التعليقات متوقفه