التعدي علي الآثار المصرية مازال مستمرا

122

أثار المماليك تحاصرها المياه الجوفية والقاذورات

ممدوح الدماطى: هناك منظومة متكاملة لرفع كفاءة المنطقة

السكان: نطالب بتطوير منطقة  الخليفة منذ سنوات طويلة

الاثار المصرية فى القاهرة التاريخية تئن وتستغيث وتهيب بالمسئولين لحمايتها من القمامة والقاذورات والمياه الجوفية والاهمال، فما يحدث فى مصر الآن جريمة مكتملة الأركان تتم بأياد مصرية، تحديدا تلك التعديات والانتهاكات التى تجرى فى حى الخليفة العريق، الذى يعد من أغنى أحياء القاهرة بالأثار الدينية والتاريخية، ومنها قلعة صلاح الدين الأيوبى التى تم تشييدها قبل أكثر من ألف عام، ومسجد السلطان حسن، وهو تحفة معمارية من عصر المماليك، والإمام الشافعى، ومسجد السيدة سكينة والسيدة رقية والسيدة عائشة، وغيرها من المعالم الأثرية التى تعتبر من ثروتنا القومية التى يجب الحفاظ عليها وتطويرها، لا تركها ليد الإهمال والعبث.

وقد تشكل وعى الأجيال المصرية على مر العصور  داخل تلك المناطق والبيوت والشوارع والأزقة والقصور والمساجد والمدارس، انه جزء مشرق فى تاريخ مصر، يشكل جزءأ أساسيا من ذاكرتنا الوطنية والثقافية.

ترى لماذا سقطت الاثار التاريخية من ذاكرة الاهتمام وأخذت ملامحها فى التلاشى؟  وإلى متى يستمرالاعتداء على الآثار وكنوزنا الحضارية والثقافية؟ وكيف يصمت المصريون شعبا وأثريون ومسئولون عن العبث بتاريخنا وموروثاتنا الثقافية والإبداعية؟

حالة من الأسى

يقول المهندس أيمن المليجى من سكان المنطقة، كان سبيل أم عباس واحدا من أجمل التحف المعمارية فى منطقة الخليفة، كان به كتاب يعلم الاطفال، كما أن شارع الاشراف به أكثر من 150 أثرا إسلاميا، وقد خرج الزعيم مصطفىى كامل من منطقة الصليبة، وكان يصدر حينذاك جريدة “الصليبة”، وكانت تلك المنطقة مليئة بالفدائيين والثوار، ذلك إبان الاحتلال الانجليزى، حيث كان يقوم الفدائيون بخطف جنود الاحتلال، وكان إحياء الموالد فى تلك المنطقة له مذاق خاص، كان مولد السيدة سكينة وهو يأتى عقب مولد السيدة زينب، وكان يشارك فية كبار المطربين أمثال محمد عبد المطلب، كانت البيوت جميلة بها زخارف ومشربيات، لكن المأساة بدأت عقب زلزال 92 حيث بدأ الاهمال والسرقة، لدرحة ان بعض البيوت الاثرية تم هدمها، وهيئة الاثار “ودن من طين وودن من عجين”

‏ سبيل أم عباس

على ناصية شارع الصليبة يعد سبيل أم عباس تحفة أثرية وأجمل وأشهر الأسبلة فى القاهرة، فقد أنشأته “بنبى قادن هانم” لتوزيع مياه الشرب على أهالى القاهرة وعابرى السبيل، وهى زوجة الأمير أحمد طوسون باشا ووالدة الخديوى عباس حلمى الذى حكم مصر لمدة 6سنوات، وأنشأته بعد مقتله بسنوات عام 1284 ميلادية، نظرا لغلظته وقسوته مع الشعب المصرى، وقد ألحقت به كتاب ومكتبة لتعليم الأطفال العلوم الحديثة والرياضيات والفنون، وعينت به معلمين أسوة بالمدارس الحكومية، وتحول فيما بعد لمدرسة ابتدائية.

يقع السبيل فى حى القلعة، وجمع بين الفن المعمارى العثمانى والأوروبى، واجهة السبيل مقوسة، نصف دائرية، وبها شبابيك مغطاة بشبك النحاس المشغول، وهى غنية بالزخارف المذهبة وتحتوى النقوش على واجهة السبيل على آيات قرانية ذات صلة بالسبيل مكتوبة بماء الذهب، ويتكون السبيل من مستويين، الاول تحت الأرض ويحتوى على الصهاريج التى تستخدم فى تخزين المياه، والثانى فى مستوى سطح الطريق، ويضم حجرة ذات ثلاثة أبعاد ولها فوائد متعددة كتبريد مياه الشرب، وتنقية المياه من الشوائب، وكانت المياه تقدم معطرة بالعنبر وماء الزهر والورد.

أقدم مئذنة

تقول خديجة إبراهيم – من سكان المنطقة- إن مسجد أحمد بن طولون، ثالث جامع انشئ فى مصر، وأقدم المساجد التى احتفظت برونقها وجمالها المعمارى، وقد شيده بن طولون وأنفق علي بنائه نحو 120 ألف دينار، واهتم بالمعايير الهندسية والمعمارية، ومئذنة المسجد هى أقدم مئذنة توجد فى مصر، وفى عهد الايوبيين تحول الجامع إلى جامعة تدرس فيه المذاهب الفقهية، الجدير بالذكر انه فى عهد أحمد بن طولون انتقلت مصر من ولايه تابعة للخليفة العثمانى إلى دولة مستقلة، مع ذلك لم يسلم الجامع من يد التدمير والعبث والتخريب فى عصور مختلفة منذ بنائه!! كما حدث إهمال كبير لكل المواقع الاثرية، لدرجة انه تم بناء أكشاك، وتعلق اللافتات الانتخابية على الآثار والمساجد، وتغيرت معالم المنطقة، وامتلأت بالقمامة والسيارات، وانتشرت المقاهى حول البيوت الأثرية، لذا يجب البدء بحملة نظافة فى كل المناطق المحيطة بالمواقع الأثرية بمنطقة الخليفة حتى لا تطمس معالمها التاريخية، لأنه لابد من الحفاظ على تراثنا الحضارى العريق، والذى هو ملك للمصريين جميعهم بل هو تراث إنسانى ملك للعالم أجمع، وعلينا صيانته وحمايته لأنه هو الواجهة الحضارية لمصر.

منطقة عريقة

المهندس خالد محمد: انا مولود فى الخليفة، بالقرب من السيدة نفيسة، وهذا الحى العريق يضم بين جنباته مشهد السيدة رقية ومشهد السيدة سكينة ابنة الامام الحسين‏، إضافة إلى منطقة التونسى التى تعد من أهم المناطق في حى القاهرة وفى حى الخليفة، ومنطقة الامام الشافعى ومقابر البساتين ومنطقة ومقابر السيدة عائشة، تتميز المنطقة بان موقعها يعتبر في وسط القاهرة لانها قريبة من منطقة السيدة زينب، مع ذلك لا يوجد اهتمام من الدولة بالبيوت أو المقابر ولا يوجد ترميم أو صيانة، القمامة فى كل مكان تغطى أرجاء المكان، على الرغم من اننا نعيش فى منطقة عريقة، بها أثار تعد من أعظم الاثار الاسلامية الموجوده فى العالم، وكانت تضم فى السابق بيت الحكم وبيت المال، لذا أطالب المسئولين بتطوير المنطقة وإنقاذها  لما تحوية من كنوز أثرية، لدرجة أن شارع الاشرف وحدة يضم أكثر من 150 أثرا من أيام الملك الأشرف، آمل ان يصبح شارعا تاريخىا أسوة بشارع الجمالية، المحافظة يجب أن تقوم بواجباتها لإعادة المنطقة لرونقها وسحرها حتى تعود لاستقبال السائحين مجددا.

سرقة الآثار

تحدث محسن سليمان –مدرس- من سكان المنطقة،حول مسجد السيدة عائشة، قال هى من العابدات القانتات، ورحلت عام 145 هجريا، وظل قبرها مزارا حتى القرن السادس الهجرى، وفى العصر الأيوبى انشأ بجوار القبة مدرسة، وعند بناء سور القاهرة فصلت المدرسة عن القبة وفتح فى السور باب سمى بباب السيدة عائشة، وعند بناء الكوبرى، قامت النائبة فايدة كامل بتجديد مسجد السيدة عائشة، والان الاهمال يزداد يوما بعد الاخر، الحى لا يقوم بدوره فى حماية المنطقة، القمامة فى كل مكان تكاد تطمس الاثار، إلى جانب عمليات السرقة التى تتم،  لدرجة انه  تم سرقة الكشافات الأرضية، التى تحيط بالمساجد الأثرية لإنارة الأثر بشكل لائق وإظهار قيمته وجماله، حتى الحوائط الرخامية والشبابيك والحديد الأثرى سرقوا عندما كان الأمن غائبيا، كما ان هناك أناس متخصصة فى سرقة الاثار يتسللون إلى المنطقة بعد إغلاق المحلات!! كذلك الحال بالنسبة لهيئة الأثار فهى لا تقوم بواجبها فى حماية هذه المنطقة الغنية والعامرة بمبان معمارية يجب ان تخلد.

التراث الحضارى

صرح الدكتور ممدوح الدماطي، وزير الآثار، بأن الوزارة لديها خطه عمل إصلاحات لتطوير القاهرة التاريخية والتراثية والإسلامية، مشيرا إلى أنه سيتم تمويل المشروع من خلال المنحة التابعة لصندوق السفير الأمريكي لتمويل المشروعات التي من شأنها المحافظة على الآثار والتراث الحضاري، وذلك في إطار الحرص على تطوير وترميم عدد من المزارات الأثرية بالمنطقة، بما يضمن حمايتها وإجراء كل أعمال الصيانة الدورية لها، وسوف تتم إعادة توظيف المبانى الاثرية بما يحافظ عليها ويعطيها حقها فى الترميم، مؤكدا أن المشروع لن يقتصر فقط على المبانى الأثرية بل سيشمل الطرق والخدمات بالتعاون مع وزارة الاسكان، والأوقاف، والثقافة، والسياحة، محافظة القاهرة، وزارة البيئة، وزارة التطوير الحضارى والعشوائيات، بالفعل هناك منظومة متكاملة لرفع كفاءة المنطقة، تحديدا فىما يخص كيفية التعامل مع التعديات التى زادات بصورة ليست مسبوقة، واساليب البناء، والعمل على إفراغ الشوارع للمشاه، بالإضافة لتغيير خطوط السير فى المنطقة، لذلك فالأمر يحتاج لتضافر كل الجهود كى تعود الأمور لنصابها الصحيح، حتى يتاح ظهورها بما يليق بقيمتها التاريخية والتراثية. 

ترميم الشروخ

فى السياق ذاته أوضح محمد عبدالعزيز مدير مشروع تطوير القاهرة التاريخية، أن هناك دراسة متكاملة تتناول كل الجوانب المتعلقة بأحياء تلك المنطقة، وتحليل الحالة الراهنة لهذه المزارات، ما يضمن استخدام أنسب الطرق لمعالجتها ودرء الخطورة عنها، مشيرا إلى أن المشروع يشتمل على عدة مراحل، من بينها أعمال ترميم الشروخ وإزالة الأملاح الداخلية والخارجية وأعمال الحقن، بالإضافة إلى أعمال ترميم الجص والأخشاب والرخام وأعمال البلاط الداخلية والخارجية والترميمات المطلوبة للأعمدة الحجرية، وأشار إلى أن هذه المزارات الأثرية تحظى بأهمية خاصة من قبل هيئة الاثار.

 

التعليقات متوقفه